خبير اقتصادي: معظم أدوات الصيرفة الإسلامية مخالفة للشريعة

خبير اقتصادي: معظم أدوات الصيرفة الإسلامية مخالفة للشريعة

16 يوليو 2014
بنك أندونيسي يروج للصكوك( ادك بيري/أف ب-Getty)
+ الخط -

قال خبير اقتصادي أمضى عقوداً في القطاع المصرفي: إن اعتبارات شرعية وعملية تدعو إلى إعادة النظر في الهياكل والأدوات التي تعمل بها البنوك الإسلامية، وفي مقدمها أداة المرابحة واسعة الانتشار.
وفي كتابه "حتمية إعادة هيكلة النظام المصرفي الإسلامي" يقول حسين كامل فهمي، الخبير السابق في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية في جدة: إنه لا يوجد فارق كبير بين الشكل النهائي للهيكل والأدوات في البنوك الإسلامية والتقليدية ويرى "حتمية" إعادة هيكلة القطاع بشكل شامل.
ويبرر فهمي ذلك: إن الأدوات الحالية للبنوك الإسلامية تعد نواة لخلق سوق آجلة يتلاقى فيها العرض والطلب على الائتمان من خلال "توسيط وهمي" للسلع، مما يؤدي في النهاية إلى تفشي الربا في المعاملات المالية والاضطرار إلى الاعتراف به بطرق مستترة، الأمر الذي يتناقض مع الهدف الذي قامت البنوك الإسلامية لأجله، وهو تقديم بديل متوافق مع الشريعة.
وينتقد فهمي أدوات مثل بيع المرابحة الذي يشكل الجانب الأكبر من معاملات البنوك الإسلامية وعقد الشراكة المتناقصة وعقد الإجارة المنتهية بالتمليك (التأجير التمويلي) والاستصناع والتورق الفردي والمنظم ويخلص إلى أنها "تؤول جميعها إلى الغرر وبيع العينة" المنهى عنه في الإسلام ويوصي بضرورة إلغائها.
ولا يقف الخبير فهمي عند رفض الأدوات، بل ويوجه سهام انتقاده إلى ما يصفها بالمشكلات الهيكلية للبنوك الإسلامية، مثل ظاهرة خلط الأموال في الحسابات الاستثمارية، وغلبة أرصدة الديون على المراكز المالية، وعدم فعالية الأدوات النقدية المعمول بها.

ويرجع الخبير الحاصل على ماجستير في إدارة السياسات الاقتصادية العامة من جامعة هارفارد الأمريكية ودكتوراة في الاقتصاد الإسلامي من جامعة القاهرة، بجذور الخلل الذي يطالب بتصحيحه إلى الانطلاق من محاولة محاكاة البنوك التقليدية وتأخر صدور الفتاوى إلى ما بعد بدء العمل بكل أداة مصرفية إسلامية والاستثمارات الضخمة في الهياكل والأدوات الحالية.
وقال لرويترز في مقابلة عبر الهاتف "البنوك الإسلامية بدأت بآراء فقهية سطحية جداً".

المرابحة نقطة البداية

بدأت البنوك الإسلامية عملها بأداة المرابحة التي تظل حتى الآن الأكثر استخداماً في القطاع، وهي اتفاق بين البنك وأحد عملائه يطلب فيه العميل من البنك شراء سلعة على أن يتعهد بإعادة شرائها فور تملك البنك لها على أساس آجل بعد إضافة هامش ربح إلى التكلفة الأصلية، ويجري عادة تقسيط ثمن البيع النهائي على فترة زمنية معينة.

ووجدت البنوك الإسلامية في الأداة ضالتها باعتبارها تهيئ شكلاً يتماشى مع مبادئ الشريعة لاندراج التعامل بينها وبين العميل في إطار عقد البيع، وليس عقد القرض المتبع في البنوك التقليدية، ولأنها تجنب البنك مخاطر الوقوع في كثير من المشكلات العملية المتعلقة بوجود السلعة نفسها، والاحتفاظ بها في حوزته واحتمالات إعراض العملاء عن السلع بعد شراء البنك لها.

وكان أول من اقترح أداة المرابحة، سامي حسن حمود، في رسالته الدكتوراه المطبوعة في كتاب صدر عام 1982 بعنوان "تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة الإسلامية" واستند فيها إلى فتوى الإمام الشافعي.

لكن فهمي يرى أن الفتوى تضمنت شروطاً يترتب عليها الفصل بين عملية شراء السلعة في البداية، وعملية بيعها بعد ذلك، ويقول: إن ذلك غير متحقق في أداة المرابحة بصيغتها الحالية في البنوك الإسلامية، حيث يتعلق العقد ببيع سلعة غير مملوكة للبائع من الأصل.

وتتمثل أهمية آراء فهمي في أنها تنال من معاملات شائعة داخل القطاع المصرفي الإسلامي الذي يجتذب بمسماه الإسلامي ملايين العملاء في شتى أنحاء العالم، بل إن نموذج عمل البنوك الإسلامية يرتكز عليها بشكل شبه كامل، ناهيك عن أنها توجه انتقادات شرعية وعملية لأدوات حاصلة على موافقة هيئات شرعية وأجهزة رقابية.

وفي قطاع يرى البعض أنه يعاني من جراء تباين الفتوى وتفاوت الآراء الفقهية تتقاطع انتقادات فهمي مع مواقف خبراء آخرين يشاطرونه بعض تحفظاته، لكن من دون أن يتفقوا معه على الحلول المقترحة.

فإعادة الهيكلة التي يقترحها تتضمن إلى جانب إلغاء العمل بالأدوات سالفة الذكر أفكاراً جذرية مثل اقتصار البنوك الإسلامية على نشاط الخدمات المصرفية كبيع وشراء العملات وتحويل الأموال الى الخارج وفتح الحسابات الجارية على سبيل الأمانة المحضة وإصدار بطاقات ائتمان مغطاة بالكامل.

ويوصي الخبير الاقتصادي باعتماد الشركة القابضة كهيكل جديد للبنوك الإسلامية، والعمل بنظام البنوك الضيقة، وهو مفهوم يشير إلى فصل أنشطة الإيداع والمدفوعات عن أنشطة الوساطة المالية، لكن فهمي يذهب أبعد من ذلك في نموذجه المقترح حيث يرى حتمية إلغاء نشاط التمويل الائتماني كلية، واستبداله بعمليات المشاركة القائمة على مبدأ "الغنم بالغرم" أو المشاركة في الربح والخسارة.

مطالبات بالإصلاح وليس الإلغاء

في تعليقات بعض الخبراء على الدكتور فهمي، يقول الدكتور أشرف دوابه، الخبير المصرفي والمستشار الدولي في التمويل والاقتصاد الإسلامي، إنه يرى بالفعل انفصاماً بين التطبيق والتنظير في قطاع التمويل الإسلامي وأن التجربة "ربما لم تؤت ثمارها حتى الآن" لكنه يؤمن بإمكانية إصلاح الأدوات القائمة بدلاً من إلغائها تماماً.
وقال دوابة في اتصال هاتفي برويترز "الصيغ شرعية لكن التطبيقات فيها انحراف باتجاه محاكاة المعاملات التقليدية .. المرابحة وتحمل المخاطرة غلبت على الدور التنموي المفترض للبنوك الإسلامية. لا بد من تفعيل سائر صيغ التمويل الإسلامي والتي تصل إلى 16 صيغة".
ويعلق على فكرة البنوك الضيقة "هذا ليس بنكاً .. أرى أن نعالج المشاكل القائمة لا أن نلغي الفكرة كلها ونقضي على أدوات التمويل".

من جانبه يرفض الدكتور محمد البلتاجي، رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي مجمل آراء فهمي عدا الجزء المتعلق بأداة التورق المنظم المثيرة للجدل داخل القطاع، والتي صدرت فتاوى كثيرة بتحريمها.
ويقول "التورق المنظم بدأ العمل به كأداة انتقالية للبنوك التقليدية الراغبة في التحول إلى النظام الإسلامي لكن البعض رأى فيه إمكانية توفير السيولة النقدية بسهولة مما أدى إلى التوسع فيه .. وأضر ذلك بالبنوك الإسلامية وبمصداقيتها".
والتورق المنظم، هو طلب الأفراد للنقود السائلة من خلال إعطاء أمر للبنك بشراء سلعة ثم بيعها للعميل بسعر آجل ثم يوكل العميل البنك لبيعها نيابة عنه بسعر حاضر لشخص ثالث.
عملياً تبدو آراء فهمي عصية على التطبيق، فالتمويل الإسلامي من أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً في العالم.

ومن المتوقع، بحسب إرنست اند يونج، أن تبلغ الأصول المصرفية الإسلامية في حوزة البنوك التجارية3.4 تريليون دولار في نهاية 2018 في حين تخطت الأرباح المجمعة للبنوك الإسلامية في أسواقها الستة الرئيسية - قطر وإندونيسيا والسعودية وماليزيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا - العشرة مليارات دولار للمرة الأولى في هاية 2013.

دلالات