شرطي سوري منشق.. يمتهن صرف العملات ويرفض النزوح

شرطي سوري منشق.. يمتهن صرف العملات ويرفض النزوح

04 ابريل 2015
الصرافة وبيع المحروقات المكررة يدوياً الأكثر رواجاً في سورية(أرشيف/AFP)
+ الخط -

"لن أنزح ولن أهاجر، فكل من خرج من داره قلَ مقداره". هكذا عبر صالح درويش، الشرطي المنشق عن نظام الأسد، عن مدى ارتباطه بالأرض وقناعته بأن "العمر والرزق مكتوبان" على حد قوله، إذ آثر درويش البقاء في سرمين، في ريف إدلب، شمال شرق سورية رغم ضربات قوات الأسد ضد السوريين.

بحثاً عن لقمة العيش، تفرغ بعد انشقاقه عن النظام السوري لبيع مواد البناء والأدوات المنزلية، بعد أن كان يلوذ في وقت سابق إلى هذا العمل في أوقات فراغه.

"كنت أفتح دكاني بعد الدوام وأرضى بما قدر من أرباح، لأن عناصر الشرطة كانت صاحبة أقل راتب بين موظفي الدولة"، يقول صالح لـ "العربي الجديد" قبل أن يرجح أن "نظام الأسد، منذ الأب والابن، ربما يحرضون بذلك الشرطة على الرشوة ومد اليد للحرام".
 
بعد انشقاقه عن نظام الأسد رفضاً لقتل مواطنيه السوريين، تفرغ صالح لتطوير دكانه. ضخ فيه مدخراته، ثم باع حلي زوجته لمزيد من التطوير. غير أن وقف أعمال البناء واقتصار كثير

من السوريين، الباقين في وطنهم، على ترميم ما تهدمه طائرات ومدافع قوات الأسد، هوى بأرباح الدكان إلى مستوى لا يكفي لإعالة أسرة صالح، خاصة بعد غلاء البضائع واضطراره للبيع بالدين، ما اضطره إلى اتخاذ قرار إغلاق الدكان.

قبل هذا القرار، تكونت لدى صالح فكرة عن عمل أكثر رواجا يمكن أن يدر عليه ما يكفيه لسد رمق أسرته. إذ لفت انتباهه، حين كان تاجراً، تنوع العملات المتعامل بها محلياً، ما ساعده على امتهان صرف العملات.

"كان القادمون من تركيا لترميم بيوتهم يعرضون عليّ الليرة التركية أثناء الشراء ومن حول له أقرباؤه من الخليج، يعرض علي الريال أو الدينار، كما أن بعض أسر الشهداء تأتي معوناتهم الشهرية بالدولار أو اليورو"، يقول صالح.

بدأ في اقتحام هذا مجال صرف العملات قبيل إغلاق الدكان، إذ "نظراً لتدهور سعر صرف الليرة السورية المستمر، وعدم امتلاك بعض الشراة العملة السورية، بدأت آخذ ثمن المواد بالعملات العربية والتركية والدولار".
 
واجهته عقبة كبيرة تمثلت في عدم قدرته على احتساب قيمة الليرة السورية بالعملات الأجنبية،

فبادر إلى تكليف ابنه عبد الرحمن بهذه المهمة. كان عبد الرحمن يتابع مستجدات سوق الصرف أولا بأول عبد الإنترنت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة في سعر الليرة. روجت قبول التعامل بالعملات الأجنبية تجارة درويش وحقق أرباحا وصفها بـ "المضاعفة".

مع مرور الوقت، صار سعر صرف الليرة السورية يختلف من منطقة إلى أخرى، فبات التنسيق بين محلات الصرافة في أريحا وسراقب وبنش عاملا حاسما في تحديد سعرها في دكان درويش. "الحاجة والعرض والطلب" تحدد السعر، وفق درويش.

"اليوم، ولله الحمد، بات محلنا مرجعا لمحلات الصرافة في المنطقة، لأننا بعيدون عن استغلال حاجة الناس أو التغرير بهم عبر شائعات انهيار العملة وارتفاع كما يفعل الآخرون". يذكر هنا الانهيار الكبير لليرة السورية في مقابل الدولار في عام 2013، عندما ارتكب النظام السوري مجزرة غوطة دمشق باستعمال السلاح الكيماوي، وانتشار أحاديث عن إمكانية تدخل أميركي في سورية. وقتها قفز الدولار إلى 230 ليرة.

"كانت درسا قاسيا لي ولابني مفاده عدم الانشغال بالشائعات السياسية، وحتى عدم الاكتراث

بكلام المحللين على الشاشات الذين تنبؤوا بانهيار الليرة السورية منذ سنتين".

وفي المقابل، يحرص درويش وابنه على الاستفادة من تقلبات الأسعار لتحقيق الربح. فعلى سبيل المثال، "كل يوم ثلاثاء يشهد عملنا نشاطاً مضاعفاً قياسا بباقي الأيام، والسبب أن المصرف المركزي كان يبيع للشركات والمصارف الدولار بأسعار منخفضة، لذا ترى البعض يخافون ويبدأون ببيعنا العملات الأجنبية ويشترون الليرة، لظنهم أن سعر الليرة سيتحسن".

ليس لدرويش معدل ربح يومي. العمل في سوق الصرف علمه أن الأرباح ترتهن بالأزمات. "فمؤخراً وبعد تحرير مدينة إدلب من قوات الأسد، شهدت المنطقة عودة كبيرة للنازحين، وخاصة من تركيا، فبعنا الليرة بشكل كبير، لكن بعد معاودة القصف في الأيام الأخيرة، بدأ السكان ينزحون، فزادت مبيعاتنا من الدولار والليرة التركية".

غير أن دكان درويش صار يواجه خطرا من نوع آخر، بعد أن أصبح عدد محلات الصرافة يضاهي دكاكين الخضار والفواكه. فقد صارت الصرافة وبيع المشتقات النفطية المكررة يدوياً الأكثر رواجا في البلاد.

 لكن الكثير من المحلات تفلس لجهل أصحابها بقواعد سوق الصرف. ورغم ما راكمه من تجربة، فإن درويش يقر بأنه وابنه "غريبان عن هذه المهنة، ولم نحفظ سوى إذا ارتفع الأخضر اشترِ وإذا انخفض بيع".


اقرأ أيضاً:
ضيق العيش يجبر السوريين على شراء الملابس المستعملة

المساهمون