100 يوم من حكم ترامب: هكذا انقلب اقتصاد أميركا والعالم رأساً على عقب

29 ابريل 2025
ترامب في البيت الأبيض، 24 إبريل 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الاقتصاد الأميركي انهيارًا خلال أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية، مع تراجع قيمة الدولار وارتفاع معدلات التضخم، مما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وتسبب في انخفاض مؤشرات الأسهم مثل ستاندرد آند بورز 500.

- تبنى ترامب سياسات اقتصادية مثيرة للجدل، مثل فرض رسوم جمركية عالية، مما أدى إلى حروب تجارية أثرت على الاقتصاد العالمي، وتراجع الثقة في الدولار كعملة احتياطية، وارتفاع أسعار الذهب.

- تسببت سياسات ترامب في توتر العلاقات الدولية، مع فرض رسوم جمركية على الصين وأوروبا، وإشعال حروب تجارية مع حلفاء تقليديين، مما أدى إلى عزلة الولايات المتحدة وتراجع نفوذها.

يصادف اليوم الثلاثاء مرور 100 يوم على ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، حيث امتلأت وسائل الإعلام الأميركية والغربية بالتقارير التي تشرح ملامح الدمار الذي خلفه ترامب في هذه الفترة القصيرة، بقرارات أثرت في اقتصاد أميركا والعالم.  

تقديرات أساتذة الاقتصاد في الجامعات الأميركية والصحف المختلفة، ركزت على كيف دمر ترامب اقتصاد الأميركيين وأصبح انهيار الدولار أزمة حقيقية، وتدهورت معيشة آلاف الموظفين الذين فصلهم، وارتفعت أسعار السلع، ويعاني حتى أنصاره من رجال الأعمال الذين دعموه بالمال، خصوصاً شركات النفط الصخري، من تدهور شركاتهم، ودخول الشركات التجارية في حرب شرسة في الداخل والخارج.  

انهيار الدولار "الأزمة لم تعد مجرد نظرية"  

وكان من المفترض أن تُعزز رسوم ترامب الجمركية من مكانة الدولار، لكن حدث العكس، وتراجع الدولار عالمياً بسبب القلق من تلاشي النمو الأميركي على المدى الطويل، الذي هو أكثر تأثيراً في العملة من التأثير التلقائي للرسوم الجمركية. والخطورة الآن، كما أكد فيفيكاناند جاياكومار، أستاذ الاقتصاد في جامعة تامبا، في مقال نشرته صحيفة "ذا هيل" يوم أمس الاثنين، أن "أزمة الدولار الحالية لم تعد مجرد فرضية أكاديمية، بل أصبحت واقعاً ملموساً يهدد موقع الدولار في النظام المالي العالمي"، و"إدارة ترامب تمارس لعبة خطيرة قد تُعجل بانهيار الثقة بالدولار"، وفق قوله.  

شرح جاياكومار أن التعرفات الجمركية، بحسب الرؤية التقليدية، تقلل من حجم الواردات عبر رفع تكلفتها، ما يحد من الطلب على العملات الأجنبية اللازمة لسداد قيمة تلك السلع، ويقود إلى دعم الدولار. كذلك، ترفع هذه الرسوم الأسعار المحلية، ما يزيد من توقعات التضخم، وبالتالي يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسة نقدية أكثر تشدداً، مقارنة بالبنوك المركزية الأخرى، وهو ما يعزز قيمة العملة الأميركية.  

وأضاف: "فوق ذلك، يُفترض أن الدولار، باعتباره عملة الملاذ الآمن، يستفيد خلال فترات عدم اليقين من تدفقات استثمارية نحو سندات الخزانة الأميركية، التي تُعدّ من أكثر الأصول أماناً، لكن الواقع خالف كل هذه التوقعات".  

وأوضح أن مؤشر الدولار الأميركي (DXY) هبط إلى أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات، مقارنة بيوم تولي ترامب، 25 يناير الماضي، رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية، وخلقت السياسات التجارية التي انتهجها ترامب حالة من الفوضى، وتسببت في مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية، ففقد الدولار الأميركي الكثير من جاذبيته، باعتباره عملة ملاذ آمن.  

وحذر من أن المستثمرين أصبحوا يشككون في الدور التقليدي للدولار وسندات الخزانة الأميركية بكونها ركائز للاستقرار المالي، نتيجة للسياسات المتقلبة وغير المتوقعة التي تتبعها الإدارة الأميركية، إلى جانب التهديدات لاستقلالية المؤسسات الاقتصادية.  

وتحدث عن اتساع الفجوة بين عوائد السندات الأميركية ونظيرتها الأوروبية، مثل سندات البوند الألمانية، بينما سجل اليورو والين الياباني مكاسب أمام الدولار، في مشهد يعكس تحولًا في سلوك المستثمرين.  
وارتفعت أسعار الذهب بشكل غير مسبوق، متجاوزة 3500 دولار للأونصة، في إشارة إلى تصاعد القلق العالمي من فقدان الدولار لمكانته.  

واعتبر أستاذ الاقتصاد الأميركي جاياكومار أن هذه المؤشرات تشير إلى أن هذه ليست "أزمة مؤقتة"، ولكن "بداية تحوّل هيكلي في النظام المالي العالمي". ويلفت إلى أن الأبحاث الاقتصادية تُظهر أن الدولار لم يكن محصناً في الماضي، إذ إن استبداله بالجنيه الإسترليني بوصفه عملة احتياطية حدث في وقت أبكر مما يُعتقد، بفعل تعميق الأسواق الأميركية في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته.  

وحذر جاياكومار من أن توسع أوروبا في إصدار سندات موحدة مقوّمة باليورو، إلى جانب تحرير الصين لحساب رأس المال وتعزيز انفتاحها المالي، قد يُعجل بانتقال النظام المالي العالمي من نموذج أحادي القطب إلى نموذج متعدد الأقطاب.  
كذلك إن جهود مجموعة بريكس والاقتصادات الناشئة الأخرى تهدف إلى كسر الاعتماد المفرط على الدولار، في مسعى للتحرر من هيمنته على النظام المالي العالمي، وما لم تتبع إدارة ترامب إجراءات حاسمة، بتعميق التحالفات وضمان استقرار النظام المالي، ستُعجل بانهيار الثقة في الدولار، وفق تحليله.  

الركود يهدد اقتصاد أميركا

وتشير تقديرات أميركية إلى أن الاقتصاد الأميركي خلال أول 100 يوم من حكم ترامب شهد حالة من الانهيار، وهو مهدد بالدخول في مرحلة ركود اقتصادي، حيث ارتفع معدل التضخم كثيراً، ما أثر بالقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفعت الأسعار، وفرضت التعرفات الجمركية الجديدة. كذلك تعرض الدولار الأميركي لانهيار غير مسبوق منذ ثلاث سنوات، حيث فقد جزءًا كبيرًا من قيمته خلال المئة يوم الأولى من حكم ترامب، فيما صعدت البيتكوين والذهب بشكل لافت، وارتفعت قيمة اليورو والجنيه الإسترليني، وحتى عملات دول أخرى مقابل الدولار، ما عكس ضعف العملة الأميركية خلال فترة حكم ترامب القصيرة.  

الفساد الرئاسي 

ولهذا حذر رئيس تحرير مجلة "ذي نيويوركر" ديفيد رمينك، يوم الأحد الماضي، وهو يقيّم أول 100 يوم لترامب، من تفويضه الاقتصاد والحريات الديمقراطية الليبرالية، واعتبار ما فعله الرئيس الأميركي "بروفة لما سيأتي بعدها ولن يتوقف دون مقاومة" من الشعب الأميركي. وأكد أن حكم ترامب، كشف عن مدى الإحباط الذي تسببت به الإدارة لأي مواطن أميركي بعدما قوض في خطابه وأفعاله الاقتصاد وسيادة القانون والأمن العالمي. وحذر من نتاج "تسلية ترامب نفسه باستعداء حلفائه الأوروبيين المقربين، وأضرار ذلك على أميركا والعالم".  

وقال الكاتب إن سجل الفشل بعد 100 يوم مذهل جداً ومتوقع في الوقت نفسه، ودون أي هدف واضح، نفّر ترامب أوروبا واليابان والمكسيك وكندا، وقوّض حلف الناتو، وأعطى المتبرع له إيلون ماسك رخصة استخدام منشار كهربائي لتدمير الوكالات الحكومية والاقتصادية التي تنقذ أرواحاً بشرية لا تحصى. ورأى الكاتب أن "الشعار الدائم لهذه الإدارة وازدواجيتها هو $TRUMP، وهو مخطط عملة يرمي لجلب ملايين الدولارات من الأرباح للرئيس وزملائه المستثمرين، وتطبيع الفساد الاقتصادي الرئاسي".  

استنزاف الأميركيين

ورصد تقرير مطول لموقع "هذا هو المال" يوم الأحد الماضي، "كيف تسببت 100 يوم من الفوضى التي سببها ترامب في استنزاف جزء كبير من استثمارات ومعاشات الأميركيين التقاعدية وأفلستهم. التقرير أوضح أن "الفترة التاريخية التي استمرت 100 يوم، والتي تسببت فيها بقدر كبير من الفوضى في الأسواق، لا تشبه أي فترة أخرى في السياسة الرئاسية الحديثة، ما ترك الشركات والمستثمرين في حالة من الخوف والرعب".

قارن ذلك بفترة تولي فرانكلين روزفلت منصبه عام 1932 خلال فترة الكساد الكبير، حين قلب روزفلت المفاهيم الاقتصادية المحافظة رأساً على عقب بقوانين جذرية صُممت للقضاء على البطالة الجماعية وإعادة النظام إلى الأسواق المالية، فوضع برنامجه "الصفقة الجديدة" الولايات المتحدة على طريق التعافي، وهو عكس ما يفعله ترامب حالياً. وأوضح أن تصرفات ترامب تسببت في انهيار وفي انخفاضات كبيرة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 والدولار الأميركي، وارتفاع حاد في عائدات السندات الأميركية.  

كذلك تميزت المائة يوم الأولى من عهد ليندون جونسون، في أعقاب اغتيال جون كينيدي في عام 1963، بسلسلة من القوانين الإصلاحية وإنشاء شبكة أمان اجتماعي للأميركيين المتخلفين عن الركب، وهو ما يتناقض تماماً مع أول مئة يوم من حكم ترامب حيث اتسمت فترة وجوده في منصبه بالفوضى، بما في ذلك في أسواق الأسهم والسندات، وسلسلة من التراجعات. وهو ما جعله يترك الأميركيين قلقين بشأن معاشاتهم التقاعدية ويخشون أن تكون الحرية التي عززها الآباء المؤسسون في خطر، وانعكس ذلك على تراجع شعبية ترامب، حيث أبدى 52% من الأميركيين عدم موافقتهم على بقائه في البيت الأبيض.  

وبيّن تحليل موقع This Is Money، أن استراتيجية ترامب ارتكزت على ثلاثة محاور: خفض حجم الحكومة، وفرض عاصفة من التعرفات الجمركية تستهدف من يعتبرون من المخالفين للقانون التجاري، وإقناع البنك المركزي المستقل بخفض أسعار الفائدة.  

ولكن كل هذا انتهى إلى حالة من الفوضى، حيث كان البيت الأبيض يتراجع في كثير من الأحيان عن القرارات، حيث أجبرت الأسواق المالية ترامب على التراجع على عجل.  

وأوضح أن "الأمر المثير للدهشة هو أن الإدارة المليئة بالمليارديرات مثل إيلون ماسك الغريب والرائع، ورئيس شركة الوساطة كانتور فيتزجيرالد هوارد لوتنيك، وخبير صناديق التحوط سكوت بيسنت، فشلت في منع الرئيس من القيام بعمل من أعمال الضرر الاقتصادي الذاتي قبل فوات الأوان".  

فقد كلف ماسك نفسه خفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي بمقدار تريليون دولار في السنة الأولى من توليه منصبه من خلال وزارة كفاءة الحكومة.  

وأُلغيت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أكبر جهة مانحة للمساعدات في العالم. وسُرِّح العديد من الموظفين الإداريين، بمن فيهم موظفو الضرائب في مصلحة الضرائب الداخلية، ما يهدد بانخفاض في تحصيل الضرائب.  

ومع هذا لم يوفروا سوى 150 مليار دولار، ويقول المنتقدون إن معظم هذا المبلغ كان مفيدًا للأميركيين لأن حجبه قوض المعايير التعليمية، وقُيد البحث الجامعي، ودمر معنويات موظفي القطاع العام. 

العودة إلى الوراء

وتقول شبكة "CNN" في تقرير الاثنين، إن الأميركيين كانوا في أمس الحاجة إلى الإغاثة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وصدقوا وعد ترامب بجعل أميركا في متناول الجميع مرة أخرى في نوفمبر 2024، بسبب الحنين إلى اقتصاد ما قبل جائحة كورونا في ولايته الأولى.

"ولكن الرئيس تبنى عمداً وبشكل منفرد سياسات من المؤكد أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر، وتؤدي إلى نقص في المعروض، ما يجعل رؤساء الشركات الصغيرة يتعاملون مع فوضى واحتمالات حدوث ركود" وفق التقرير.

وكان الإجراء الأكثر تدميراً للثروات هو الحرب التجارية التي أعلنها ترامب في 2 إبريل، وذهب ضحيتها جزر مارشال الصغيرة، موطن طيور البطريق، التي تعرضت لرسوم جمركية بنسبة 50% والصين القوية التي فرض عليها ترامب رسوم 145%، وفرضت هي رسوم على ما يشتريه الأميركيون بنسب مستويات مختلفة، 84% و 125%، و 245%.

وأشعلت حرب الرسوم الجمركية، المُجمّدة جزئياً الآن لمدة 90 يوماً، موجة البيع الكبيرة في وول ستريت، وتسببت في معاناة الدولار، وعانى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الأميركية، وناسداك، ومؤشر داو جونز التقليدي، من انخفاضات بنسبة 10% أو أكثر، ودخلت عوائد السندات منطقة الضغط.

وشدد موقع This Is Money على أنه "حتى الآن، أثبتت الأسواق أنها الكابح النهائي لجنون ترامب الاقتصادي"، بعدما ألحقت قراراته ضرراً دائماً بالاقتصاد الأميركي والعالم، وقد يستغرق إصلاح ذلك عقوداً.

ونشر عدد كبير من كُتاب صحيفة "وول ستريت جورنال" الاقتصادية الأميركية تقييمات لفترة رئاسة ترامب في 100 يوم، في عدد 28 إبريل، غلب عليها التشاؤم من مستقبل اقتصاد أكبر وأقوى دولة في العالم.

قالوا: في أول مئة يوم من ولايته، وقع الرئيس ترامب ضحية التوقعات العالية التي وضعها، صحيح أنه أوفى ببعض وعوده الكبرى، إلا أن خيبات الأمل طغت على إنجازاته.

أكدوا أنه "حتى الآن، يُمثل تعامله مع الاقتصاد فشلاً ذريعاً، حيث فقد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما يقرب من 5 تريليونات دولار من قيمته السوقية، وتسود حالة من عدم اليقين".

وتواجه الشركات الصغيرة التي تعتمد على السلع الوسيطة المستوردة خطر الانقراض، ويطالب كبار المنتجين عمال المصانع بالبقاء في منازلهم مع تباطؤ الإنتاج. 

"ويبقى الركود الاقتصادي السؤال الحرج، لكن الرئيس عرقل عجلة الاقتصاد المتعثرة وتنتظر الأمة منه أن يلين".
أوضحوا أن "أبرز فشل اقتصادي للرئيس السابق بايدن كان التضخم والأسعار، أما ترامب فهو يرفع الآن الضرائب على الموز المستورد وأحذية التنس، وعلى ملايين السلع اليومية الأخرى، ما يزيد التضخم والأسعار.

كذلك إن حالة عدم اليقين المتقطعة في الاقتصاد الأميركي تُجمّد خطط الشركات للبناء والاستثمار، إذ لا أحد يعلم ما هي الرسوم الجمركية الجديدة الضخمة التي قد يُعلنها السيد ترامب الشهر المقبل في منشور على موقع "تروث سوشيال" منتصف الليل.

تدمير اقتصاد العالم

ورصدت زاني مينتون بيدوس، رئيسة تحرير مجلة "الإيكونوميست"، في برنامج "تقرير السوق الصباحي"، كيف أثرت 100 يوم من حكم ترامب في الاقتصاد العالمي، وأكد موقع "ماركت بليس" marketplace في 28 أبريل، الذي نشر تقييمها للرسوم الجمركية والتوقعات الاقتصادية الأميركية، تقديرها أن أميركا والعالم يشهدان "لحظة عدم يقين عالمي".

قالت: "لقد فرضت هذه الإدارة (ترامب) أكبر زيادة في الرسوم الجمركية في التاريخ"، وأحدثت تأثيراً في اقتصاد الولايات المتحدة والعالم، دفع صندوق النقد الدولي في أحدث توقعاته للنمو إلى خفض توقعات النمو للولايات المتحدة بشكل كبير".
تابعت: "ينطبق الأمر نفسه على جميع البنوك تقريباً، حيث يتوقع الجميع تباطؤاً حاداً في الولايات المتحدة، وربما حتى دخولها في ركود، وهذا أمر ظاهر ذاتياً بالكامل".

أكدت أنه رغم وصف ما يفعله ترامب بأنه ثورة اقتصادية، إلا أن هناك غموضاً كبيراً بشأن هذا الأمر، و"الأسواق تتفاعل بشكل سيّئ للغاية، حتى إن ترامب نفسه بدأ يتراجع"، مؤكدة "أن أهم ما يمكننا التنبؤ به بيقين، أننا سنواجه فترة من عدم اليقين الشديد".

وحول سوق الأسهم، استغربت ما يجري، حيث تنخفض أسعار السندات، وينخفض الدولار، هو مزيج لا يكون عادة في الولايات المتحدة، ولكن في الاقتصاديات الناشئة الضعيفة، حيث يفقد المستثمرون فجأة الثقة في مصداقية ذلك الاقتصاد تماماً، ويريدون فقط الخروج من كل أصوله. 

وحذرت رئيسة تحرير "الإيكونوميست" من أن "الأمر المقلق حقاً الآن هو أننا رأينا بعض التلميحات إلى أن المستثمرين لديهم هذا التحول في الموقف تجاه الولايات المتحدة، وحوالي ثلث سندات الخزانة الأميركية مملوكة للأجانب، وإذا اعتقد الأجانب بشكل أساسي أن العلامة التجارية للولايات المتحدة قد تضررت وخرجوا بأعداد كبيرة، فهذا يعني أننا قد نواجه أزمة مالية خطيرة للغاية بالإضافة إلى تباطؤ النمو والركود".

 أغلق ترامب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وتسبب في غلق مشاريع اقتصادية عالمية عديدة، وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية، وعمل على عزل الولايات المتحدة عن محيطها الدولي، متخلياً عن سياسات الانفتاح التقليدية.

صدمة كبيرة

وتوضح غالبية التقارير الصحافية والبحثية الأميركية التي رصدت الـ 100 يوم الأولى من حكم ترامب، أنه اصطدم بالجميع وأغضب الأميركيين برفع الأسعار والدخول في معارك حول الرسوم الجمركية، رفعت أسعار كل المنتجات والسيارات.

وأعلن ترامب ثماني حالات طوارئ خلال 100 يوم، ووقع 137 أمراً تنفيذياً، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة (مقارنةً بالرقم القياسي السابق البالغ 80 أمراً في عام كامل).

وبموجب هذه القرارات والأوامر، اصطدم بالشركات الحكومية التي توظف آلاف الأميركيين ومنع عنها التمويل الفيدرالي وتمكن بمساعدة إيلون ماسك من فصل أو إجبار 121,000 موظف على الإجازات المدفوعة، وتصادم مع العاملين بوزارة التعليم، ووزارة الصحة.

وعادى ترامب خلال أول 100 يوم له في الحكم العديد من الحكومات، ففرض على الصين تعرفات جمركية بنسبة 145% ودخل في حرب اقتصادية مفتوحة، أثرت في المصانع والمستهلك الأميركي.
وفرض على أوروبا تعرفة جمركية وأشعل حرباً تجارية مع حلفائه التاريخيين، وعبّر نائبه "فانس" عن موقف عدائي تجاه الاتحاد، واصفاً إياه بـ"الأنظمة السلطوية".

وحاول شراء غرينلاند، فخسر علاقته بالدنمارك والاتحاد الأوروبي، وحاول السيطرة على قناة بنما، مدعياً أنها "حق أميركي"، بحجة ارتفاع رسوم عبور السفن الأميركية، ما أدى إلى رفض بنمي قاطع، وكرر الأمر مع قناة السويس، مطالباً بضرورة مرور السفن الأميركية عبر القناة مجاناً دون رسوم.

ودخل في حرب تجارية مع كندا التي رفعت على رفوف متاجرها لأول مرة شعار "قاطعوا المنتجات الأميركية"، وصرّح بأن كندا ستكون "الولاية الـ51"، ما تسبب في تراجع حركة السفر بنسبة 12% وتفجر قومية كندية معادية للولايات المتحدة، والأمر ذاته مع المكسيك حين أعلن نيته تغيير اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أميركا"، ما أدى إلى توترات حادة.