يومان بلا بنوك في تونس... والسلطة تتجاهل الإضراب

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:06 (توقيت القدس)
مواطن يسحب نقودًا من صراف آلي في تونس، 7 مارس 2025 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهد الاقتصاد التونسي شللاً في القطاع المالي بسبب إضراب عام استمر يومين، احتجاجاً على تعثر المفاوضات الاجتماعية ورفض تعديل الرواتب، مما أثر على المعاملات البنكية والمالية.
- تلوح الجامعة العامة للبنوك بإضراب ثانٍ في ديسمبر، مؤكدة نجاح الإضراب الأول واستعدادها للعودة إلى الحوار، وسط انتقادات لغلق أبواب الحوار وتأثير التضخم على القدرة الشرائية.
- تعاني تونس من تضخم وتراجع القدرة الشرائية، حيث تعتمد الأسر على الاقتراض، بينما تتجه الحكومة لزيادة الرواتب دون مفاوضات، مما يهمش دور النقابات.

عاش اقتصاد تونس خلال اليومَين الماضيَين على وقع الإضراب العام في القطاع المالي، الذي تسبب في شلل تام في المعاملات المصرفية والمالية وخدمات التأمين، رغم توصيات البنك المركزي بالحد من آثار الإضراب.

وخلال يومَي الاثنين والثلاثاء الماضيَين، لم يتمكن المواطنون والمتعاملون الاقتصاديون من إجراء أي عمليات بنكية أو مالية أو تحويلات أو فتح اعتمادات مستندية لاستيراد سلع من الخارج، بعد أن أوصدت أغلب الفروع المصرفية أبوابها، وتعطلت خدمات السحب والإيداع والمقاصة والتحويلات الخارجية، لتُستأنف بداية من اليوم الأربعاء.
وخاض القطاع المالي في تونس إضراباً عاماً احتجاجاً على تعثر المفاوضات الاجتماعية بين النقابات والمجلس البنكي والمالي، الذي رفض الجلوس إلى طاولة الحوار، وإرجاء قرار تعديل الرواتب للعام القادم.

متاعب كبيرة للشارع

وبسبب تعطل الخدمات المالية والمصرفية وشح السيولة النقدية في الصرافات، انتقد تونسيون بشدة إضراب البنوك والمؤسسات المالية، معتبرين أن هذا الإضراب القطاعي أثر على أنشطتهم المالية والتجارية. لكن في المقابل هناك مَن دعم الإضراب واصفاً إياه بأنه حق مشروع لنيل المطالب العمالية ومنها الحق في أجور ورواتب وتأمينات عادلة وظروف عمل مواتية.
وقال المواطن خالد منيف في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه اضطر للتنقل لمسافات طويلة بحثاً عن السيولة في الصرافات، غير أن أغلبها كان خارج الخدمة بسبب نفاد السيولة في ظرف وجيز، ولا سيّما أنّ الإضراب العام نُفِّذَ مباشرة بعد عطلة نهاية الأسبوع، ما تسبب في استمرار تعطل الخدمات المالية لأربعة أيام متتالية.

وأكد أن أغلب المواطنين لم يتمكّنوا من إجراء أي عمليات مالية بسبب غلق الفروع البنكية أبوابها أو تعطل الخدمات الأساسية، مشيراً إلى أن فترة الإضراب تزامنت مع موعد تنزيل مرتّبات الموظفين، ما تسبب في منعهم من سحب مستحقاتهم المالية.
وقالت وكيلة لسوبر ماركت في حي النصر بالعاصمة تونس، وفاء ذويب، إنّها اضطرت لتجميع السيولة وتخزينها بطرق تقليدية في انتظار إيداعها لدى الفرع البنكي الذي تتعامل معه بعد انقضاء فترة الإضراب، متوقعة تواصل ارتباك العمليات المالية لكامل الأسبوع بسبب انقطاعها ليومَين.

إضراب ثانٍ

وتُلوّح الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية بالمضي في إضراب عام ثانٍ نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، وذلك تزامناً مع غلق السنة المحاسبية وأعمال التدقيق والمحاسبة والجرد التي تُجريها المؤسسات المالية سنوياً.
واعتبر التونسيون المنتقدون لإضراب البنوك أن موظفي القطاع المالي يحصلون على امتيازات مالية مهمة، كان يُفترض الاكتفاء بها وعدم اللجوء إلى الإضراب.
في المقابل، أعلنت جامعة البنوك والمؤسسات المالية المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل نجاح إضرابها الذي استجاب له أكثر من 80% من العاملين في القطاع، مؤكدة أنها كانت على استعداد لوقف التحركات الاحتجاجية والعودة إلى العمل في حال دعوتها للعودة إلى الحوار.
وحمَّل كاتب عام جامعة البنوك والمؤسسات المالية، أحمد الجزيري، المجلس المالي والبنكي مسؤولية الإضراب، مشيراً إلى أن النقابات دُفعت إلى التصعيد بسبب غلق أبواب الحوار كافّة أمام الجامعة، ومحاولة ضرب العمل النقابي داخل المؤسسات.
ودافع الجزيري في تصريح لـ"العربي الجديد" عن وجاهة أسباب الدعوة للإضراب العام، مشيراً إلى أن الجامعة حاولت في مناسبات عديدة تجنّب التصعيد، لكنها وُوجِهَت بسياسة التجاهل والصمت.
وقال إن موظفي القطاع المالي يتحملون كغيرهم من التونسيين تداعيات التضخم وغلاء المعيشة، ما يُحمِّل النقابات مسؤولية الدفاع عن القدرة الشرائية لمنظوريها.
ووفق العُرف الذي يجري به العمل في القطاع المالي، توقّع الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية كل ثلاث سنوات اتفاقاً مع المجلس المالي والبنكي يُفضي إلى صرف زيادات سنوية في رواتب الموظفين، يجري احتسابها وفق قاعدة نسبة التضخم وارتفاع كتلة أجور القطاع.
ووفق كاتب عام جامعة البنوك، رفض المجلس المالي والبنكي منذ بداية العام الحالي فتح المفاوضات مع النقابات وصرف الزيادات، ما حرم موظفي القطاع من تعديل الرواتب بعنوان سنة 2025.

24 ألف موظف

يشغل القطاع المالي أكثر من 24 ألف موظف بنسبة تأطير تصل إلى 70%، وفق بيانات للجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية. وتُعد أجور العاملين في القطاع المالي في تونس من بين الأجور الأعلى مقارنة بمعدل رواتب باقي الموظفين في القطاعَين الخاص والحكومي.
ويُقدَّر متوسط الأجر للموظفين في القطاع المالي ما بين 800 و1600 دولار، مقابل متوسط أجر بـ 485 دولاراً لموظفي القطاع الحكومي.
وتتجه سلطات تونس إلى صرف زيادات في رواتب موظفي القطاعَين الحكومي والخاص خلال السنوات الثلاث القادمة دون إجراء مفاوضات مع النقابات العمالية، وذلك لأول مرة منذ سبعينيّات القرن الماضي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وضمَّنت الحكومة ضمن مشروع قانون الموازنة الذي ناقشه البرلمان بنداً يتعلق بالزيادات في المرتبات وجرايات (رواتب) المتقاعدين لسنوات 2026 و2027 و2028، سيجري ضبط قيمتها وفق أمر حكومي يصدر بعد المصادقة على قانون الموازنة ودخوله حيز النفاذ مفتتح العام القادم.
وكشف البند المتعلق بزيادة الرواتب في القطاعَين الحكومي والخاص أن السلطات تنوي احتكار قرار رفع الرواتب دون إبرام اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، على غرار جولات المفاوضات الاجتماعية السابقة.

تحجيم الدور الاجتماعي

يُعد التوجه نحو إلغاء المفاوضات الاجتماعية وتفرُّد السلطة بقرار زيادة الرواتب فصلاً جديداً من تحجيم الدور الاجتماعي للنقابات التي انتقدت بدورها محاولات السلطة إلغاء الحوار الاجتماعي وفرض القرارات الأحادية.
وأعلن المجلس المالي والبنكي التزامه بالزيادة في رواتب موظفي القطاع المالي بعنوان عام 2026، تطبيقاً لبنود قانون الموازنة الجديد.
ورجَّح الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن يكون المجلس المالي والبنكي قد التزم بالسياسات العامة للدولة التي تتجه لإلغاء المفاوضات الاجتماعية مع النقابات والمرور مباشرة إلى زيادة الرواتب.
وقال الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ إضراب المؤسسات المالية لمدة يومين أربك المعاملات الاقتصادية والتجارية، نظراً لأهمية القطاع وحساسيته.
وأشار إلى أن القطاع المالي يستأثر بـ 5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يؤثر توقف خدماته على كل الأنشطة التجارية والاقتصادية، مشيراً إلى صعوبة حصر الخسائر الناجمة عن الإضراب.
بدأت نُذُر الإضراب في القطاع الخاص منذ أشهر بسبب تعثر المفاوضات في القطاع الخاص وعدم تمكّن اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة من توقيع اتفاق يُفضي إلى زيادة أجور 1.5 مليون عامل بعنوان سنة 2025.
وعلى امتداد السنة الجارية، طالبت المركزية النقابية باستئناف الحوار الاجتماعي بين النقابات وهياكل الدولة في إطار العقد الاجتماعي الذي يربط الطرفين، والذي دأبت السلطات السابقة على اعتماده.

سياحة وسفر
التحديثات الحية

ومنذ توقيع اتفاق الزيادة في أجور الموظفين في سبتمبر/أيلول 2022، أوصدت الحكومة باب المطالب أمام النقابات، كما جرى تعليق تنفيذ اتفاقيات ذات مفعول مالي.
توصلت الحكومة التونسية حينها إلى اتفاق مع الاتحاد العام للشغل لزيادة أجور القطاع العام بواقع 3.5%، يغطي سنوات 2023 و2024 و2025، بينما حصل موظفو القطاع المالي على زيادة بنسبة 7.03% شملت سنوات 2022 و2023 و2024.

آثار التضخم

بسبب آثار التضخم، يشكو أغلب التونسيين من تراجع وانهيار قدراتهم الشرائية، كما يُرهق التداين أكثر من 34% من الأسر التي تعتمد على الاقتراض لتسيير نفقاتها. ولا يُبدي التونسيون رضا على علاقتهم بالقطاع المالي والجهاز المصرفي، نتيجة ارتفاع كلفة الخدمات البنكية وأسعار الفائدة الموظفة على القروض حسب مواطنين لـ"العربي الجديد".
وعام 2024، أظهرت بيانات نشرها البنك الدولي أن 37% من التونسيين فقط يملكون حسابات في مؤسسات مالية، في حين تناهز النسبة 29% للنساء و32% لدى الأشخاص محدودي الدخل.
وكشفت المعطيات أن الفجوة العمرية على مستوى ملكية الحسابات ليست عالية في تونس، وذلك على غرار الأردن والمغرب، لكنها لا تزال في خانة العشرات.
وتشير تقديرات الاستراتيجية الوطنية للتمويل الصغير لتونس إلى أن حوالى 30% إلى 40% من السكان البالغين (2.5 إلى 3.5 ملايين نسمة)، وأكثر من نصف المؤسسات والمنشآت في تونس (245 ألف إلى 425 ألف شركة مسجلة) لا تزال محرومة من خدمات القطاع المالي الرسمي، أو لا تحصل على ما ينبغي الحصول عليه من هذه الخدمات، وذلك على الرغم من وجود 12 مليون حساب مسجل في البنوك ومكاتب البريد.

المساهمون