شلل في الجزائر... تراكم الملفات الاقتصادية بسبب غياب الحكومة

شلل في الجزائر... تراكم الملفات الاقتصادية بسبب غياب الحكومة

23 مارس 2019
خلال تحرك في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -
طوت الجزائر أسبوعها الثاني من دون الإعلان عن حكومة التوافق التي وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الجزائريين، والتي كلف وزير الداخلية السابق نور الدين بدوي بتشكيلها، في وقت دخل فيه حراك الجزائريين المناهض لنظام بوتفليقة شهره الثاني بدءاً من الجمعة، ولا تلوح في الأفق أي إشارات إلى ماهية "حكومة بدوي التوافقية"، ما أدى إلى شلل تام للقطاعات الاقتصادية.

ومنذ تكليفه بتشكيل حكومة كفاءات تكنوقراطية توافقية في 11 مارس/آذار الحالي، يجد رئيس الحكومة الجزائري ووزير الداخلية السابق نور الدين بدوي، صعوبة في إقناع الأحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية بالمشاركة في تشكيل الحكومة المنتظرة، ما جعل الإعلان عن الحكومة يؤجل مرتين. 

وأمام تواصل غياب التوافق على حكومة لم تر النور بعد، وتتوقع العديد من التحليلات أنها لن تتشكل حسب الصيغة التي تريدها السلطة الحاكمة، لا يزال العديد من الملفات يتراكم فوق مكاتب الوزراء ينتظر تواقعيهم، خاصة في قطاعات الصناعة المالية والتجارة وحتى الصحة.

ولعل أول وأكبر ملف ذهب ضحية غياب الحكومة، هو ملف إنشاء مصنع "بيجو" لتجميع السيارات. إذ كشفت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" أن "الملف كان سيعرض على مجلس مساهمات الدولة (مجلس يترأسه رئيس الحكومة ووزراء المالية والتجارة والصناعة وصناديق الاستثمارات السيادية) في 15 مارس/آذار الحالي للمصادقة عليه، لكن استقالة الحكومة، ستجمد الملف مجدداً".

ويُعد مصنع "بيجو" لتجميع السيارات من أكثر الملفات تعميراً فوق طاولة الحكومة الجزائرية، إذ ظل محل شد وجذب بين الجزائر وفرنسا، حسب تطور العلاقات بين البلدين خاصة خلال نهاية حكم الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند.

إلا أنه ومع قدوم إيمانويل ماكرون، سرّعت الحكومة من وتيرة دراسة الملف وخصصت له وعاءً عقارياً غرب البلاد، في انتظار المصادقة النهائية من مجلس مساهمات الدولة.

وفي قطاع التجارة، لا يزال العديد من رخص الاستيراد ينتظر توقيع الوزير لتحريرها، خاصة المواد التي تنافس تلك تُصنّع محلياً والتي تسجل الجزائر عجزاً في إنتاجها كالإسمنت والرخام والمواد الأولية لصناعة المشروبات وغيرها.

وكشف محمد رخاب، وهو مدير مركزي في وزارة التجارة الجزائرية، في حديث مع "العربي الجديد" أن "عمليات الاستيراد حررت بقرار حكومي نهاية السنة الماضية، إلا استيراد بعض المواد، خصوصا التي توفرها الصناعة محلياً حيث تحتاج إلى قرار وزاري، وبالتالي حددنا نوع السلع والكميات المطلوبة في الأشهر الثلاثة المقبلة من السنة الحالية ولكننا لا نزال بانتظار المصادقة عليها".

وكانت الجزائر قد رفعت الحظر المفروض على استيراد أكثر من 800 سلعة كانت منعتها عام 2018 حتى مطلع السنة الحالية، مع إقرار نظام جديد للرسوم الحمائية.

وينص الرسم الوقائي المؤقت على إخضاع السلع المستوردة لرسوم تتراوح قيمتها من 30 إلى 200 في المائة، ويكون مرتفعاً خصوصاً للسلع التي لها نظير محلي.

استيراد الأدوية
وفيما يتعلق بالصحة، لا تزال عملية استيراد الأدوية عالقة بعد دخول الكميات المحررة نهاية السنة الماضية. وتحتاج برامج استيراد الأدوية إلى توقيع وزير الصحة ووزير التجارة، وتشمل الأدوية غير المصنعة محلياً وتلك التي يعرف الطلب عليها ارتفاعاً في السوق الجزائرية.

وقال مسعود بلعمري، رئيس النقابة الجزائرية للصيادلة الخواص (القطاع الخاص)، إن "برامج استيراد الأدوية إلى غاية نهاية أغسطس/آب القادم تحرر عادة في بداية شهر مارس/آذار من كل سنة، وحتى اليوم لا تزال عالقة حسب ما ورد إلينا من معلومات".

وكشف بلعمري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تأخر التوقيع على برامج الاستيراد الخاصة بالأدوية سيحدث تأخراً في تموين الأسواق مستقبلاً، ما قد يؤدي إلى خلل في العرض نتيجة ندرة بعض الأدوية خاصة المتعلقة بالأمراض المزمنة، وهذا ما عشناه في السنوات الأخيرة بالتزامن مع تقييد الاستيراد، ولا نستبعد ان نتوجه لمخزون الأمان لسد العجز في العرض".

يأتي ذلك بموازاة وقوف الحكومة الجزائرية عاجزة عن كبح فاتورة واردات الدواء، التي استقرت فوق عتبة الملياري دولار للسنة الخامسة على التوالي، رغم المحاولات المتكررة لتخفيضها، إذ استوردت البلاد ما قيمته 01. 2 مليار دولار من المواد الصيدلانية سنة 2018، مقابل 2.2 مليار دولار عند نهاية 2017، وفق بيانات وزارة الصحة الجزائرية.

الملف الأخطر
بحسب عبد الرحمان بن خالفة، وزير المالية الأسبق، فإن الأخطر بالنسبة للشلل الوزاري هو ما يتعلق بوزارة المالية. وأكد الوزير السابق لـ"العربي الجديد" أن " شهر مارس يُعرف بشهر تحويل الاقتطاعات المالية التي جاءت في الموازنة العامة إلى الوزارات، بعد مصادقة رئيس البلاد على الموازنة العامة وصدورها في الجريدة الرسمية في اليوم الأخير من كل سنة ميلادية".

وشرح أن "وزير المالية يرسل طلباً للخزينة العمومية لتحضير ميزانية الدولة، وجمع الموارد المالية. وفي شهر فبراير/شباط ترسل الخزينة العمومية تقريراً لوزير المالية، الذي يصادق عليه ويرسله لرئاسة الحكومة للمصادقة عليه، على أن يعطي وزير المالية الضوء الأخضر لتحويل ميزانيات الوزارات بدءا من النصف الثاني من شهر مارس".

ولفت بن خالفة إلى أن تأخير هذه العملية يعني أن العديد من المشاريع و حتى رواتب العمال للأشهر المقبلة لا تزال عالقة، إلا أنه يمكن في حالات الضرورة لرئاسة الحكومة التوقيع على هذا الإجراء لرفع الشلل.

وأكد الياس مرابط، رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية أن "نقابته تلقت دعوة للقاء رئيس الحكومة كباقي النقابات المستقلة ورفضت ذلك، إذ لا يمكننا الانضمام لمسعى يرفضه الشعب الجزائري، فمطالبه واضحة".

وأضاف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أن "السلطة، وبعدما اضطهدت وعنفت كل من عارضها في السنوات الماضية من أحزاب ونقابات، الآن تذكرت وجودنا وتريد مساعدتنا لتشويهنا، لا نريد المناصب ولا الأموال، نريد أن يغادروا جميعاً".

وطغى حراك الشعب الجزائري المطالب بالديمقراطية، على غياب حكومة تقود شؤون البلاد، وتحرك مياه القطاعات الراكدة منذ نهاية مطلع فبراير/شباط، خلال آخر اجتماع للحكومة تحت قيادة رئيسها المستقيل أحمد أويحيى.