النفط يتجه نحو دورة انهيار قاسية

النفط يتجه نحو دورة انهيار قاسية

22 نوفمبر 2015
حقل نفط في السعودية أكبر المنتجين داخل أوبك (Getty)
+ الخط -
تواجه أسعار النفط دورة انهيار جديدة في العام المقبل، ربما تكون أكثر قسوة من الانهيار الذي شهدته حتى الآن. ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات على أن "أوبك" ستخفض الإنتاج في اجتماع 4 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وفيما باعت الحكومة العراقية بعض نوعيات من خام البصرة في أوروبا بحوالى 30 دولاراً للبرميل، تزداد وتيرة الحسومات في صراع كسب الزبائن في الأسواق الرئيسية المستهلكة للطاقة، وتتجه الأسعار لدورة انهيار جديدة، ربما تكون أشد حدة من دورة الانهيار التي شهدتها.

وانخفض سعر خام غرب تكساس إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل. وعادت خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة أول من أمس مجدداً توقعات انهيار النفط إلى 20 دولاراً وسط تزايد التخمة وحاجة العراق الماسة إلى المال لمحاربة تنظيم "داعش" وضخ إيران لمزيد من الخامات في الأسواق.

وتشير أرقام وكالة الطاقة الدولية، الصادرة أخيراً، إلى أن كل أعضاء "أوبك" ينتجون بأقصى طاقة ممكنة، لكسب الزبائن ومن دون النظر إلى سقف الإنتاج.

وأدخلت الأسواق العالمية في حساباتها مسبقاً أن منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، لن تخفض سقف إنتاجها الحالي البالغ 30 مليون برميل يومياً في اجتماعها المقبل في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وهو احتمال ترجحه التصريحات السعودية التي أكدت مراراً أنها لن تكرر الخطأ الذي ارتكبته في الثمانينيات من القرن الماضي، فقد خفضت الإنتاج في سبيل تحسين الأسعار، وانتهى بها الأمر إلى فقدان حصتها للمنتجين من خارج "أوبك" دون أن تتحسن الأسعار. وبالتالي يعتقد العديد من الخبراء أن السعودية ستقاوم في اجتماع المنظمة أية نداءات لخفض الإنتاج تصدر من فنزويلا وإيران ومعسكرها.

اقرأ أيضاً: الهجمات الإرهابية لم ترفع أسعار النفط

وسط هذه الظروف غير المواتية، لم يستبعد مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي في مذكرة بعث بها لعملائه يوم الأربعاء الماضي، أن تنخفض الأسعار إلى 20 دولاراً.
وقال المصرف الأميركي إن أسواق الطاقة العالمية ربما لن تتمكن من امتصاص الفائض النفطي الكبير في الأسواق العالمية خلال الـ12 شهراً المقبلة.

ويقدر فائض الإنتاج النفطي حالياً بأكثر من مليوني برميل يومياً، ولكن مشكلة أسعار النفط لا تكمن فقط في هذا الفائض الإنتاجي، وإنما كذلك في تراكم المخزونات التجارية التي لدى الشركات والمصافي العالمية والاحتياطات الاستراتيجية التي تملكها الدول الصناعية الكبرى الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.


ويقول خبراء في لندن، إن ما يدعم سعر النفط حالياً لدى 40 دولاراً، هو المشتريات الإضافية التي تنفذها الصين لملء مستودعات الاحتياطي الاستراتيجي، والتي تقدر بحوالى 300 ألف برميل يومياً.
ويقولون لولا هذه المشتريات الإضافية لهبطت الأسعار إلى أقل من ذلك بكثير.

اقرأ أيضاً: الدول المصدرة للغاز تعقد قمة في إيران الاثنين المقبل 

ولاحظ" العربي الجديد"، أن هنالك مجموعة من العوامل تتكاتف لتدفع أسعار النفط إلى مستويات دنيا خلال العام المقبل وما تبقى من أيام خلال العام الجاري.
ويشير خبراء إلى العوامل التالية:

أولاً: ارتفاع المخزونات التجارية وكميات النفط العائمة في البحار. في هذا الصدد قالت تقارير غربية ترصد حركة السفن والشحن في لندن، أن هنالك حوالى 100 مليون برميل عائمة في البحار، أي أنها شحنات على ظهر السفن الراسية بقرب موانئ الاستهلاك الرئيسية. وهي شحنات اشتراها أصحابها على أمل أن ترتفع الأسعار.
من بين هذه الشحنات 39 سفينة نفطية راسية بالقرب من ميناء غلفستون بولاية تكساس الأميركية، تقدر حمولاتها بحوالى 28 مليون برميل. كما أن هنالك عدداً مماثلاً بالقرب من ميناء سنغافورة والموانئ الآسيوية الأخرى. ويضاف إلى هذه الكميات شحنات النفط الإيرانية العائمة وتقدر كمياتها بحوالى 30 مليون برميل.

ثانياً: المخزونات التجارية والحكومية في الاقتصادات المتقدمة تقدر بحوالى 4.6 مليارات برميل، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
من بين هذه الكميات 3 مليارات برميل من المخزونات التجارية لدى الشركات في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. فيما تبلغ الاحتياطات الاستراتيجية التي تملكها الحكومات الغربية حوالى 1.581 مليار برميل، ىفيما تملك الصين احتياطات استراتيجية تقدر بحوالى 200 مليون برميل.
يذكر أن الصين تواصل زيادة احتياطاتها الاستراتيجية من النفط مستفيدة من أسعار الخامات الرخيصة وذلك حسب إحصائيات أميركية.

العامل الثالث: توقعات الشتاء المعتدل هذا العام في أميركا وأوروبا. وعادة ما ينعكس الشتاء على ارتفاع العقود المستقبلية لمشتريات النفط في البورصات ويقود إلى ارتفاع عقود ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني.
وهذا العامل يعني أن استهلاك النفط في التدفئة في أوروبا وأميركا سيكون منخفضاً هذا العام، مقارنة بالعام السابق. ويخفض الشتاء الدافئ تلقائياً الطلب العالمي على النفط.

العامل الرابع: زيادة الإنتاج العراقي والصادرات النفطية العراقية. وحسب التقرير الذي نشرته رويترز يوم الخميس الماضي، من المحتمل أن يزيد العراق إنتاجه من النفط في 2016 وإن كان بشكل أقلّ دراماتيكية من هذا العام ما سيجعل معركة الحصّة السوقية تحتدم بين الدول الأعضاء في منظّمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنافسيهم من خارجها وهي المعركة التي اضطرّت بسببها بغداد إلى بيع بعض أنواع الخام بسعر متدنّ يصل إلى 30 دولاراً للبرميل.

وشرعت العراق لشحن نفطها بأسعار رخيصة جداً إلى الولايات المتحدة. وحسب تقارير أميركية فإن شركات المصافي الأميركية تجد شحنات النفط العراقية أرخص من النفط الصخري الذي تشتريه من شركات النفط الأميركية.

وأظهرت بيانات ملاحية لرويترز أن شركة النفط العراقية تعاقدت على بيع 20 مليون برميل من النفط العراقي إلى الولايات المتحدة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ويعني ذلك زيادة بحوالى 40 %عن الكميات التي كان من المتوقع وصولها في أكتوبر/تشرين الأول.
وتشير بيانات أمريكية إلى أن تلك الكمية تعادل أكثر من 660 ألف برميل يومياً في المتوسط وسوف تشكل أكبر واردات شهرية عربية منذ طفرة النفط الصخري.

وقفز إنتاج العراق في 2015 بنحو 500 ألف برميل يومياً، ما جعل العراق البلد الأسرع نمواً في إنتاج النفط من بين دول أوبك. ويصدر العراق أكثر من 3 ملايين برميل يومياً من النفط.

اقرأ أيضاً: الغاز يُغير استراتيجية الطاقة الدولية

العامل الخامس: عودة إيران إلى أسواق النفط العالمية. وتشير التقديرات إلى أن إيران ستضيف ما بين 800 إلى مليون برميل يومياً خلال العام المقبل.
وتسعى إيران إلى عرض عقود جذابة على شركات النفط العالمية لتحديث صناعتها النفطية وزيادة الإنتاج.

في مقابل هذه العوامل السالبة، يبدو أن العامل الوحيد الذي يدعم تحسن الأسعار يتمثل في انخفاض إنتاج النفط الصخري في أميركا.
وحسب توقعات بول هورسنيل من مصرف "ستاندرد تشارترد"، فإن إنتاج النفط الصخري سينخفض بحوالى 900 ألف برميل خلال العام المقبل.
ويعتقد أن هذا الانخفاض سيمكن الأسواق العالمية من امتصاص الفائض النفطي. ولكن في المقابل، فإن بعض المحللين يعتقدون أن تقنيات النفط الصخري تطورت في أميركا وأن الشركات الأميركية يمكنها التأقلم الآن حتى مع سعر للنفط يقل عن 40 دولاراً.

أمام هذه الفوائض وعدم وضوح الرؤيا حول ما إذا كان نمو الاقتصاد الصيني سيتحسن خلال العام المقبل، يبدو أن أسعار النفط تواجه دورة انهيار جديدة في العام المقبل.

اقرأ أيضا: السعودية: الاستثمارات النفطية ضرورية لمواكبة زيادة الطلب

المساهمون