الحرب تكّبد تجارة العراق وسورية 27 مليار دولار

الحرب تكّبد تجارة العراق وسورية 27 مليار دولار

16 مايو 2015
معبر جابر على الحدود الأردنية السورية (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

تعرضت تجارة الدول العربية لخسائر فادحة جراء الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة، وكان العراق وسورية أكثر الدول تضرراً، في ظل تفاقم الصراع المسلح ولا سيما مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فأصيبت حركة التجارة والشاحنات بالشلل، وتراجعت الصادرات بصورة كبيرة.

وسجلت السلطات الاقتصادية العراقية انخفاضاً كبيراً في المبادلات التجارية بين العراق وكل من الأردن وسورية، قدر بنحو 23 مليار دولار عام 2014، حسب الخبير الاقتصادي محمد نبهان. ويأتي ذلك على خلفية سيطرة داعش على العديد من المنافذ الحدودية، وممرات التجارة البرية مع سورية ومنفذ طريبيل الأردني مع العراق.

وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي ميمون عبد الواحد، إنَّ "حركة التجارة البرية بين

العراق وسورية والأردن تضررت كثيراً، بعد سيطرة التنظيم على المنافذ الحدودية والطرق البرية المؤدية إليها، وأصبح معدل التبادل التجاري مع سورية معدوماً خلال العام الجاري، بعدما سجلت التجارة البرية (الصادرات والواردات) بين البلدين 7 مليارات دولار في عام 2013".

وأوضح عبد الواحد لـ "العربي الجديد" أنَّ الأمر نفسه ينطبق على حركة التجارة مع الأردن، حيث يسيطر تنظيم "داعش" على كافة الطرق البرية في المنطقة الغربية من العراق بمحافظة الأنبار، والتي تربط العراق بالمنافذ الحدودية مع الأردن التي انخفض معدل التبادل التجاري معها، إلى أقل من 4 مليارات دولار خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، مشيراً إلى أنه وصل إلى 19 مليار دولار العام الماضي.

ويرى محللون أنَّ سيطرة تنظيم "داعش" على كافة الطرق البرية والشريط الحدودي بين العراق وسورية، يجعل من التنظيم المتحكم في الحركة التجارية بين الدول الثلاث.

وأوضح الخبير الاستراتيجي مأمون الصميدعي، لـ "العربي الجديد"، أنَّ التنظيم سعى للسيطرة على المنافذ وطرق التجارة البرية كونها تمثل مورداً اقتصادياً مهماً للبلاد، وورقة ضغط كبيرة على سورية والأردن في الوقت نفسه وبالتالي سيتحكم التنظيم بتلك الطرق والمنافذ بما يخدم مصالحه، وأشار الصميدعي إلى تضرر شركات النقل البري في العراق كثيراً نتيجة الصراع الدائر.

وقال صاحب شركة للنقل البري، صادق المحمدي، لـ "العربي الجديد": "كانت شركتنا تسيّر يومياً على أقل تقدير أكثر من 30 سيارة نقل كبيرة من الأردن وسورية إلى العراق، وبالعكس تحمل مختلف البضائع والسلع من الفواكه والخضروات إلى الملابس والأجهزة الكهربائية وغيرها، لكنها انخفضت حالياً إلى الصفر وبالتالي تعطل عشرات العمال والسائقين عن العمل".

وأسفر توقف النقل البري بين العراق وكل من سورية والأردن، عن خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات وانعكس ذلك على اليد العاملة وشركات النقل البري، حسب المحمدي.

وأوضح المحلل عبد القهار الكربولي، لـ "العربي الجديد"، أن العراق تربطه 4 منافذ مع سورية والأردن وهي ربيعة مع سورية من جهة الموصل، والوليد والقائم من جهة الأنبار مع سورية وطريبيل مع الأردن، ويسيطر التنظيم على معظمها وعلى الطرق البرية المؤدية إليها.

وأشار إلى أن تدهور التجارة مع سورية والأردن دفع الحكومة العراقية إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع إيران، وقد وصل هذا التبادل إلى أكثر من 25 مليار دولار سنوياً لتعويض الخسائر الكبيرة الناتجة عن انخفاض التبادل التجاري مع سورية والأردن".

وأكد الكربولي، أنَّ" انخفاض التبادل التجاري، انعكس على شركات النقل البري التي تشغل آلاف العمال وسائقي الشاحنات الذين توقف 95% منهم عن العمل كما تراجعت واردات معظم البضائع بنسب كبيرة.

وفي سورية كانت الخسارة أكبر لتجارتها الخارجية، التي تأثرت بالحرب الدائرة هناك على أكثر من جبهة، فتوقفت الصادرات تماماً، خلال العامين الأخيرين مع الدول العربية، حسب تقرير رسمي لوزارة الاقتصاد، في حكومة بشار الأسد.

وكانت الصادرات السورية غير النفطية، للدول العربية، وصلت إلى ذروتها قبل الثورة في عام

2010، لتبلغ قيمتها نحو 4.4 مليارات دولار، في حين لم تزد قيمة الواردات عن 2 مليار دولار، حسب الخبير الاقتصادي عماد الدين المصبح، لـ "العربي الجديد".

ويضيف المصبح، إنه كان لتنوع الإنتاج السوري، والزراعي بخاصة، الدور في تدفق الصادرات باتجاه الدول العربية، وكانت السعودية تحتل المرتبة الأولى في قائمة المستوردين من سورية، حيث بلغت وارداتها قبل الثورة نحو 800 مليون دولار والعراق نحو 700 مليون دولار.

ولكن، حسب ما قال المحلل الاقتصادي محمود حسين، لـ "العربي الجديد"، غلبت المواد الخام أو نصف المصنعة علي الصادرات السورية، ويضيف، أن السياسات الخاطئة للنظام السوري أدت إلى عدم ثقة رأس المال المحلي والعربي، بتأسيس صناعات استراتيجية وبالتالي تشويه بنية الصادرات السورية، فلو استثنينا النفط والفوسفات من الصادرات، فسنجد مدى عجز الميزان التجاري السوري.

وبعد اندلاع الثورة عام 2011، انهارت الصادرات بسبب تفاقم الحرب وإغلاق المنافذ البرية. وكانت المعارضة سيطرت الشهر الماضي على معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، بعد سيطرتها على معبر درعا (الجمارك/الرمثا) (جنوب) منذ نحو عام، لتكون المعارضة السورية قد أطبقت الخناق على نظام بشار الأسد، ولم يبق أمام التجارة من منافذ، سوى مرفأي طرطوس واللاذقية البحريين (غرب) و بعض المعابر الحدودية مع لبنان.

ويطلق على سورية (بلد المعابر) نظراً لوجود 19 معبراً برياً مع دول الجوار، ولارتباطها جغرافيا بين أوروبا وآسيا عبر تركيا، ومنفذ لبنان الوحيد البري، خسر الأسد خلال الثورة معظمها.

وبحسب نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية، محمد الداوود، يصل عدد الشاحنات الأردنية العاملة على الخطوط السورية التي كانت تقوم بنقل البضائع وبعض المواد الغذائية، إلى 300 شاحنة يوميا توقفت بشكل كامل، لتبلغ خسائر قطاع الشاحنات 200 مليون دينار أردني منذ بدأت الأزمة بسورية.

وجاء إغلاق المعبر في أسوأ توقيت بالنسبة للمزارعين السوريين، لأن موسم الأمطار الجيد أتاح فائضا للتصدير في الشهور الأخيرة من منتجات مثل التفاح والليمون.

وبحسب معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في العاصمة دمشق، محمود الخطيب، انعكس إغلاق معبر نصيب (جنوب) على واردات الخضر والفواكه من الأردن، ما رفع الأسعار أكثر من 50% خلال الفترة الأخيرة.

ويؤكد المحلل الاقتصادي، محمد شفيق شاهرلي، أن سورية فقدت معظم صادراتها إلى الدول العربية، كما بلغ عجز الميزان التجاري 8.1% في 2011 و16.1% في 2012 وأكثر من 61% العام الماضي.

وأشار إلى أنه بعد اندلاع الثورة وارتكاب نظام بشار الأسد مجازر بحق السوريين، قرر وزراء خارجية الدول العربية في أكتوبر/تشرين الثاني عام 2011، فرض عقوبات اقتصادية ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري وتبعه قرار العقوبات الأوروبية والأميركية، على قطاعي المالية والنفط السوري.

ويقول الباحث صلاح العبود، المقيم باسطنبول في تركيا لـ "العربي الجديد"، إن العقوبات العربية والغربية، أثرت على تدفق الاستثمارات، ما أدى إلى تراجع حجم الصادرات وزيادة الواردات، مشيراً إلى ان حجم التجارة البينية العربية مع سورية لا يتجاوز 8 مليارات دولار.

ووفقا لدراسة هيئة تنمية الصادرات السورية، فإن المقارنة بحجم الصادرات السورية والناتج

المحلي الإجمالي خلال الفترة الواقعة بين عامي 2010 و2014 يلاحظ تغير درجة أهمية مشاركة الصادرات بشكل كبير حيث انخفضت من 14.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010 إلى 3.9% عام 2014، وذلك نتيجة انخفاض قيمة الصادرات السورية بشكل كبير خلال الأزمة. ‏

أما تقرير الأداء لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية الذي صدر مؤخراً، فأشار إلى عدم تصدير المؤسسات والشركات الحكومية أي منتج خلال العامين الأخيرين 2013 و2014، وأظهر التقرير الرسمي وصول قيمة الواردات الفعلية للوزارة وجهاتها العامة إلى نحو 33 مليار ليرة (الدولار = 218 ليرة) بنسبة 138% من المستهدف عام 2014.

واختصر نظام بشار الأسد علاقاته التجارية بالعالم في إيران وروسيا، ووجد عبر "المستوردات الإنسانية" وفتح البلدين خطوط ائتمان له، مهرباً من العقوبات الاقتصادية واستمراراً لتصدير قوت السوريين، من خضر وفواكه ومنتجات حيوانية، لحلفاء الحرب، بحسب المصبح، الذي أشار إلى أن النظام السوري يستورد من روسيا حوالي 59% من مجمل وارداته.

وبحسب إحصائيات رسمية، استوردت سورية وفق الخط الائتماني المعلن نحو 138 مليون يورو خلال عام 2014، تنوعت بين المنتجات الغذائية والطبية.

 
اقرأ أيضاً: سورية والعراق: نظامان مأزومان يتناغمان اقتصادياً

دلالات