أطفال سورية يتسوّلون على أرصفة بيروت

أطفال سورية يتسوّلون على أرصفة بيروت

15 يونيو 2014
اللاجئون السوريون في لبنان (انور عمرو/فرانس برس/getty)
+ الخط -

لن تُجهد فكرك وأنت تعبر أياً من إشارات المرور وسط بيروت، حاضرة لبنان وبلاد الشام، لتتعرف إلى الأطفال المنتشرين حولك من الباعة الجائلين، سيُخبرك الوجه الذي أحرقته شمس الصيف والجسد الهزيل والعين اللامعة بدمعة تترجم المعاناة والحسرة، أن هؤلاء هم الوجه الأكثر قبحا لنظام بشار الأسد.

وانتشرت عمالة الأطفال السوريين في لبنان في ظل أوضاع إنسانية صعبة لا تقل عن تلك التي عانوها على يد النظام السوري.

وأصبح الأطفال السوريون مجبرين على الانخراط في سوق العمل لتأمين احتياجاتهم الأساسية بعدما فقدوا وأسرهم كل شيء في بلدهم، في ظل مساعدات دولية لا تكفي لإعانة أكثر من مليون نازح سوري إلى داخل الأراضي اللبنانية.

ويقدر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أعداد الأطفال الموجودين في لبنان بما يقارب 400 ألف طفل. وتشير منظمة اليونيسيف إلى اعتماد اللاجئين السوريين بشكل أساسي على عمالة أطفالهم لتأمين احتياجاتهم من طعام وماء ومأوى.

وقالت منظمة "كير" البريطانية للإغاثة إن 50 ألف طفل سوري لاجئ في لبنان يعملون في ظروف صعبة عادة، ولمدة 12 ساعة يوميا، للمساعدة في توفير الطعام والمأوى لأسرهم، مما يتطلب تدخل المجتمع الدولي والمنظمات لوضع حد لانتهاكات حقوق الطفل التي كفلتها القوانين الدولية. 

بيانات رسمية

وقال وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس لـ "العربي الجديد": إن من بين ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان هناك حوالى 400 ألف طفل دون الخامسة عشرة من عمرهم، أغلبهم لم يلتحق بمدارس.

وأوضح الوزير "مائة ألف طفل لاجئ من سورية في لبنان التحقوا بصفوف المدارس من أصل 400 ألف طفل"، مشيراً إلى أن هذا الرقم يشكل تحديا لبلد كلبنان غير قادر على استيعاب هذه الأعداد الهائلة من النازحين.

وبحسب الوزير اللبناني فإن "ارتفاع أعداد النازحين ساهم في خلق مشاكل اجتماعية عديدة، أبرزها انخراط الأطفال في سوق العمل بعدما عجزت المدارس اللبنانية عن استيعاب هذه الأعداد الهائلة. الأطفال يلجؤون إلى الشارع في مشهد إنساني مؤسف".

وأكد درباس أن الحكومة وضعت خطة لوقف التدفق الهائل من النازحين السوريين ومطالبة الدول المانحة بتقديم المساعدات للحد من الآثار الاجتماعية للبنانيين وللسوريين على حد سواء".

التسوّل 

وتحت أشعة شمس الصيف الحارقة، تتجول الطفلة السورية فاطمة، ابنة الأعوام الستة بين السيارات في شوارع العاصمة بيروت، برفقة والدتها لبيع علب المناديل الورقية، ليشفق عليها بعض المارة إما بالشراء أو بدفع الثمن من دون أخذ البضائع.

وتقول فاطمة إنها لجأت مع أهلها منذ ما يقارب عاماً ونصف العام إلى لبنان، هرباً من المعارك الدائرة بين الجيش الحر وقوات النظام السوري في مدينة حمص السورية.

وتعيش فاطمة وعائلتها في أحد الأحياء الفقيرة في ضواحي بيروت، في منزل لا تتعدى مساحته 90 متراً مربعاً، وبإيجار شهري يصل إلى 250 دولاراً.

تقول والدة فاطمة التي تحمل على ذراعيها طفلاً يبلغ عامين، إنها تضطر إلى مساعدة زوجها لتأمين إيجار البيت وبعض الأطعمة الأساسية كالحليب والخبز.

وتعتمد والدة فاطمة على ابنتها بشكل أساس، خصوصاً وأن تكاليف العيش في لبنان مرتفعة والمساعدات غير كافية لتأمين ما يلزم.

ولم تكن فاطمة سوى واحدة من مئات الأطفال السوريين الذين لجؤوا إلى لبنان هرباً من النيران المشتعلة في بلادهم، هي وغيرها من الأطفال يعملون منذ ساعات الصباح الأولى في بيئة قاسية لكسب الأموال اللازمة لتغطية تكاليف العيش. 


أعمال قاسية

ويعمل الطفل السوري، يامن، 12 عاماً، في إحدى ورش تصليح السيارات، في منطقة صبرا غربي العاصمة بيروت، في شروط عمل قاسية، إذ يبدأ عمله من الساعة السابعة صباحاً حتى السادسة مساء مقابل 20 دولارا أسبوعيا، أي ما يعادل ثلاثة دولارات في اليوم.

ويقول يامن لـ "العربي الجديد": "لجأت مع أسرتي من منطقة درعا السورية إلى مخيم صبرا حيث أعيش وأخوتي الأربعة في غرفة في أحد الأبنية مع والدتي، بعدما استشهد والدي منذ عامين، وأصبحت المسؤول عن إعالة الأسرة". ويضيف "والدتي تعمل في تنظيف المنازل لتأمين المستلزمات المعيشية الضرورية".

قصص الأطفال السوريين النازحين إلى لبنان كثيرة، الشوارع اللبنانية تمتلئ ببائعي الورد والحلوى، بالإضافة إلى المتسولين، إذ يضطر هؤلاء لتأمين ما يلزم من الأموال لسد الحاجات الأساسية، بالرغم من أن القانون الدولي وقانون اللاجئين حرّم عمل الأطفال وكفل لهم الحق في العيش والتعليم، لكن آليات تطبيق القوانين الدولية لم تترجم إلى واقع ملموس بالنسبة إلى الأطفال السوريين. 

انتهاكات جسيمة

وتزدهر عمالة الأطفال السوريين في شارع الحمرا، أحد أهم الشوارع في بيروت، حيث يتنقل أطفال لا تتعدى أعمارهم عشر سنوات بين إشارات المرور لبيع باقات الورد، يتعرضون وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية الى أنواع مختلفة من الانتهاكات لعل أبرزها الانتهاكات الجسدية والجنسية.

ويقول الطفل السوري محمود، الذي يقف في شارع الحمرا الحيوي منذ ساعات الصباح الأولى متنقلا بين السيارات وفي يده ورود يسعى إلى بيعها: "أعيش مع أهلي في منطقة برج البراجنة في ضواحي بيروت، يصطحبني والدي يومياً مع شقيقي أحمد (سبع سنوات) إلى شارع الحمرا لبيع الورد، فيما يذهب والدي إلى عمله في إحدى ورش البناء.

وبلهجة تقطر حسرة قال لمراسلة العربي الجديد: "أحلم بالعودة الى الرقة والالتحاق بصفوف الدراسة مجدداً".

ويجني محمود من بيع الورود ما يقارب ستة دولارات يومياً، وحالته تتشابه مع حالات العديد من الأطفال السوريين الذين لجؤوا إلى لبنان، حيث يشكل الأطفال نصف اللاجئين السوريين.

المساهمون