عودة الروح لصناعة الطربوش التقليدي في تونس

عودة الروح لصناعة الطربوش التقليدي في تونس

10 أكتوبر 2015
الشاشية جزء من الزي التونسي الذي يقاوم الاندثار (أرشيف/Getty)
+ الخط -


بعد أشهر من الكساد بدأت الحياة تدب من جديد في سوق الشواشين بالمدينة العتيقة في تونس، استعدادا لموسم الشتاء الذي تشهد فيها تجارة الشاشية أوجها حيث عادت المشاغل لتفتح أبوابها.
 
فعودة الروح لسوق الشاشية (الطربوش التقليدي التونسي) لا تقتصر فقط على سوق المدينة العتيقة التي تأسست عام 698 ميلاديا، فخلف هذه الصناعة يقف جيش من المهنيين، موزعين على كافة مراحل الإنتاج التي تبدأ بمدينة البطان بإحدى ضواحي العاصمة، مرورا بمدينة العالية في محافظة بنزرت الساحلية ثم مدينة زغوان، حيث يتم غسلها بالمياه العذبة، وصولا إلى أحياء المدينة العتيقة في قلب العاصمة.

تعود صناعة الشاشية في تونس إلى مدينة القيروان، حيث برزت كحرفة تقليدية منذ القرن الثاني للهجرة. أما اسمها فيعود حسب بعض المراجع التاريخية إلى النعت المشتق من "شاش"؛ وهو الاسم القديم لمدينة طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان، وإحدى القواعد العامرة، في ما كان يُعرف ببلاد ما وراء النهر إبان الفتوحات الإسلامية لوسط آسيا.

وتقول السيدة زهية عبيد (56 عاما) المختصة في تلبيد الشاشية (أولى مراحل الصناعة) إنها ورثت هذا الاختصاص عن عائلتها، حيث تقوم أسبوعيا بقبول الطلبيات التي يرسلها "شواشو" العاصمة، وتقوم بلبيد الشاشية (نسجها) من الصوف التي يقع توريدها عادة من فرنسا، ثم تتولى تنقيتها وتمشيطها حتى تأخذ الشكل الأولي ليتم إرسالها في مرحلة ثانية إلى مشاغل الصباغة.

وتعتبر زهية أن هذه الحرفة خلقت بينها وبين الشاشية قصة حب كبيرة، فهي لا ترى حياتها دون أدوات النسيج، رغم تراجع حجم النشاط بصفة كبيرة، مقارنة بسنوات شبابها حسب ما أكدته لـ"العربي الجديد" .

ولم تتلق زهية طوال أشهر الصيف طلبيات نسيج كبيرة مثلها مثل زميلاتها في الشغل بمدينة البطان (30 كلم غرب العاصمة) فاكتفت بتصنيع ما تبقى من الصوف للموسم الماضي، لكن أمطار الخريف وانخفاض درجات الحرارة تستنفرها لعودة النشاط، بعد أن أعلمها الشواشي الذي تتعامل معه منذ ما يزيد على الثلاثين عاما أنها ستتلقى المواد الأولية الأسبوع الحالي، حتى يتمكن هذا الأخير من توفير الكميات التي يحتاجها محله مع بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

وتؤمن زهية بأن عجلة الزمن لا تعود إلى الوراء وأن لكل جيل مميزاته، ومع ذلك تبقى متفائلة بمستقبل الشاشية التونسية ذات اللون الأحمر القرمزي، معتبرة أن هذا الطربوش التقليدي علامة مميزة لا يمكن أن يمحوها الزمن.

فالشاشية وفق حديث السيدة زهية، مرت بمراحل عديدة عبر التاريخ، لكنها تمكنت من الصمود واكتساح الأسواق الخارجية، ولا سيما السوقين الليبية والنيجيرية اللتين تستأثران بأكثر من 80 في المائة من صادرات الطربوش التونسي التقليدي.

وقد اتخذت الشاشية شكلها النهائي إبان هجرة الأندلسيين إلى تونس، بعد سقوط غرناطة في أيدي القشتاليين والآراغونيين الإسبان عام 1492 للميلاد، ومن ثم ازدهرت صناعتها كصناعة يدوية ذات شأن بالنسبة للمجتمع الإسلامي في تونس.

ولاحقا، مثلت الشاشية خلال عقد العشرينيات من القرن الماضي رمزا للنضال الوطني بالنسبة لقادة الحزب الدستوري الحر، الذي قاده عبد العزيز الثعالبي في البداية، وفيما بعد تولى زعامته الحبيب بورقيبة اعتبارا من عام 1934.

وصناعة الشاشية من الفنون الراقية، حتى إن "الشواشين " كانوا يستحوذون في أواسط القرن الماضي على 75 في المائة من الأسواق في "المدينة العتيقة"، كما كان الشواشي من علية القوم بسبب العائدات الكبيرة التي تدرها هذه المهنة التي تعدت حدود القارة الأفريقية لتبلغ حدود آسيا.

وينتج "الشوّاشون" نوعين من الشّاشية، الأولى حمراء قرمزيّة خاصة بالتونسيين، وثانية سوداء لتستقر فوق رؤوس سكان ليبيا والجزائر والمغرب والسودان ونيجيريا. وصولا إلى الشرق الأوسط، وحتى آسيا، غير أن غالب سكان هذه الدول يجهلون أن تونس مصدر قبعاتهم.

ويتراوح سعر الشاشية التقليدية ما بين 5 و15 دولارا. فيما لا يتجاوز سعر الشاشية المصنعة 3 دولارات، ويعود الفارق في السعر إلى غلاء كلفة المواد المستعملة في إنتاج الشاشية التقليدية، وخاصة خيوط الصوف المستوردة بالعملة الصعبة من فرنسا.

ويجمع المهنيون على أنه لولا تصدير الشاشية السوداء إلى الدول الأفريقية لما بقي في سوق الشواشين معلّم شاشية واحد، وتشير أرقام الديوان التونسي للصناعات التقليدية (حكومي) إلى أن الإنتاج السنوي لحرفيي الشاشية لا يتعدى 50 طنا. وتعادل هذه الكميّة نحو 400 ألف شاشية تباع منها نحو 20 ألفا في تونس، وتسافر البقية إلى بقية بلدان العالم.


اقرأ أيضاً: تونس تنهي الطوارئ أملاً في عودة المستثمرين

دلالات