الصناديق الاجتماعية التونسية تنزلق نحو الإفلاس

الصناديق الاجتماعية التونسية تنزلق نحو الإفلاس

03 سبتمبر 2015
احتجاجات سابقة على تدهور الأوضاع الاجتماعية (الأناضول)
+ الخط -
تسعى الحكومة التونسية إلى إنقاذ الصناديق الاجتماعية التي تفاقمت أزمتها المالية خلال السنوات الأخيرة، عبر رفع سن التقاعد، وفي هذا الإطار اختلفت رؤى أطراف الأزمة، الحكومة وأصحاب العمل والأجراء "العمال"، حول المقترحات الجديدة.
وتشكو الصناديق الاجتماعية في تونس منذ سنوات عجزاً متواصلاً في مواردها، ما أدى إلى تآكل مخزونات صندوقي التعاقد للقطاعين العام والخاص.
وبعد مناقشات موسعة حول رفع في السن القانونية للتقاعد أعلنت الحكومة رسمياً عن إحالة القرار إلى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه قبل بداية العام المقبل.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية عمار الينباعي، مؤخراً، إن مشروع رفع السن القانونية للتقاعد سيتم اعتماده بداية من أول يناير/كانون الثاني 2016 في حال تمت المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب.
وأضاف الينباعي، في تصريحاته لوكالة الأنباء الرسمية، أن مشروع القانون المتعلق بنظام المعاشات المدنية والعسكرية والقطاع العام تضمن بعض الإجراءات العاجلة المقترحة والمتمثلة في الرفع الاختياري في سن الإحالة على التقاعد بـ5 سنوات.
ويضع إمكانية رفع سن التقاعد حكومة الحبيب الصيد في مأزق كبير بسبب رفض أطراف عمالية لهذا المشروع الذي ترى فيه السلطة الحل الأمثل لإنقاذ الصناديق الاجتماعية من الإفلاس.
ويرى اتحاد الشغل أن الحكومة قادرة على دعم الصلابة المالية للصناديق الاجتماعية دون اللجوء إلى رفع سن التقاعد وذلك بالبحث عن مصادر جديدة للتمويل بالإضافة إلى مساهمات الأجراء، معرباً عن رفضه لمقترح رفع سن التقاعد بـ5 سنوات إضافية.

وفي هذا السياق، أكد المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية بالاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الكريم جاد، لـ "العربي الجديد"، أنّ الصندوق الوطني للتقاعد بالقطاع العمومي تآكل مخزونه ويجد صعوبة في صرف المعاشات.
وأفاد جاد بأنّ منظمة الشغالين كانت قد نبهت إلى خطورة وضع صناديق الحيطة الاجتماعية منذ سنة 2005 ودعت الدولة إلى ضرورة تحمّل مسؤوليتها والبحث عن موارد تمويل لفرض استمرارية هذه الصناديق وسنّ خارطة صحيّة عادلة للحفاظ على توازنات الصناديق المالية وتحسين التصرّف الإداري فيها في إطار الحوكمة الرشيدة، وذلك عبر التناصف في التسيير وضرورة التناوب على ترؤس المؤسسات بين أطراف الإنتاج الثلاثة (الدولة وصاحب العمل والأجير).
وقال المسؤول باتحاد الشغل، إن الاتحاد فوجئ بتسرع الحكومة في الإعلان عن مشروع رفع سن التقاعد وإحالته إلى البرلمان دون استكمال المشاورات مع منظمتي الشغالين ورجال الأعمال.
وتبحث وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سنة 2011 عن صيغة لتفادي العجز عن سداد معاشات المتقاعدين وتعزيز التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية وخاصة منظومة التقاعد التي تعاني من عجز كبير بلغ خلال سنة 2013/2014 ما يقدر بنحو 1.1 مليار دينار أي نحو 520 مليون دولار.

اقرأ أيضا: خلاف يحرم مليون تونسي من الدواء

وتشير البيانات الرسمية إلى أن عجز الصناديق الاجتماعية سيتجاوز ملياري دينار أي أكثر من مليار دولار خلال الـ5 سنوات المقبلة إذا لم يتم إيجاد حلول عاجلة وجذرية، ما يفسر تعجيل الحكومة بالإعلان عن رفع سن التقاعد حتى تخفف العجز المتوقع خلال الـ3 سنوات المقبلة بنسبة 50%، حسب بيانات حكومية.
وتعتزم الحكومة رسمياً رفع سن التقاعد من 60 سنة إلى 62 سنة بداية من غرة يناير/كانون الثاني 2016. وعرضت الحكومة على الأطراف الاجتماعية 3 مقترحات، يتمثل المقترح الأول في رفع في سن التقاعد بصفة إجبارية إلى سن 62 سنة، في حين يتمثل المقترح الثاني في الاختيار بين الخروج للتقاعد في سن 62 سنة بصفة إجبارية أو بين 63 و65 سنة بصفة اختيارية، أما المقترح الثالث فيتمثل في اعتماد صيغة التقاعد في سن 65 سنة بصفة اختيارية.

وتعاني أنظمة التقاعد من وضعية مالية سيّئة للغاية بعد أن فاق حجم عجزها حالياً 700 مليون دينار أي ما يفوق 360 مليون دولار نتيجة التجاوزات المالية ووضعيّة التشغيل الهشة وضعف نسبة استخلاص التغطية في القطاع الخاص.
ويعتبر الخبير في الضمان الاجتماعي، خالد الزديري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن العجز ناجم عن تجاوز حجم نفقات الصناديق لحجم مواردها المتأتية من مساهمات الموظفين وأصحاب العمل وعائدات الاستثمار، مشيرا إلى أنّ الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية هو أكثر الصناديق تضرراً بسبب استنفاد مدخراته ورأس ماله.
ويرى الزديري، أنّ الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومات السابقة كانت إصلاحات ترقيعيّة ولم تأت أكلها وهو ما جعل الحكومة الحالية تبحث عن حلول مستعجلة لاحتواء العجز المتفاقم للصناديق قبل انهيارها.
وتعمل الحكومة حاليا على إيجاد حلول للمأزق الحالي جراء غياب التوافق الوطني حول ملف التقاعد وخاصة مسألة الترفيع في سن التقاعد، ما جعلها تفكر في عقد جلسات عاجلة لإنهاء الخلافات لا سيما مع تواصل وتفاقم عجز الصناديق الاجتماعية.
وترفض منظمة الشغالين أن يكون إصلاح الصناديق الاجتماعية على حساب الموظفين، مقترحا زيادة الضرائب والادعاءات على بيع وشراء السجائر والمشروبات الكحولية، على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول النامية.
كما يطالب اتحاد الشغل بجرد ممتلكات الصناديق من أجل توضيح الرؤية، قبل التطرق إلى الحلول خاصة في ظل الشكوك التي تحوم حول غياب الحوكمة والشفافية في طريقة إدارة هذه الممتلكات.
وتشهد السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في نسبة استخلاص أقساط التغطية الاجتماعية بالقطاع الخاص نتيجة تفشي أشكال التشغيل الهشة وصعوبة الوضع الاقتصادي الذي أجبر العديد من المؤسسات على تشغيل العمال دون تغطية أو تسريحهم.

اقرأ أيضا: جدل حول قانون "السبسي" للعفو عن رجال أعمال "المخلوع"

المساهمون