مؤتمر مصر الاقتصادي: الدعاية السياسية تتقدم على قضايا المال

مؤتمر مصر الاقتصادي: الدعاية السياسية تتقدم على قضايا المال

العربي الجديد

العربي الجديد
13 مارس 2015
+ الخط -
تبدأ اليوم في فندق "إنتركونتننتال" بشرم الشيخ قمة مصر الاقتصادية التي تستمر ليومين، بحضور وفود من 80 دولة وممثلين لحوالى 23 منظمة إقليمية وعالمية من بينها صندوق النقد والبنك الدوليان. وذلك حسب تصريحات وزارة الخارجية المصرية.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن حوالى 1100 مستثمر يمثلون شركات ومجموعات عربية وأجنبية سيحضرون القمة في شرم الشيخ. وتأمل الحكومة المصرية جمع استثمارات من هذه القمة تتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار. كما تأمل كذلك تدشين عهد جديد يظهر نظام الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي، بأنه مسيطر على الأوضاع الأمنية والسياسية في مصر وأنه قادر على إدارة شؤون مصر اقتصادياً وسياسياً نحو مستقبل أفضل.
ونقلت وكالة فرانس برس عن دبلوماسي غربي قوله إن المؤتمر ليس حدثاً اقتصادياً بالأساس، بل سياسي، وأضاف: "البلاد تريد أن تجعل منه حدثاً دولياً وإعلامياً، لتثبت للعالم أنها تعود بقوة إلى الساحة الدولية، وأن البلد صار آمناً ومستقراً ومستعداً لاستقبال المستثمرين والشخصيات الدولية".
لكن خبراء مال غربيين قالوا في تعليقات لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن الفجوة تتسع بين آمال النظام المصري وما سيتحقق من هذه القمة على أرض الواقع، وإن هناك مخاوف من أن تفضي الحملة الأمنية العنيفة التي نفذها نظام السيسي إلى نتائج عكسية وتنتهي إلى مواجهات أعنف بين المعارضة المصرية والنظام. ولم يستبعدوا أن تنتهي القمة إلى رسم صورة أكثر اضطراباً للحكم في مصر.
ورغم أن مصر دولة جذابة للاستثمار الأجنبي من حيث حجم سوقها الضخم وعدد المستهلكين الذي يبلغ 91 مليون نسمة لكنهم يشيرون إلى أربعة عوامل تهدد نجاح القمة الاقتصادية، وهي الاستقرار السياسي والكفاءة الإدارية وتدهور قيمة سعر صرف الجنيه المصري وعدم جاهزية قانون الاستثمار. وهذه العوامل تشكل الركائز الأساسية لجذب أية رساميل أجنبية إلى دول العالم.
وتعد السوق المصرية غير مشبعة في شتى مجالات الإنتاج الصناعي وغير الصناعي، حيث تتوفر في مصر كلفة منخفضة للعمالة والمواد الخام، كما تتوفر الكفاءات التقنية التي ترفع من القدرة التنافسية للبضائع المصنعة وتجعل فرص الاستثمار بمصر يسيل لها لعاب العديد من الباحثين عن تحقيق عوائد كبيرة في المنطقة العربية وخارجها.
لكن خبراء اقتصاد يقولون إن هذه الظروف المواتية لتدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر، تقابلها ظروف سياسية طاردة للاستثمارات، حيث يقف نظام الحكم الحالي الذي يقوده المشير السيسي حجر عثرة أمام استقرار البلاد ويفرض نفسه على الجماهير بقوة السلاح. وبالتالي تتواصل المظاهرات في الشارع المصري والصدامات مع الجيش وتعوق الاستقرار السياسي الذي يعد أحد أهم أركان الجاذبية الاستثمارية.

وحسب صحيفة" فاينانشيال تايمز"، فإن حملة التفجيرات التي حدثت في بداية مارس/آذار الجاري واستهدفت بعض الأعمال التجارية والشركات الأجنبية مثل مطاعم " كي إف سي" ومحلات الهواتف النقالة و"سوبر ماركت كارفور"، بعثت رسالة كافية لرجال الأعمال الذين سيحضرون اليوم القمة الاقتصادية بشرم الشيخ. مفاد هذه الرسالة أن مصر ليست مكاناً آمناً للاستثمار.

اقرأ أيضا: الاضطرابات الأمنية تهدد مؤتمر دعم الاقتصاد المصري

وفي هذا الصدد قال البروفسور عمر عاشور، المحاضر بجامعة إكستر البريطانية لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "هذه التفجيرات متوقعة في ظل انقلاب عسكري على حكومة انتخبها الجمهور وتحت وطأة القمع المتواصل الذي تنفذه هذه الحكومة وغضب الجمهور المصري".
ويلاحظ أن عدم الاستقرار السياسي والمجازر المتواصلة التي نفذها نظام المشير السيسي أدى إلى عزوف المستثمرين عن دخول السوق المصري، وترجم هذا العزوف في انخفاض حجم الإستثمار الأجنبي في مصر من 13 مليار دولار في العام المالي 2007/2008 إلى حوالى 2.2 مليار دولار في المتوسط خلال العامين الماضيين.
ورغم أن الحكومة المصرية تتوقع أن يرتفع حجم الاستثمار الأجنبي إلى 4 مليارات دولار خلال العام الجاري، إلا أن هذا الرقم رغم ضآلته سيكون تحقيقه مرهوناً بالاستقرار السياسي والضمانات التي ستمنحها الحكومة المصرية للمستثمر الأجنبي وفقاً لقانون الاستثمار الجديد الذي لايزال قيد الدراسة. ويقول خبراء غربيون إن هذا المعدل من الاستثمار الأجنبي منخفض جداً لدولة يبلغ عدد سكانها 91 مليون نسمة مثل مصر.
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونومست جيسون توفاي، "حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية في مصر يقل عن 14% من إجمالي الناتج المحلي". ويضيف في تعليقات لوكالة أسوشييتدبرس" هذا المعدل الضئيل سيقود تلقائياً إلى ضعف في البنية التحتية وسيعقوق معدلات الإنتاجية ومستويات المعيشة".
وحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو الاقتصادي انخفض من 7.0% قبل العام 2011 إلى 2.0% في العام 2013 . ومن المتوقع أن يكون معدل النمو قد ارتفع قليلاً خلال العام الجاري إلى 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي. ويذكر أن الناتج المحلي الإجمالي المصري لا يتجاوز 270 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وهذا المعدل ضئيل جداً لدولة في حجم مصر.
وما زاد من قناعة المستثمرين بضعف الاستقرار السياسي، تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أجل غير مسمى، والتي كان من المقرر إجراؤها، في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري.
وحسب خبراء اقتصاد مصريين، فإن قرار تأجيل الانتخابات يعد ضربة قاسية للمؤتمر، وتوقعوا إحجام العديد من الشركات، عن ضخ أي استثمارات إلى حين انتخاب البرلمان.

وإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، يقول خبراء غربيون إن الحكومة المصرية لا تملك رؤية اقتصادية واضحة أو حتى القدرة على معالجة المشكلات الرئيسية المتعلقة بإصلاح النظام المالي والشفافية التي تعد أحد أهم الضمانات الرئيسية التي يبني عليها المستثمر الأجنبي خططه الاستثمارية.
أما العامل الثالث الطارد للمستثمر الأجنبي في مصر، فهو تدهور سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار. وهذا العامل يعد من أسباب القلق بالنسبة للمستثمر الأجنبي الذي سيستثمر في مصر بالعملة الصعبة ويخطط لتحويل أرباحه بالجنيه المصري إلى عملة أجنبية، ومادام الجنيه المصري يواصل التدهور، فهذا يعني تآكل رأس المال المستثمر في مصر بالعملات الأجنبية، وهنالك احتمال خسارة جزء من أرباح المستثمر المتحققه بالجنيه المصري عند عملية التحويل.
ويشير مصرفيون في لندن، من بينهم خبراء بمصرف "ميريل لينش" الأميركي إلى أنه "حتى الآن لا يوجد ما يدعم استقرار الجنيه المصري في المدى القصير أو المتوسط، حيث لا تزال مصر غير قادرة على جذب السياح، كما أن هنالك شكوكاً حول ما إذا كانت ستحصل على دعم مالي من دول السعودية والخليج خلال العام الجاري. وتمثل السياحة أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة.
ويتوقع خبراء أن يتراجع الدعم المالي المباشر الذي حصلت عليه حكومة السيسي من دول الخليج وقارب 20 مليار دولار خلال العام الجاري بمستويات كبيرة. وربما لا يتعدى في ظل أزمة اليمن وأولويات الإنفاق الداخلية للسعودية ودول الخليج 4 أو 5 مليارات دولار في أفضل الأحوال. ومنذ انخفاض مداخيل النفط باتت دول الخليج تعاني هي الأخرى من ضائقة مالية وسط تزايد متطلبات مواطنيها. ويعد ثبات العملة أو تذبذبها في نطاق ضيق إحدى أهم نقاط الجذب الاستثمارية.
أما العامل الرابع والمهم، فهو قانون الاستثمار الأجنبي الذي وعدت الحكومة المصرية المستثمرين الأجانب به، وقالت بأنه سيكون جاهزاً للقمة الاقتصادية بشرم الشيخ وستقدَّم نسخ منه لهم اليوم الجمعة. ولكن اتضح أن القانون لايزال قيد الدراسة وهنالك خلاف بين الوزراء حول بعض مواده. وحسب تصريحات خبير المخاطر بشركة سايننت، أنجيس بلير لوكالة أسوشييتد برس "لا تبدو الحكومة المصرية تملك الكفاءة التي يأمل فيها القطاع الخاص، وكل ما سيحصل عليه رجال الأعمال وممثلو الشركات مسودة لقانون الاستثمار".
وفي المقابل يرى خبراء مصريون أن الفرصة ما زالت سانحة لجذب استثمارات ضخمة من خلال المؤتمر تنقذ الاقتصاد المصري من كبوته، وفي هذا الإطار قال محرم هلال نائب رئيس اتحاد المستثمرين المصري لـ"العربي الجديد"، إن المؤتمر سيكون انطلاقة للاقتصاد المصري خصوصاً بعد صدور حزمة من التشريعات المحفزة للاستثمار.
وأضاف هلال أن مناخ الأعمال سيتحسن عقب إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الموحد وتطبيق فكرة الشباك الواحد داخل المؤسسات الحكومية بما يمنع إعاقة المستثمر عن الحصول على الأوراق خلال فترة وجيزة.

اقرأ أيضا:
شرم الشيخ: مصر تبحث عن "المستقبل" في مدينة مبارك
"الحرية والعدالة"يحذّر المشاركين بمؤتمر شرم الشيخ من إهدار أموالهم
القطاع الخاص القطري يشارك في مؤتمر مصر الاقتصادي

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.
الصورة

سياسة

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان"، الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع.