أزمة بشركات النفط الروسية لزيادة بيلاروسيا تعريفة "الترانزيت"

أزمة بشركات النفط الروسية لزيادة بيلاروسيا تعريفة "الترانزيت"

06 أكتوبر 2016
تفاقم خلافات الطاقة بين روسيا وجيرانها (سيرغي بوبوك/فرانس برس)
+ الخط -


فاقم قرار بيلاروسيا رفع تعريفة مرور النفط الروسي عبر أراضيها بنسبة 50%، من الأعباء المالية على شركات النفط الروسية في إمداداتها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، ما أثار تساؤلات حول مدى إمكانية اعتماد روسيا على جارتها في نقل النفط عبر أنابيب خط دروجبا (الصداقة) البيلاروسي.
ويبدو أن قرار السلطات البيلاروسية جاء رداً على رفض الحكومة الروسية خفض سعر الغاز المورد إلى بيلاروسيا، بينما أكد وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أن ديون مينسك عن الغاز الروسي تقارب 300 مليون دولار.

وفي هذا الشأن، يؤكد الخبير في معهد الطاقة والمال في موسكو، سيرغي أغيبالوف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخلافات بين موسكو ومينسك في مجال الطاقة تعود إلى سعي بيلاروسيا التي تعيش أزمة اقتصادية جراء ارتباطها بالاقتصاد الروسي، للحصول على أموال من روسيا، سواء في شكل رسوم ترانزيت النفط أو تخفيض سعر الغاز.
ويتلخص الخلاف بين موسكو ومينسك حول سعر الغاز في أن روسيا ترى أن السعر العادل للعام المقبل هو 100 دولار لكل ألف متر مكعب، بينما تطالب بيلاروسيا بسعر قدره 73 دولارا، بحجة التراجع الكبير في قيمة الروبل الروسي منذ بدء تهاوي أسعار النفط في منتصف عام 2014.

ويقول أغيبالوف: "يأتي رفع تعريفة الترانزيت بمثابة رد مباشر على رفض روسيا خفض سعر الغاز، وأتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها بعد الاتفاق على سعر الغاز خلال شهر".
وحول كيفية تعامل شركات النفط الروسية مع تعريفات الترانزيت المرتفعة في حال إطالة أمدها، يضيف: "سيكون هناك بالطبع تأثيرات سلبية، لأن ترانزيت كبرى شركات النفط الروسية عبر أراضي بيلاروسيا يبلغ حوالي 50 مليون طن سنويا، هي حجم الإمدادات إلى بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، وفي مقدمتها التشيك وألمانيا وبولندا".



ويتابع: "في حال إطالة أمد الخلاف قد تتجه هذه الشركات إلى نقل النفط إلى الدول الأوروبية بواسطة ناقلات النفط من الموانئ الروسية".
وعلى عكس أوكرانيا التي اعتاد العالم على خوضها "حروب الغاز" وخلافاتها المستمرة مع روسيا، ظلت بيلاروسيا، على مدى سنوات طويلة، أهم الشركاء لموسكو التي قدمت دعما سياسيا واقتصاديا للرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الملقب بـ"الديكتاتور الأخير في أوروبا" والمعروف بتوجهاته الشيوعية وتسويقه مشاريع التكامل بين الجمهوريات السوفييتية السابقة.

وكانت بيلاروسيا تشتري النفط والغاز من روسيا بأسعار السوق الداخلية، ثم تبيع منتجات النفط لبلدان الاتحاد الأوروبي بأسعار عالمية، وذلك بالإضافة إلى حصولها على قروض من روسيا، واستفادة منتجاتها من تسهيلات وامتيازات في السوق الروسية.
وبفضل هذا الدعم، حققت بيلاروسيا ما يطلق عليه الخطاب الرسمي في البلاد اسم "المعجزة الاقتصادية البيلاروسية"، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات كان مستوى معيشة السكان يتحسن عاما بعد عام.

ويرى القيادي في حركة "من أجل الحرية" البيلاروسية المعارضة، يوراس خوباريفيتش، أن الخلافات الأخيرة بين موسكو ومينسك في مجال الطاقة لا تخلو من جانب سياسي.
ويقول خوباريفيتش لـ"العربي الجديد": "تعتبر مينسك الحليف الوحيد للكرملين، وبطرحها مشكلات في العلاقات الاقتصادية تسعى إلى التأثير على الأمزجة داخل روسيا".
ويضيف: "يبدو الوضع وكأن روسيا التي ترى نفسها قوية اقتصاديا، ترفض التعاون مع أقرب جيرانها وحليفها الوحيد. يظهر ذلك القيادة الروسية في صورة غير لائقة، وبالدرجة الأولى في عيون المواطنين الروس".

ويتابع: "داخليا، يصب قرار رفع التعريفات في مصلحة لوكاشينكو، إذ إنه يظهر كزعيم قوي وواثق من نفسه وقادر على الدفاع عن مصالح البلاد في العلاقات مع الجيران الأقوياء".
وجاء احتدام الخلافات بين البلدين بالتزامن مع عودة لوكاشينكو من زيارته إلى الصين واستمرار تحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، منذ رفع بروكسل العقوبات عن الرئيس البيلاروسي في فبراير/شباط الماضي.
ويرجح خوباريفيتش، أن سكوت موسكو على تحركات لوكاشينكو صينياً وأوروبياً، "يهدف إلى إظهار أن بيلاروسيا لا تزال حليفا، وكل تحركات لوكاشينكو على المسار الغربي تحت السيطرة وتحدث بموافقة من الكرملين". ويشير إلى أن موسكو لا تريد الاعتراف بتراجع نفوذها، وهو أمر يدركه ويستغله لوكاشينكو.

وتعتبر بيلاروسيا أهم شركاء وحلفاء موسكو بين الجمهوريات السوفييتية السابقة، وهي عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تشكّل على قاعدة الاتحاد الجمركي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، قبل أن تنضم إليه أرمينيا وقرغيزيا لاحقا.
وفي الوقت الحالي، وحسب العقود المبرمة، تشتري بيلاروسيا الغاز الروسي مقابل 132 دولارا لكل ألف متر مكعب، وهو سعر أقل من أرمينيا (حوالي 150 دولارا) والسعر الذي عرضه عملاق الغاز الروسي "غازبروم" على أوكرانيا (أكثر من 170 دولارا).

وعرضت موسكو على مينسك سعر 100 دولار للعام المقبل، نظرا لارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط مع التأخير لمدة تصل إلى تسعة أشهر، وهي بذلك باتت في أدنى مستوياتها حاليا. إلا أن لوكاشينكو يطمح، على ما يبدو، إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر من تحالفه مع موسكو.
أما التعريفات الجديدة على ترانزيت النفط، فستطبق بعد عشرة أيام على نشرها بشكل رسمي، وهذه في الواقع مهلة للتوصل إلى اتفاق بشأن سعر الغاز.

وكانت روسيا دخلت معركة طاحنة مع جارتها أوكرانيا حول أسعار الغاز، منذ سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، وتزايدت التوترات بين موسكو، وهي أكبر موردي الغاز لأوروبا، وكييف، وهي طريق المرور الرئيسي للغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
وتؤمن أنابيب الغاز في أوكرانيا التي تنقل نصف الغاز الروسي المستهلك في أوروبا، موارد نقدية مهمة لخزينتها.
وقاد البلدان مفاوضات ماراثونية حول أسعار الغاز والديون، وشهدت علاقات الطاقة بين البلدين محطات مهمة وتذبذبات، أبرزها توقف أوكرانيا، منذ 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن شراء الغاز الروسي، وقامت بمضاعفة كميات الغاز التي تشتريها من الاتحاد الأوروبي، مع تواصل المفاوضات بين البلدين في عام 2016 لحل الأزمة.

وصادق الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، في شهر مايو/أيار الماضي، على قانون يتيح تمديد تعليق سداد الديون الأوكرانية لروسيا، والبالغة 3 مليارات دولار، مدة "غير محددة" بدلا من مطلع يوليو/تموز المقبل.
وكانت روسيا تطالب أوكرانيا بسداد دينها دفعة واحدة، في ظل تأكيد صندوق النقد الدولي أنه دين سيادي، بينما أصرت كييف على شطب 20% منه وإرجاء مواعيد السداد.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد اقترح إعادة جدولة القرض وتقسيطه على أعوام 2016 و2017 و2018 بواقع مليار دولار سنوياً، بشرط توفر ضمانات من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو إحدى المؤسسات المالية الدولية، وهو أمر رفضته أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون في وقت سابق.
وجاءت الخلافات الأخيرة بين روسيا وبيلاروسيا حول أسعار الغاز وتعريفة مرور النفط لتضاف إلى أزمة أوكرانيا وتوسع حروب الطاقة في المنطقة.


المساهمون