الكويت.. خفض بدلات المعلمين يزيد ركود العقارات والأسواق

الكويت.. خفض بدلات المعلمين يزيد ركود العقارات والأسواق

10 أكتوبر 2016
مخاوف من تراجع القدرة الشرائية للوافدين (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

 

أثار قرار مجلس الخدمة المدنية في الكويت، خفض بدل السكن الذي يُصرف للمعلمين الوافدين من 150 ديناراً ( 497 دولاراً) إلى 60 ديناراً ( 199 دولاراً)، قلقا متنامياً من تداعيات هذا القرار على القطاع العقاري الذي يواجه تراجعاً بالأساس، وكذلك القطاعات التجارية والخدمية، التي يتخوف من أن يؤدي تقليص الإنفاق من جانب الوافدين بشكل عام إلى ركود في الأسواق.

ويأتي قرار مجلس الخدمة المدنية، يوم الخميس الماضي، في ضوء السياسة التي تنتهجها الحكومة الكويتية نحو ترشيد الإنفاق في الميزانية العامة للدولة، بسبب العجز الذي تواجهه في ظل استمرار تراجع أسعار النفط عالمياً.

وقال يوسف النجار، الوكيل المساعد للشؤون المالية في وزارة التربية، في تصريحات صحافية، إن القرار سيوفر على الدولة ما يقارب 42 مليون دينار سنوياً ( 140 مليون دولار)، مشيراً إلى أنه جاء بناء على توصية حكومية بغرض تخفيض التزامات الوزارة المالية، التي شهدت ارتفاعاً خلال السنوات الأخيرة.

وأدى القرار إلى حالة من السخط في أوساط المعلمين الوافدين الذين أصبح الكثير منهم مجبراً على تغيير مسكنه في ظل خفض بدل السكن بنسبة تصل إلى 60% وتسفير عوائلهم بسبب ارتفاع كلف المعيشة، وسط توقعات بأن تمتد ردود الفعل إلى قطاعات أخرى من العاملين الوافدين تحسباً لقرارات حكومية مشابهة في ظل مساعي التقشف وخفض الإنفاق.

ويبلغ عدد المعلمين الوافدين، الذين يتقاضون بدلات السكن ما يقارب 40 ألف معلم، وتتراوح رواتبهم من دون احتساب مبلغ بدل السكن ما بين 420 ديناراً (1400 دولار) و460 ديناراً (1600 دولار)، فيما يتقاضى المعلمون الكويتيون ما يصل إلى ضعفي هذا الراتب، حسب اختلاف التخصصات والمراحل العمرية للتدريس.

ويقول سليمان الدليجان، الخبير العقاري لـ "العربي الجديد"، إن القرار سيكون له أثر سلبي على العقار الاستثماري، الذي يشهد تراجعات متتالية منذ بداية العام الحالي، نظراً لوضع السوق العام الذي يظهر أن المعروض أكثر من المطلوب.

ويضيف الدليجان أن هناك شريحة كبيرة من المعلمين والمعلمات يسكنون في شقق استثمارية، تتناسب مع أوضاعهم الحالية ومع بدل الإيجار الذي يقدر بـ 150 ديناراً شهرياً، لكن خفض هذا البدل بنسبة كبيرة، سيدفع عدداً لا بأس به من المعلمين إلى البحث عن بدائل تتناسب مع الوضع الجديد، أو السكن في مجموعات بدلا من السكن منفردين، ما سيكون له تأثير على إخلاء بعض الشقق الاستثمارية الحالية.

وبحسب تقرير أصدره بنك بيت التمويل الكويتي مؤخراً، فإن تداولات القطاع العقاري في الربع الثاني من 2016 ( إبريل/نيسان إلى نهاية يونيو/حزيران) فقدت نحو 31% من قيمتها، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، متأثرة بانخفاض قيمة التداولات في كل من القطاعين الاستثماري والسكني بنسبة 45% و31% على التوالي.

ويقول توفيق الجراح، الخبير العقاري، إن الاستثمار في الشقق المؤجرة للمقيمين يعتبر استثماراً ادخارياً لشريحة كبيرة من المستثمرين العقاريين، على اعتبار أن القطاع العقاري يعتبر الملاذ الآمن في الوقت الراهن مقارنة بباقي القطاعات.

ويضيف الجراح لـ "العربي الجديد"، أن المستثمرين كانوا يحصلون على عوائد تصل إلى 8% في العقار الاستثماري، قبل أن تتراجع الى 6% الآن، وهي أعلى بقليل من فائدة الاقتراض التي تصل إلى 5%، مما يعني أن أي تأثيرات سلبية للعقار الاستثماري ستكون لها تبعات على المقترضين لشراء العقارات الاستثمارية.

ويشير إلى أن خفض بدل السكن، سيحدث فراغاً في الشقق، حيث يتوقع أن يقوم العديد من المعلمين الوافدين بتسفير عائلاتهم إلى بلدانهم وإخلاء شققهم السكنية الحالية.

وتوقع قيس الغانم، أمين سر اتحاد العقاريين، أن يشهد القطاع السكني مزيداً من الانخفاض في الأسعار بداية من العام المقبل 2017، ولا سيما خارج العاصمة.

وكان تقرير حديث صادر عن بنك الكويت الدولي، قد ذكر أن سوق العقار الكويتي لن يشهد على الأغلب أي تغيرات جذرية في مستويات المبيعات والأسعار ما لم تشهد مستويات أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً، ولمدة زمنية معتبرة.

وبحسب بيانات محلية عن القطاع العقاري، فإن نسبة الشقق الشاغرة بلغت نحو 18%، وهي في ازدياد، خاصة الشقق المتوسطة والصغيرة التي يفضلها الوافدون.

وتظهر بيانات الهيئة العامة للمعلومات المدنية للمباني والوحدات، أن إجمالي عدد المباني في الكويت بلغ نحو 205 آلاف مبنى في نهاية 2015، مقارنة بنحو 180 ألف مبنى بنهاية 2014، بزيادة بلغت نسبتها نحو 12%.

وأصدرت جمعية المعلمين الكويتية بياناً صحافياً حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أعربت فيه عن تضامنها مع المعلمين الوافدين ورفضها المساس برواتبهم ومستحقاتهم.

وقال رئيس جمعية المعلمين وليد الحساوي لـ "العربي الجديد": إن قرار خفض بدل السكن جاء صادماً للجميع، خصوصاً أن المبلغ المحسوم كبير.

وتوقعت مصادر في وزارة التربية، هجرة قريبة للمعلمين الوافدين مع نهاية العام الدراسي الحالي إلى دول مجاورة، منها قطر والإمارات طمعاً في الحصول على مرتبات أعلى، بينما سيفضل آخرون البقاء وإعادة أسرهم إلى بلادهم تجنباً لمصاريف العيش الباهظة في الكويت، خصوصاً مع ارتفاع نسبة التضخم وصعود الأسعار.

ويقول محمد أنور وهو معلم لغة عربية لـ"العربي الجديد" : " أتقاضى راتباً يقدر بـ 500 دينار شهرياً، بينما يبلغ إيجار شقتي 220 ديناراً أي نصف الراتب تقريباً، بالإضافة إلى المصاريف الأخرى كمصاريف تجديد إقامة الأبناء والزوجة وتجديد رخصة القيادة والوقود والمأكل والمشرب، مما يعني أنني لن أدخر فلساً واحداً لتصبح الحياة هنا مجرد مأكل ومشرب فقط في الغربة".

وتحل الكويت رابعاً في متوسط الأجور خليجياً، وفق المؤسسة العربية لضمان الاستثمار.
ووفق البيانات الحكومية في الكويت فإن المتوسط الشهري لراتب الموظف الكويتي في الوزارات يبلغ 1416 ديناراً (4700 دولار)، بينما يبلغ متوسط راتب غير الكويتي 500 دينار (1658.5 دولاراً)، ما يجعل متوسط قيمة السكن يستقطع نحو 26.3% من راتب المواطن ونحو 50% من راتب الوافد.

وتبرر الحكومة الكويتية خفض بدلات الوافدين، بالسعي إلى كبح عجز الموازنة، الذي قدره وزير المالية الكويتي، أنس الصالح، بنحو 9.5 مليارات دينار (31.5 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس/آذار المقبل.

وأضاف الوزير أنه سيجري تمويل العجز، من خلال اقتراض نحو ملياري دينار (6.6 مليارات دولار) من السوق المحلية باستخدام أدوات الدين العام، ونحو 10 مليارات دولار عبر سندات من الأسواق العالمية.

وأصدرت الحكومة خلال العامين الماضي والحالي قرارات تتعلق بزيادة أسعار بعض السلع المدعومة والخدمات التي يرى خبراء وافدون أنها تؤثر بشكل أكبر على عوائدهم المالية.

وطبقت الحكومة مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، قراراً برفع أسعار البنزين لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي، بنسب تتراوح بين 41% و83.3% حسب نوع الوقود.

وجاءت زيادة أسعار البنزين، بعد رفع أسعار الديزل بداية العام الماضي 2015 من 55 فلساً للتر إلى 170 فلساً ( من 0.18 إلى 0.65 دولار)، بنسبة 209%، لتكون بذلك أول دولة خليجية ترفع الدعم عن بعض المشتقات النفطية.

ويشير مُقيمون في الكويت التقتهم "العربي الجديد" إلى أنه سرعان ما لوحظت زيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة تصل إلى 25% في الكثير من السلع، بعد الإعلان عن تحرير أسعار البنزين.

وكشفت وثيقة حكومية في الكويت عن تقدم 80 شركة محلية وعربية وعالمية عاملة في البلاد، بطلبات لزيادة أسعار منتجاتها التي تضم نحو 1600 سلعة منتشرة في الجمعيات التعاونية والأسواق، بنسبة تتراوح ما بين 10% و25%، وذلك على خلفية زيادة أسعار البنزين التي طبقتها الحكومة الشهر الماضي.

وفي ظل ارتفاع كلف المعيشة والقلق الذي يسيطر على أغلب الوافدين من عدم استقرار أوضاعهم الوظيفية، يرى عاملون في قطاعات تجارية وخدمية أن حركة الأسواق باتت غير مستقرة أيضاً، باعتبار أن الوافدين يشكلون 69% من حجم السكان.

ويقول حمود الهاجري، الرئيس التنفيذي لشركة الأمان للأغذية، إن خفض بدلات الوافدين، سيؤثر على جميع القطاعات بما فيها قطاع الأغذية، حيث ستتقلص العمليات الشرائية بطبيعة الحال، وذلك بعد عودة العديد من أسر الوافدين إلى بلدانهم.

ويضيف الهاجري لـ"العربي الجديد"، " نتوقع انخفاض القوة الشرائية بنسبة 20% خلال الأشهر المقبلة، بعد تطبيق القرار الحكومي".

ويرى صلاح العوضي، الرئيس التنفيذي لشركة المستقبل للاتصالات، أن القطاع سيتأثر أيضاً وتتراجع ربحيته، بعد أن تخفض الأسر ميزانياتها الخاصة باستخدام الاتصالات وخدمات الإنترنت، سواء لسفرها خارج الكويت، أو لتغيير ميزانية المصاريف لديهم.

ويشير العوضي إلى أن قرارات خفض البدلات عموماً من جانب الحكومة، جاء بغرض تخفيض الالتزامات والمصروفات، لكن تداعيات ذلك على القطاعات الاقتصادية سيكون ملموساً، حيث سيصيبها بضرر وربما بشلل، بعد أن تحقق تراجعات في ربحيتها، وبالتالي ستضطر إلى إجراء عملية تسريح لموظفيها وتخلق أزمة أخرى في السوق.

ويشير خبراء اقتصاد إلى أن هناك الكثير من القطاعات التي تأثرت بالفعل على مدار الأشهر الماضية، ولا سيما بعد اتجاه الحكومة لتسريح أعداد من الموظفين وتقليص البدلات، منها قطاع السيارات والمصارف كذلك.

ويشير مصرفيون إلى أن الكثير من المُسرحين أو الذين يتم خفض بدلاتهم لن يتمكنوا من سداد مديونياتهم، الأمر الذي يساهم في رفع حجم مخصصات المصارف لمواجهة حالات التعثر عن السداد.

وبحسب بيانات مصرف الكويت المركزي، فإن إجمالي مخصصات المصارف، ارتفع خلال 2015 بنسبة 18.1%، مقارنة بعام 2014، مسجلة 2.1 مليار دينار كويتي (6.96 مليارات دولار).

ويشير خبراء إلى أن زيادة حجم المخصصات ستجبر المصارف على اتخاذ نماذج استثمارية وائتمانية جديدة، فبعد توسعها خلال الأعوام الماضية في منح الائتمان والقروض للأفراد للاستفادة من الزيادات في الرواتب، التي تم إقرارها خلال السنوات السابقة، أصبح عليها البحث عن قناة استثمارية جديدة.