وول ستريت ترفع الراية البيضاء... كيف انحنى رأس المال لفوز ممداني؟

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 13:48 (توقيت القدس)
زهران ممداني برفقة زوجته راما دوجي، مسرح بروكلين باراماونت، نيويورك، 4 نوفمبر 2025، Getty
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك أثار قلق الأوساط المالية بسبب سياساته الاقتصادية مثل رفع الضرائب وتجميد الإيجارات، مما دفع بعض معارضيه لتهنئته والتعبير عن استعدادهم للتعاون معه.

- أثار فوز ممداني مخاوف من نزوح الأثرياء والمستثمرين، لكن الإدارة الجديدة بدأت في التواصل مع قيادات القطاع المالي لعرض خطة استقرار ضريبي، مما أدى إلى تهدئة بعض المخاوف.

- بدأت وول ستريت في التحول من المواجهة إلى البراغماتية، مع استعداد بعض المستثمرين للعمل مع ممداني، رغم التحديات في الحفاظ على جاذبية نيويورك للأعمال.

أبدت الأوساط المالية في نيويورك استعداداً للتعامل مع واقع سياسي جديد بعد فوز زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي، بمنصب العمدة رقم 111 لمدينة نيويورك، رغم مخاوفها من سياسات اقتصادية أعلنها خلال حملته الانتخابية تتضمن رفع الضرائب على أثرياء وول ستريت وتجميد الإيجارات وتوسيع برامج الدعم السكني، بحسب "بلومبيرغ". وقالت الوكالة إن النخبة المالية في المدينة استخدمت خلال الحملة الانتخابية المال والإعلانات والتصريحات التحذيرية في محاولة لعرقلة صعود ممداني، ووصفت فوزه المحتمل آنذاك بأنه بداية "صيف شيوعي ساخن". إلا أن فوزه الحاسم دفع أبرز معارضيه إلى تهنئته.

وكتب الملياردير بيل آكمان على منصة "إكس": "مبروك على الفوز، أمامك مسؤولية كبيرة، وإذا كان بوسعي أن أساعد نيويورك، فأخبرني بما أقدر عليه". وأعلن رالف شلوسشتاين، الرئيس التنفيذي السابق لشركة الخدمات المالية "إيفركور" وأحد مؤسسي "بلاك روك"، أنه رغم اختلافه السياسي مع ممداني، فإنه يعتزم التعاون معه، وقال "أنا لست اشتراكيا، لكنني أحب هذه المدينة وسأفعل كل ما أستطيع لمساعدته على النجاح". ويدرس شلوسشتاين الانضمام إلى مجلس اقتصادي استشاري يهدف إلى تقديم المشورة للعمدة المنتخب بشأن القضايا المالية والاستثمارية في المدينة، بحسب "بلومبيرغ".

نزوح الأثرياء

وفي تقرير سبق إعلان نتائج الانتخابات، أشارت رويترز إلى أن فوز ممداني، الذي عرف بخطابه الناقد للرأسمالية، أثار قلق قطاع المال والعقارات، خاصة بعد وعوده بفرض ضرائب إضافية على أصحاب الدخول المرتفعة، ما دفع بعض المستثمرين إلى التحذير من احتمالية "نزوح الأثرياء". ونقلت الوكالة عن محللين قولهم إن الأسواق ستتعامل بحذر مع إدارة ممداني الجديدة إلى أن تتضح ملامح سياسته الضريبية. ولوح بعض المليارديرات علنا بإعادة توجيه استثماراتهم إلى ولايات أخرى ذات سياسات ضريبية أقل كفلوريدا وتكساس. وقال المستثمر بيل آكمان، الذي كان من أبرز منتقدي ممداني، في مقابلة سابقة مع رويترز إن رفع الضرائب في مدينة تعاني أصلاً من ضعف البنية السكنية سيجعلها بيئة طاردة لأصحاب الثروات العالية، مضيفاً أن رؤوس الأموال تتحرك بسرعة، وإذا لم تجد بيئة مشجعة فستنقل نشاطها إلى مكان آخر.

ونقلت رويترز عن مصادر مصرفية أن مؤسسات مالية كبيرة درست في الأشهر التي سبقت الانتخابات سيناريوهات نقل مراكزها الإدارية أو جزء من موظفيها إلى ولايات جنوبية في حال تطبيق ضرائب جديدة على الدخل أو الأرباح الرأسمالية. وأكد عدد من مديري الصناديق الاستثمارية أن استمرار الخطاب المعادي للأثرياء قد يؤثر في الثقة بالمدينة بما هي مركز مالي عالمي. وذكرت "بلومبيرغ" أن فريق ممداني بدأ اتصالات مباشرة مع قيادات القطاع المالي وشركات التطوير العقاري خلال الأسبوع الأول بعد الانتخابات، لعرض ملامح أولية لـ "خطة استقرار ضريبي" تهدف إلى الحفاظ على تنافسية نيويورك مع معالجة أزمة الإسكان. وأوضحت الوكالة أن ممثلي الإدارة أكدوا لمديري المصارف أن أية تعديلات ضريبية ستكون تدريجية ومدروسة ولن تشمل المؤسسات المالية الحيوية للمدينة.

تحول تدريجي

غير أن "بلومبيرغ" أشارت إلى تحول تدريجي في موقف وول ستريت من المواجهة إلى البراغماتية، إذ قال مارك كرونفيلد، المدير التنفيذي السابق في "بلاك روك": "ليس هذا انتصاراً كارثياً كما يصور البعض، فالمدينة لن تتحول إلى بيئة ما بعد نهاية العالم لأن ممداني فاز. وأضاف أن ممداني استخدم العداء الموجه نحوه من وول ستريت أداةً لتعزيز شعبيته بين الناخبين. وبدأ ممداني بالفعل خطوات للتقارب مع مجتمع الأعمال، بحسب الوكالة من خلال تشكيل مجلس أعمال واستثمار يضم شخصيات من قطاعات المال والعقارات والتكنولوجيا والرعاية الصحية. ويشارك في المجلس مستثمرون مثل كيفن رايان وأندرو ميلغرام، اللذان عملاً سابقاً مع ممداني في ملف إعادة هيكلة ديون سائقي سيارات الأجرة، وهو الملف الذي انتهى بشطب نحو 400 مليون دولار من الديون المستحقة. وقال ميلغرام: "لم يكن ذلك عملاً دعائياً، بل جهدا تفاوضياً حقيقياً، جمع كل الأطراف إلى طاولة واحدة.

واعتبر خبراء أن هذه الخطوة تمثل محاولة من العمدة المنتخب لبناء الثقة مع عالم المال بعد حملة انتخابية اتسمت بتوتر غير مسبوق. وأشارت إلى أن بعض المؤسسات المالية بدأت بالفعل بتهدئة لهجتها، وأن عدة مصارف كبرى أصدرت بيانات تهنئة بعد إعلان النتائج. وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان تشيس"، الذي وصف ممداني سابقا بأنه أقرب إلى الماركسي من الاشتراكي، إنه مستعد للعمل مع الإدارة الجديدة من أجل مصلحة المدينة. كما صرحت جين فريزر، رئيسة بنك سيتي، بأنها تتطلع إلى التعاون مع العمدة المنتخب لجعل نيويورك مكانا أفضل للعيش والعمل. وذكرت "بلومبيرغ" أن ممداني، الذي دعمته شخصيات سياسية يسارية مثل السيناتور بيرني ساندرز والكونغرسية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، واجه أيضا انتقادات بسبب مواقفه من إسرائيل، حيث قالت كاثي وايلد، رئيسة منظمة شراكة من أجل نيويورك التي تضم 350 مديرا تنفيذيا، إنه سيحتاج إلى طمأنة الجالية اليهودية التي شهدت تصاعدا في جرائم الكراهية.

وقبيل إعلان فوز ممداني، انخفضت أسهم بعض البنوك وشركات التطوير العقاري بنسب طفيفة بلغت نحو 0.6% قبل أن تعود إلى الاستقرار بعد إعلان النتائج ومع تزايد مؤشرات التعاون بين الإدارة الجديدة ورجال المال، بحسب رويترز. وأشارت الوكالة إلى أن التحدي الأكبر أمام ممداني سيكون الحفاظ على جاذبية نيويورك للأعمال مع تنفيذ برنامجه الاجتماعي الطموح. وفي المقابل، أعلن بعض التنفيذيين في القطاع المالي دعمهم لممداني سرا خشية أن ينظر إليهم على أنهم اشتراكيون، بحسب "بلومبيرغ"، في حين صرح المستثمر مايك نوفوغراتز بأن نجاح ممداني هو نجاح للمدينة بأكملها، فهو يتعامل مع أزمة القدرة على تحمل المعيشة بواقعية وجرأة. وتشير بيانات بلدية نيويورك إلى أن نحو 65 ألف أسرة يتراوح دخلها بين مائة وثلاثمائة ألف دولار سنوياً تنفق أكثر من ثلث دخلها على الإيجار. وقال أحد مستثمري العملات الرقمية إن المدينة أصبحت مكلفة حتى بالنسبة إلى من يحققون دخولا مرتفعة.

كما علق لويد بلانكفاين، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة "غولدمان ساكس"، قائلاً إن العمدة الجديد سيحاسب على النتائج وليس على الخطابات، مضيفاً أن نيويورك تحتاج إلى من يديرها بالكفاءة نفسها التي تدار بها الشركات الكبرى. وقالت "بلومبيرغ"، إن وول ستريت تخلت عن خوفها من الصيف الشيوعي وبدأت في مرحلة إعادة التموضع استعدادا للتعاون مع الإدارة الجديدة، فيما أكدت "رويترز" أن العلاقة بين الطرفين ستظل قائمة على الحذر المشوب بالاحترام المتبادل، في انتظار الخطوات الاقتصادية الأولى للعمدة المنتخب خلال الأشهر المقبلة.

المساهمون