الدولار والتلاعب في أسواق الصرف

الدولار والتلاعب في أسواق الصرف

16 سبتمبر 2015
مضاربات محمومة على الدولار في مصر (أرشيف/Getty)
+ الخط -


إذا أردتَ أن تضرب اقتصاد أي دولة في مقتل، فتلاعب في سوق صرفها الأجنبي، واجعل عملتها الوطنية مذبذبة وغير مستقرة.

وأحدث مثال على ذلك، ما يحدث حالياً في العديد من الدول العربية التي تشهد انخفاضات حادة لقيمة عملاتها الوطنية نتيجة مرورها بحروب وحالة من القلق السياسي والأمني وربما الاقتصادي، وفي مقدمة هذه الدول سورية والعراق وليبيا واليمن، ويحدث التذبذب بدرجات أقل في مصر وتركيا وروسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية.

وتذبذب سوق الصرف ليس المقصود به ارتفاع العملة المحلية أو انخفاضها، فهذا أمر طبيعي ويحدث في كل أسواق العالم، بل إن بعض الدول تحرص على خفض قيمة عملتها الوطنية بهدف زيادة الصادرات وتنشيط الاستثمارات الأجنبية والسياحة، وأحدث مثال على ذلك ما حدث مؤخراً في الصين.

التلاعب في سوق الصرف الأجنبي يأخذ عدة صور، من أبرزها المضاربة الشديدة على عملةٍ ما بهدف خفض قيمتها أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار، أو رفعها بشكل لا يتفق مع المؤشرات الاقتصادية للدولة، ومن بين هذه المؤشرات معدل النمو الاقتصادي وحجم احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والالتزامات الخارجية على الدولة وعجز الموازنة العامة ونسبة التشغيل والبطالة وغيرها من المؤشرات التي تعبر عن قوة الدولة الاقتصادي أو ضعفها.

وهذا النوع الأخير من المضاربة على العملة يتكرر في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حدث أيام حكم مارغريت تاتشر في بريطانيا حيث تمت المضاربة على الجنيه الإسترليني، وحدث في دول جنوب شرق آسيا في تسعينيات القرن الماضي، ويحدث في بعض الدول الآن.

وقد يتم التلاعب في سوق الصرف عبر قيام أحد كبار المضاربين في العملات وقناصي الصفقات بشراء كميات ضخمة من الدولار أو اليورو داخل دولة تعاني أصلا من نقص حاد من النقد الأجنبي وتخزينها بهدف التأثير على الطلب ونقص المعروض وهو ما يؤدى لارتفاع أسعار العملات الأجنبية داخل الدولة، أو قيام هؤلاء بتهريب كميات من الدولار إلى الخارج وبالتالي إحداث نقص بها.

كما كشفت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في شهر أغسطس/آب من العام 2008 عن أكبر عملية تلاعب في تاريخ أسواق الصرف والعملات، فبنوك كبرى مثل سيتي غروب وجي بي مورغان وباركليز ورويال بنك أوف سكوتلاند، تلاعب موظفوها في سعر الدولار واليورو، في الفترة طوال الفترة من عام 2007 إلى عام 2013.

اقرأ أيضاً: مصر تكثّف حملاتها على شركات الصرافة...والدولار يرتفع 3.5%

وفرضت السلطات الأميركية والأوروبية غرامات تزيد عن 10 مليارات دولار على 7 بنوك، منها يو بي إس، أكبر بنك سويسري، وبنك أوف أميركا، بتهم التلاعب في سوق الصرف، وأسعار الفائدة بين البنوك "الليبور".

خطورة الأمر أنه في حال حدوث اضطرابات في سوق الصرف الأجنبي، فإن القلق يمتد لكل القطاعات الاقتصادية داخل الدولة، فالمستثمر يفشل في تحديد الجدوى الاقتصادية وعائد مشروعاته بدقة، والتاجر لا يعرف على أي أساس يحدد كلفة وارداته الخارجية، وهل يستورد في الوقت الحالي أم يؤجل عملية الاستيراد حتى لا يتكبد خسائر فادحة في حال تراجع قيمة العملة المحلية في بلاده.

حتى الحكومات تخشى من ارتفاع العملات الرئيسية بها، وعلى رأسها الدولار، أمام عملتها الوطنية، خوفاً من أن يزيد ذلك من تكلفة وارداتها الخارجية والتزامات ديونها الخارجية، خاصة إذا كانت دولة بحجم مصر تتجاوز فاتورة وارداتها السنوية 62 مليار دولار، وتستورد نحو 70% من احتياجاتها، خاصة الغذائية.

ولخطورة هذا الأمر تحرص كل دول العالم على ضبط أسواق الصرف والتعامل بحرفية مع تطورات أسعار العملات، وتسند هذه المهمة الفنية الخطيرة للبنوك المركزية وسلطات النقد وتبعد الحكومات والمسؤولين السياسيين عنها حتى لا يتم التلاعب بالعملات لأهداف سياسية بحتة.

ومن هنا فإن ما فعله وزير الاستثمار في الحكومة المصرية المستقيلة أشرف سلمان قبل أيام يدخل في إطار الجريمة الاقتصادية والسياسية معاً حيث أطلق الوزير قبل أيام وخلال فعاليات مؤتمر يورومني تصريحات مثيرة للجدل حول ضرورة اجراء خفض جديد لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار بهدف تشجيع الاستثمار وزيادة الصادرات.

ورغم أن سلمان حاول بعد ذلك التنصل من هذه التصريحات، وتأكيد مجلس الوزراء في بيان رسمي أن الحكومة لا تتدخل على الإطلاق في سياسة العملة، وأن البنك المركزي هو الوحيد المختص بإدارة السياسة النقدية وأنه يتمتع باستقلالية تامة، الا أن السوق والمضاربين وكبار المستثمرين تعاملوا بجدية مع تصريحات وزير الاستثمار حول خفض جديد لقيمة الجنيه، ومن هنا حدثت ارتفاعات قياسية للدولار أمام العملة المصرية نتيجة تخزين ومضاربات.

عندما لا يعرف وزير فى حجم وزير الاستثمار حدود صلاحياته فإنها كارثة، ونحن لم نسمع عن أن وزراء المالية أو الاستثمار أو التجارة أو الصناعة في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء تحدثوا فى تطورات سوق الصرف وإدارة السياسة النقدية، لأن هذا ليس دوره ولا من مهام وظيفته بل هو دور أصيل للبنوك المركزية ومؤسسات النقد.


اقرأ أيضاً: الدولار يتراجع أمام الجنيه في مصر