وزارة الدفاع المصرية... أضخم شركة مقاولات

وزارة الدفاع المصرية... أضخم شركة مقاولات

08 ابريل 2014
رسم لمشروع "ميدان إعمار" (عن موقع "إعمار")
+ الخط -
في منتصف فبراير/شباط المنصرم قامت شركة "إعمار" بإبرام اتفاق مع وزارة الدفاع المصرية. الاتفاق ينص على بناء عدد من الوحدات السكنية الفاخرة ومراكز التسوق العالمية وبناء "ميدان إعمار" الذي يعد مركزاً لهذا المنتجع الفاخر. 
هذا ما أعلنت عنه صحيفة "ذي غارديان" في مقال للصحافي محمد الشاهد، بعنوان "من ميدان التحرير إلى ميدان إعمار: تحويل القاهرة إلى مدينة خاصة".

وحسب الجريدة "تعد وزارة الدفاع المصرية أكبر مالك وموزع للأراضي في مصر، وذلك استناداً إلى قرار رئاسي صدر عام 1997 يقضي بوضع كل الأراضي البور وغير الزراعية والتي تمثل 87% من إجمالي مساحة مصر، تحت تصرف الوزارة ". 
وهكذا، سيطرت وزارة الدفاع على أراض تقع في مواقع متميزة، وعادة ما تكون محاطة بأسوار عالية، وبها أبراج مراقبة، ولافتات مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب" أو "ممنوع التصوير، منطقة عسكرية".

ولكن في الحقيقة، لا يوجد أي نشاط عسكري في هذه المناطق، وهي أراض تنتظر دورها لتحويلها إلى فنادق أو مساكن لضباط الجيش أو مراكز تسوق راقية. 

طرد الفقراء من بيوتهم
ويتابع مقال "ذي غادريان" أن ميدان إعمار، هو أحدث وأكبر المشاريع السكنية التي ترعاها وزارة الدفاع، حيث سيتم ربط "ميدان إعمار" بشبكة طرق القاهرة الكبرى، وهو ما سيتطلب إزالة المنازل الفقيرة في منطقة الجبل الأحمر. 

وحسب "ذي غارديان" فإن وزارة الدفاع المصرية، لديها سجل طويل وحافل بطرد سكان المناطق الفقيرة، قسراً باستخدام القوة، من أجل مصالح الرأسماليين، معللة ذلك بالأمن، كسبب لا يمكن رفضه. 
ويأتي الطريق الخاص في "ميدان إعمار" نموذجا لعودة الدولة التي ترعى مصالح النخبة، ولا تحقق أيا من أهداف ثورة يناير التي حملت شعار "عيش وحرية وعدالة الاجتماعية" منذ ثلاث سنوات.
وسائل الإعلام المصرية من جانبها، لم تعلق على الاتفاق الذي حصل بين وزارة الدفاع وشركة "إعمار" وكأن هذا المشروع من الأمور العادية. علماً أن احتجاجات ميدان التحرير، هي بالأصل احتجاجات على تفاوت التنمية في مصر، نتيجة إهمال الدولة غالبية المناطق الحضرية، بينما تقوم بتوفير الامتيازات للمستثمرين الخليجيين والكيانات المحلية المرتبطة مباشرة بالدولة العسكرية.

عودة إلى سلوكيات مبارك
ويضيف مقال "ذي غادريان" أنه في سنوات الرئيس المخلوع حسني مبارك، بدأت الدولة خطة تنمية اسمتها "القاهرة 2050"، قامت على إثرها بطرد آلاف الأسر، بغية تحويل المدينة إلى عدد من المناطق السكنية الراقية التي تضج بملاعب الغولف ومراكز التسوق.
معظم الاستثمارات جاءت من الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 

ومنذ أن استولى العسكر على الحكم في مصر في الثالث من يوليو/تموز العام الماضي، رجحت كفة النظام القديم ومؤيدوه، واستؤنف العمل بمشروع "القاهرة 2050" القديم بما في ذلك مثلث ماسبيرو والقاهرة الجديدة.

وقد غفل أولئك الذين يرغبون في تعميم نموذج دبي الحضري، أن هذا النموذج لا يمكن تحقيقه في مصر، لأن دول الخليج لديها نموذج خاص في العلاقة بين السلطة السياسية ورأس المال من حيث التطابق. أما في مصر، الأمر مختلف، فالجيش هو المتحكم الرئيس في السياسة ورأس المال، وهو أمر له تأثير كارثي على أغلب سكان المناطق الحضرية المهمشين الذين يعانون من ظروف عمل غير مقبولة وأجور زهيدة. 

احتكار وخصخصة
يشير تقرير "ذي غادريان" إلى أن ما يثير الاهتمام في هذا المشروع، أن وزارة الدفاع، وهي أكبر مالك للأراضي، اتفقت مباشرة مع شركة المقاولات العملاقة، الأمر الذي يعد ممارسة احتكارية تتنافى مع مبادئ السوق الحرة.

كما روجت وزارة الدفاع للمشروع على أنه جزء من عملية إعمار مصر وجذب الاستثمارات إلى البلاد، ولكن الحقيقة أن المشروع مجرد عملية خصصة للمرافق والخدمات. فسكان المشروع لن يضغطوا على الحكومة من أجل توفير الخدمات، وإنما سيضغطون على الشركة التي سوف تحل محل الحكومة، وهو أمر يعطي المزيد من فرص الاستثمار لجمهورية الجنرالات المتقاعدين. 
ويلفت تقرير"ذي غادريان" أيضا، إلى أن هذه الممارسة ديكتاتورية وقاتلة للثورة، حيث قضت صفقة "إعمار سكوير" على أن تقدم  وزارات التنمية المحلية والإسكان والاستثمار والسلطات المحلية كل التسهيلات اللازمة من أجل بناء طريق خاص للمشروع. وذلك رغم فشل هذه المؤسسات في حل مشاكل مصرالحضرية الناجمة مباشرة من عدم كفاءة هذه المؤسسات ذاتها.
فمنذ السبعينيات فشلت الدولة في توفيرالخدمات وإنشاء نظم فعالة لإدارة المناطق الحضرية، وإعداد خطط توسع تسمح لرأس المال الخاص المحلي بالنمو، بينما تحمي حرمة المجال العام المشترك.
وقد أظهرت ثورة يناير في العام 2011  كيف أن المدن ليست ساحات صراع فحسب، ولكن هي في الحقيقة حيز حضري لخلق أشكال جديدة من التمثيل الديمقراطي والمقاومة والثورة والتغيير. وهذا الصراع ارتبط ارتباطاً مباشرا بآلية إنتاج ثنائي السلطة ورأس المال، سياسات ظالمة اجتماعياً واقتصادياً. 
الجرافات العسكرية في مواجهة الناس
يشرح تقرير"ذي غارديان" أنه في مصر يحمل الجيش السلاح في الحياة المدنية ويتحكم مباشرة برأس المال والأراضي، وهو الأمر الذي يحدد مباشرة شكل المدن وأسلوب تنميتها.
وهذا يعني أن أفراد الشعب لا يستطيعون الوقوف في وجه "الجرافات" العسكرية التي تسعى لإزالة منازلهم غير الشرعية، وإلا تعرضوا للمحاكمة العسكرية. 
فبالنسبة لغالبية المصريين، فقدت المدن دورها الحيوي كأماكن تؤمن الفرص الاقتصادية. فأصبحت الأراضي مجرد واحدة من السلع التي يتاجر بها الجيش، فيقوم بإرساء مناقصات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي يفوز بها المقاولون العسكريون من دون وجود مناقصة شفافة.
وتشمل هذه المناقصات إنشاء الطرق السريعة لإزالة الأحياء الفقيرة، وصولاً إلى إعادة تطوير الطرق.

وتعد الشراكة الأخيرة مع شركة "أرابتك" الإماراتية، والتي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار من أجل بناء مليون وحدة سكنية منخفضة التكاليف على أراضي يمتلكها الجيش، مجرد مثال لسيطرة وتغول العصابة الصغيرة المحتكرة لسوق العقار في مصر، والتي يسيطر عليها جنرالات عسكريون سابقون أو حاليين.
هذه الشبكة تسيطر على عملية إنتاج مواد البناء الأساسية مثل الأسمنت والطوب المستخدم في مختلف عمليات البناء، سواء الشقق في المجتمعات السكنية الجديدة الفاخرة أو حتى المباني المخالفة المقامة علي الأراضي الزراعية. 
ويضيف تقرير "ذي غادريان" أن المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والعسكر في ميدان التحرير، توضح أن النضال في مصر، يتمركز حول السياسة والاقتصاد والتنمية الحضرية.
فبعد استقالة الحكومة المصرية فجأة، الشهر الماضي، تم تعيين وزير الإسكان السابق إبراهيم محلب رئيسا للوزراء الذي بدوره قام بتعيين مصطفى مدبولي، الشخصية القيادية في مشروع القاهرة 2050، ليصبح وزيراً للإسكان، وهو ما يدعم فكرة أن الحكومة سوف تستمر في خدمة مصالح النخبة المسيطرة على السياسة والمال. 

دلالات

المساهمون