يوم حاسم لليرة التركية

يوم حاسم لليرة التركية

24 سبتمبر 2020
ضغوط كبيرة على الليرة التركية (Getty)
+ الخط -

ليس صحيحاً على الدوام، أن تراجع سعر صرف العملة، لا يعبر عن ضعف الاقتصاد أو أزمات يعانيها، فثبات سعر الصرف إن لم نقل ارتفاعه أمام سلة العملات الرئيسية، دليل استقرار وأحد عوامل جذب الرساميل، ليكون بالمقابل، تذبذب سعر الصرف أو تراجعه، عامل تنفير وإخافة للاستثمارات وخلل للإنفاق وجمود للسوق الداخلية.

فكما أن لتدني سعر الصرف فوائد على قلة تكاليف الإنتاج وزيادة انسياب الصادرات، له بالآن ذاته، منعكسات على الأجور وارتفاع أسعار السلع والمنتجات، وبالتالي آثار سلبية على المعيشة ونشاط الأسواق، ما يؤسس بالتتالي لانكماش وربما لركود، ليأتي بالنتيجة على نمو الناتج الإجمالي والتنمية بشكل عام.

والاقتصاد التركي الناشئ الذي يسعى راسمو سياسته لبلوغ المرتبة العاشرة عالمياً خلال مئوية تأسيس الجمهورية التركية عام 2023، بدأ يتأثر نموه ونشاطه، جراء تراجع سعر الليرة التي فقدت أكثر من 25% من قيمتها هذا العام، وما تركته من آثار اقتصادية وحتى اجتماعية.

إن لم ندخل بجدلية أن الاقتصادات العالمية، جميعها تأثرت هذا العام بسبب عقابيل تفشي وباء كورونا، التي أرخت بظلالها على الإنتاج والتصدير وطبيعة الاستهلاك، لنسلط بعض الضوء على أسباب أخرى، ماثلة ربما بالاقتصاد التركي، حتى قبل مخاوف كورونا.

فزيادة الديون التركية بنحو 5 مليارات خلال الأشهر الماضية لتزيد بمجملها عن 425 مليار دولار، منها نحو 170 ملياراً مستحقاً خلال عام، تؤثر على سعر العملة المحلية لاعتبارات كثيرة، فإن استبعدنا الثقة والعامل النفسي، فتكفي الإشارة إلى تأمين تلك المليارات وتأثيرها على معروض السوق وتوازنه، خاصة بواقع محدودية القطع الأجنبي جراء تراجع عائدات الصادرات والسياحة.

ليأتي ضمن هذا العامل، تراجع الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي إلى أقل من 84 مليار دولار، بعد أن تدخلت تركيا بطرائق مختلفة، لحماية الليرة من التراجع، كعامل إضافي يهز أو يؤثر على سعر الصرف.

كما لا يمكن تجاهل نهج المصرف المركزي التركي، منذ عام على الأقل، الذي اعتمد بتوجيه من رئاسة الجمهورية- ولذلك التوجيه والتدخل أثر وحديث آخر- سياسة تحفيز النمو عبر تخفيض سعر الفائدة المصرفية، من 24 إلى أقل من 8.25% اليوم، ما زاد من حجم السيولة بالعملة التركية بالأسواق جراء خروج الإيداعات من صناديق المصارف، ليأتي نهج تركيا الاجتماعي، خلال أزمة كورنا بشكل خاص، عبر منح القروض ودعم الشركات وحتى الأسر، فيزيد خلل توازن العملات بالسوق وتستمر الليرة بالتراجع لتبلغ هذه الآونة، أدنى سعر بتاريخها وقت هوت إلى ما دون 7.6 ليرات للدولار الواحد.

قصارى القول: من الإجحاف ربما، التغاضي عن الأسباب السياسية وأثر التوتر الذي خلقه النزاع التركي الأوروبي جراء التنقيب بمياه المتوسط، أو إهمال ما يمكن وصفه باستهداف تركيا وعملتها على وجه التحديد، إن من دول إقليمية تسخّر طاقات وأموالاً لهز الثقة بالليرة، أو حتى شركات التصنيف الائتماني التي تزيد عبر تخفيض تصنيفها، من مخاطر الوضع الائتماني والشكوك بأزمة بميزان المدفوعات.

لكن ثنائية الاستهداف وإن صحت، فهي تبنى على واقع وعوامل ملموسة بالاقتصاد التركي، وهو ما يفرض على صنّاع السياسة الاقتصادية الاعتراف بدل الإنكار والكف عن القول إن الاقتصاد التركي قوي وليس للتصنيف أو تراجع سعر الصرف، أي قيمة أو تأثير.

نهاية القول: ربما غداً الخميس هو اليوم الحاسم بالنسبة لليرة التركية، إذ ستخرج نتائج قمة القادة الأوروبيين والتي لا يستبعد أن تزيد من العقوبات، بعد فرضها أول من أمس عقوبات على شركة "أوراسيا" وتجميد أصولها بأوروبا، كما خلال غد الخميس، سيجتمع المصرف المركزي ليبحث بأسباب تراجع سعر الليرة.

فإن لا حول لتركيا لإيقاف العقوبات الأوروبية، رغم التقارب والتهدئة والاتصالات التي شهدناها أمس واليوم، فلها كل القوة خلال اجتماع المصرف المركزي، فتستخدم أدوات نقدية تلجم ولو قليلاً استمرار تراجع الليرة، فترفع أسعار الفائدة أو تطرح سندات خزينة، أو حتى تعلن تدخلاً مباشراً بالسوق، إن أثر على حجم الاحتياطي، على الأرجح لن تكون آثاره بحجم استمرار تدحرج تهاوي الليرة.

المساهمون