بنّاء المغرب..ضحية تراجع فورة العقارات وتخمة العمالة

بنّاء المغرب..ضحية تراجع فورة العقارات وتخمة العمالة

29 ابريل 2015
تباطؤ قطاع الإنشاءات يقلق عمال البناء في المغرب (Getty)
+ الخط -
حلم رشيد أيت لحسن منذ صغره، بأن يصبح بنّاءً.. كانت تستهويه هذه الحرفة، اعتاد مراقبة خاله الذي يحظى باحترام، لأنه البناء الوحيد في القرية الواقعة بجبال الأطلس الكبير، يراقبه بالكثير من الإعجاب والدهشة، وهو يبني البيوت الطينية، بالكثير من الإتقان. 
عندما كانوا يسألونه عن حلمه، بعدما دخل المدرسة، كان يجيب، خلافاً لأترابه الذين تستهويهم مهن الطبيب والمحامي والشرطي والطيار، بأنه يريد أن يصبح بناءً.
عندما يحكي رشيد هذه القصة، يؤكد أنه كان يستحضر صورة خاله عندما يردد أمنيته تلك على مسامع سائليه، ولم يكن يتصور مهنة تستدعي احترام الناس أكثر من مهنة خاله.
ليس خاله وحده من ساهم في تشكيل ذلك الحلم لدى رشيد. فعندما كان أبناء القرية يعودون من المدينة في الأعياد، كان ينظر إليهم بالكثير من الإعجاب. ثيابهم نظيفة ووجوههم نضرة. أغلبهم يعملون في البناء. هذا ما حرضه عندما بلغ السادسة عشر من العمر إلى الهجرة إلى مدينة الدار البيضاء، رغم معارضة والدته التي كانت تنصحه بمواصلة دراسته.
اليوم يبدي رشيد الأربعيني الكثير من الندم. لم يصبح بناءً يحظى بمكانة خاله. لقد أضحى بناءً فقط. قضى جزءاً من حياته في بناء عمارات في ظل فورة العقار التي استبدت بالجميع. بالكاد يتذكر بعض العمارات التي ساهمت يداه في تشييدها. عندما يحدثك عن المهنة يؤكد لك بأنها لم تعد كما كانت، خاصة أن البنائين فاضوا عن الحاجة في تلك المدينة. هذا ما يدفع أصحاب المشاريع إلى اقتراح أجور لا تقل عن 11 دولاراً في اليوم لمن يعرفون بـ "المعلمين" و7 دولارات لمساعديهم.
عمر بن علي، الذي يعمل رئيس عمال في أحد ورش البناء، يؤكد أن البناء آخر من تلتفت إليه الشركات العقارية. ينقلونه كما آلياتهم من ورش إلى ورش ويتخلصون منه مع نهاية الورش في انتظار البدء في ورش جديدة. وينبه عمر إلى أنه، في غالب الأحيان، لا علاقة قانونية تربط الشركات العقارية بالبنائين.
فتلك الشركات تسند الإنجاز لشركات صغيرة في إطار المناولة، التي تتولى جلب البنائين ومساعديهم. وبما أنها تسعى إلى الحفاظ على هامش ربح كبير، فإنها تمنح البنائين أجوراً تتراوح بين 11 و 12 دولاراً في اليوم، حيث يعملون ساعات طويلة، تتجاوز العدد القانوني الذي تحدده مدونة الشغل في المغرب.

في غالب الأحيان لا يصرح بأولئك في الضمان الاجتماعي، كما أنهم لا يستفيدون من تأمين بأسمائهم الشخصية، بل تعمد الشركات إلى الاكتتاب في تأمين لا يتعدى في بعض الأحيان أربعة أشخاص، وعندما يقع حادث ما في الورش، يضاف اسم الشخص المصاب إلى بوليصة التأمين.

اقرأ أيضا: 150 ألف مغربي فقدوا فرص عمل بسبب "الرشوة"

يبدو عمر متذمراً وهو يتحدث عن ظروف عمل البنائين. يؤكد أنهم مطالبون بالحفاظ على قوتهم البدنية، ولا حق لهم في المرض.
في السنوات الأخيرة تراجع نشاط البناء في المغرب، فتوقفت العديد من المشاريع أو لم يشرع في مشاريع جديدة، فوجد العديد من البنائين أنفسهم رهن البطالة.
الأرقام التي توردها المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، المتخصصة في توفير البيانات الإحصائية حول الاقتصاد والبطالة والتضخم، تؤكد هذا الوضع، ففي العالم الماضي استقرت فرص العمل في قطاع البناء والأشغال العمومية، غير أنه تجلى أنه فقد 14 ألف فرصة عمل في الثلاثة أشهر الأخيرة من 2014.
رشيد يشدد على أن شركات بناء المنازل لم تعد تحرص كثيراً، على التوفر على "معلمين" يتقنون الحرفة، مثل خاله الذي ألهمه سلوك هذه الطريق. هو يؤكد أن على طريقة البناء التي تفتقد إلى عناصر الجمال والإتقان، توحي للشركات بالاستعانة بـ "أنصاف المعلمين"، الذين يقبلون بأجور زهيدة، حيث أن همهم الوحيد، هو الحصول على فرصة عمل تخول لهم مواجهة تكاليف الحياة، وإن أفضى بهم ذلك إلى خيانة المبادىء الأساسية للبناء. تلك المبادئ التي جعلت خاله مضرب المثل في القرية.
لا يخفي رشيد حيرته. فعدم استقرار العمل في المدينة يوحي له بالعودة إلى القرية، هناك يمكنه أن يحذو حذو خاله ويصبح بنّاء القرية، لكنه يعي أن الأمور تغيّرت هناك، فالكثير ممن ضاقت أمامهم سبل الرزق من البنائين من أبناء قريته عادوا إليها، مفضلين العمل بين الحين والآخر، ورتابة الأيام، على ضغط الحياة في المدينة، حيث لم يعد العمل متاحاً كما في السابق.
يعتبر إبراهيم عدي أنه محظوظ لأنه ترك مهنة البناء التي عمل بها أكثر من 15 عاماً. لم تعد يداه تتحملان لمس الإسمنت، حيث ظهرت فيهما بثور اضطرته إلى التوقف عن العمل. هو الآن يعمل سائق أجرة، وعندما تثير معه تجربته في ورش البناء، يبدي الكثير من الغضب، فلا أجر يلبي متطلبات البنائين، ولا تغطية اجتماعية تؤمن لهم معاشاً بعد الستين، ولا احترام لمبادئ الوقاية في العمل. مازال إبراهيم يعتبر مهنة البناء نبيلة، لكنه يؤكد على أنها لا تغني ولا تسمن من جوع.

اقرأ أيضا: الحكومة المغربية تهرع لإنعاش العقارات

دلالات

المساهمون