المبادرة المصرية تفند "أساطير" الحكومة لتعويم الجنيه

المبادرة المصرية تفند "أساطير" الحكومة لتعويم الجنيه

16 نوفمبر 2016
الورقة أكدت أن التعويم يعتبر خياراً سيئاً (العربي الجديد)
+ الخط -
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مبادرة مجتمع مدني مصرية، اليوم الأربعاء، ورقة بعنوان "ثلاث أساطير حكومية عن تعويم الجنيه المصري" تهدف إلى تفكيك الخطاب الحكومي حول سياسة تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار.

وذلك عن طريق تفنيد ثلاث مقولات أساسية ترددت خلال السنوات الخمس الماضية، وحتى اليوم، لكي يتقبل المصريون قرار تعويم الجنيه.

هذه المقولات تدور حول فكرة أن أزمة الدولار سببها نقص المتحصلات الدولارية وأن النقص كان نتيجة للثورة، والمقولة الثانية هي أن الأزمة تنتهي فور القيام بالتعويم، والمقولة الثالثة هي أنه لا بديل عن تعويم العملة.

وتخلص الورقة إلى أنه خلال السنوات اللاحقة على الثورة، زادت موارد مصر من الدولارات زيادة كبيرة، سواء بفضل زيادة تحويلات العاملين والاستثمارات الخارجية المباشرة والصادرات، خلال السنوات الثلاث الأولى، أو بسبب زيادة القروض الخارجية خلال الأعوام اللاحقة، والتي أمكنها تعويض الجزء الأكبر من انهيار عوائد السياحة، إنما وقع الاقتصاد في أزمة نقص الدولارات بسبب تسرب أموال طائلة إلى خارج البلاد. سواء كان ذلك في شكل تحويل أرباح، أو خروج رؤوس أموال إلى الخارج أو أيضًا تهريب أموال بشكل غير مشروع.

وبحسب الورقة، فقد أدى غياب أي علاج لأزمة الهروب الكبير لرؤوس الأموال إلى خارج البلاد على مدى السنوات الماضية إلى ضياع عشرات المليارات من الدولارات، والتسبب في أزمة نقص الدولارات.

كما أن التعويم لن يؤدي إلى استقرار سوق النقد لعدد من الأسباب تشرحها الورقة بالتفصيل. فإن الحكومة بدلًا من استخدام الدواء المناسب، فقد أدى التشخيص السيئ للأزمة إلى تبني سياسة التعويم رغم ما لها من آثار سلبية فادحة على البلاد والعباد، تجاهلتها الحكومة حين اتخذت قرار التعويم.

الخطاب الثاني الذي تم تعميمه خلال فترة الدعاية المكثفة لتعويم الجنيه، بحسب الورقة، يتعلق باستقرار سوق النقد الأجنبي، مما يؤدى إلى توافد الاستثمارات الأجنبية على مصر. وأن التعويم سوف يقضي على ندرة الموارد الدولارية، لأنه يؤدي إلى زيادة السياحة والصادرات أيضًا... وهذا بدوره سوف يؤدي إلى انخفاض سريع في سعر الدولار مقابل الجنيه، مما يرد للجنيه شيئًا من قوته، فتقصر فترة معاناة الشعب.

وافترضت الورقة خطأ كل تلك التبريرات لعدة أسباب، فندتها في "أن التجارب الدولية تشير إلى أن التعويم تعقبه فترة من عدم استقرار سوق النقد الأجنبي، وهي فترة تشهد صعودًا مبالغًا فيه في قيمة الدولار مقابل الجنيه، نتيجة مقاومة السوق السوداء".

ولفتت الورقة إلى أنه عادة ما تمتد تلك الفترة إلى ستة أشهر، قبل أن يبدأ الجنيه في استعادة شيء من قوته، وهذا ما حدث في مصر عام 2003-2004 عقب التعويم الكامل، وقبل أن يتم القضاء على السوق السوداء. خلال تلك الفترة، فمن المستبعد أن تأتي أي رؤوس أموال أجنبية إلى مصر ولا حتى أموال ساخنة في البورصة لأنها ستفضل الانتظار حتى حدوث استقرار لسوق النقد الأجنبي.

وأشارت الورقة إلى أسباب داخلية أيضا، إذ نتجت عن سياسة اقتراض خارجي "غير رشيدة"، حيث أصبح الاقتصاد في وضع أشبه بالرهينة المحتجزة لدى دائنيه بسبب سياسات البنك المركزي، مؤكدة أنه يفرض هذا الوضع على مصر أن تلجأ إلى مزيد من الاقتراض الخارجي كي تستطيع الوفاء أولًا بأقساط القروض، وثانيًا بوارداتها من السلع الأساسية من غذاء ووقود.

وأضافت الورقة أن هناك سبباً خارجياً، وهو ارتفاع سعر الدولار أمام معظم العملات في العالم كله، على مدى عامي 2014 - 2015، نتيجة لسياسات نقدية فرضتها الولايات المتحدة الأميركية.

ولفتت الورقة إلى أنه من أهم الأقوال المغلوطة، هي أن "التعويم ضرورة لا غنى عنها، لأنها هي البديل الوحيد على المدى القصير".

إذ أكدت أن التعويم يعتبر خيارًا سيئًا؛ فالتعويم لا يؤدي إلى القضاء على ندرة الدولار، لأنه لا يعالج السبب في تلك الندرة، وهو هروب الأموال إلى الخارج، وسوف تقترض الحكومة من أجل توفير العملة الصعبة لسد احتياجات الاقتصاد.

سياسات بديلة

ورأت المبادرة أنه كان من الأجدى أن تتخذ الدولة، حكومة وبنكًا مركزيًّا، حزمة من السياسات التي من شأنها القضاء على تسرب الدولارات إلى خارج البلاد.

أما بشأن السياسات البديلة التي طرحتها الورقة، فتتمثل في فرض قيود مؤقتة وفعالة على أكثر الأشكال ضررًا لخروج رؤوس المال، على غرار تجارب ماليزيا 1997، والأرجنتين 2001، وقبرص 2013، وأيسلندا، 2014.

وخلصت الورقة إلى أنه "كان وما زال هناك فرصة لوقف انهيار الجنيه عن طريق فرض قيود مؤقتة على حركة رؤوس الأموال. وهناك بعض التجارب الناجحة التي اتخذت هذا المنهج، بغرض الحد من انخفاض قيمة عملاتها"، فيما يعرف بـ"سياسات الملاذ الأخير". ولكنها تكون ضرورة في حالة اقتصاد هش، يعاني الركود والتضخم.

وأوضحت الورقة أن تحرير سعر الصرف يسمح بنجاح هذه الخطوة، بعد أن تخلصت السياسة النقدية المصرية من الثالوث المستحيل المتمثل في "التحكم في حركة رأس المال، والتحكم في سعر الفائدة والتحكم في سعر الصرف".

إلا أن الأهم والأكثر استدامة وفعالية، بحسب الورقة، هو "العمل على محاربة خروج رؤوس الأموال بأشكال ولأسباب غير مشروعة، سواء بغرض التجنب الضريبي أو غسيل أموال الفساد. هذا هو جوهر السياسات البديلة".

واستعرضت الورقة بعض أشكال ضوابط خروج رأس المال ووسائل محاربة تهريب الأموال، من خلال فرض ضرائب باهظة على خروج ما يسمى برؤوس الأموال الساخنة، ووضع قيود على خروج الاستثمارات (رفع التكلفة، التفاوض حول البقاء)، وضع حوافز ضريبية للشركات التي تحتفظ بما لا يقل عن نصف أرباحها لإعادة استثمارها داخل مصر (أو فرض إعادة استثمار نصف الأرباح في قانون الاستثمار، مثال الجزائر).

وكذلك فرض ضرائب على الشركات التي تملك فروعًا في ملاذات ضريبية، أو يتخذ مؤسسوها من الملاذات الضريبية مقرًّا لهم (على غرار الضريبة في إنكلترا، والولايات المتحدة الأميركية)، والانضمام إلى قاعدة بيانات الدول التي تتبادل آليًّا المعلومات البنكية عن انتقال الأموال (96 دولة انضمت حتى الآن).

واستخدام آلية التبادل البنكي للمعلومات، والتي تبنتها مجموعة العشرين ونادي الدول الغنية (OECD)، خاصة بتتبع تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية. وفي نفس الإطار تقترح منظمة النزاهة المالية الدولية أن تُلزم كل دولة الشركات العالمية المستثمرة لديها بأن تعلن أرباح الشركة عن كل دولة على حدة وبشكل مفصل لتفادي تحويل الأرباح إلى الفروع المقامة في البلدان التي لا تفرض ضرائب.

ومن ضمن أشكال ضوابط خروج رأس المال ووسائل محاربة تهريب الأموال التي استعرضتها الورقة أيضا، محاربة تحويل الأرباح إلى الخارج عن طريق المبالغة في تقدير قيمة فواتير الاستيراد والتقليل من قيمة فواتير التصدير، وهو الشكل الأكثر انتشارًا لهروب الأموال بطريقة غير مشروعة في مصر وفي العالم، إذ يمثل في المتوسط 83.4% من إجمالي الأموال المهربة عبر العالم وهذا عن طريق تدعيم دور الجمارك وتدريب كوادرها. وأبسط أداة لتمكينهم هي إمدادهم بالحواسيب اللازمة لاطلاعهم المستمر أولًا بأول على أسعار السلع في الأسواق العالمية. ثم يأتي بعد ذلك التحقيق عند اكتشاف تباينات كبيرة في الأسعار.