"وول ستريت" تتراجع بعد صعود تاريخي... والمستهلك الأميركي يشدّ الأحزمة
استمع إلى الملخص
- يعتبر المحللون أن هذا التراجع هو "استراحة طبيعية" في مسار صعود مدعوم بالاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، مع استمرار قوة الطلب على السندات قصيرة الأجل.
- تباطأ نمو الاقتراض الاستهلاكي إلى أضعف وتيرة خلال ستة أشهر، وارتفع معدل الفائدة على بطاقات الائتمان، مما يشير إلى بداية إعادة توازن في الاقتصاد الأميركي.
تعيش الأسواق الأميركية لحظة توازن دقيقة بين زخم الأرباح وضغوط التشبّع المالي. فبعد موجة صعود قياسية للأسهم بلغت 16 تريليون دولار من أدنى مستوياتها في الربيع الماضي، بدأت مؤشرات "وول ستريت" تُظهر علامات تعبٍ وارتداد، فيما شهدت السندات الحكومية إقبالاً قوياً من المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن. في المقابل، أظهرت بيانات مجلس الاحتياط الفيدرالي تباطؤاً في وتيرة الاقتراض الاستهلاكي، ما يعكس حذر الأسر الأميركية، وسط مخاوف من تباطؤ سوق العمل، وارتفاع الفوائد على بطاقات الائتمان.
في التفاصيل، تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية في "وول ستريت" بعد موجة صعود غير مسبوقة دفعت مؤشر ستاندرد أند بورز 500 (S&P 500) إلى تسجيل سلسلة من القمم التاريخية، قبل أن تشهد الأسواق عمليات جني أرباح بدافع ما وصفه محللون بـ"إرهاق المشترين". وانخفضت أسهم التكنولوجيا الكبرى التي قادت الارتفاع السابق في "وول ستريت" بعدما كشفت تقارير أن هوامش أرباح شركة أوراكل (Oracle) في خدمات الحوسبة السحابية أدنى من التقديرات، بينما هبطت تسلا (Tesla) إثر خفض أسعار سياراتها الأكثر مبيعاً.
وفي الوقت نفسه، واصلت سندات الخزانة الأميركية (Treasuries) مكاسبها بعد مزاد ناجح لبيع سندات ثلاثية السنوات بقيمة 58 مليار دولار، حيث بلغت العوائد 3.576%، أي أقل من التوقعات المسبقة، ما يعكس قوة الطلب بالرغم من الارتفاع الأخير في العوائد خلال الشهر الماضي.
وأشار الخبير أنجيلو مانولاتوس من "ويلز فارغو سيكيوريتيز" لشبكة بلومبيرغ إلى أن ارتفاع العوائد الأخيرة "جعل السندات قصيرة الأجل أكثر جاذبية"، خاصة في ظل التوقعات ببقاء خطة الاحتياط الفيدرالي (Fed) لخفض أسعار الفائدة في ديسمبر على حالها. هذا الإقبال على أدوات الدين يعكس، بحسب خبراء، ميولاً متزايدة نحو التحوط من المخاطر بعد موجة التفاؤل المفرطة في أسواق الأسهم.
في المقابل، أظهرت بيانات مجلس الاحتياط الفيدرالي تباطؤ نمو الاقتراض الاستهلاكي في أغسطس/آب إلى أضعف وتيرة خلال ستة أشهر، إذ ارتفع إجمالي الائتمان بمقدار 363 مليون دولار فقط مقارنة بزيادة قدرها 18.1 مليار دولار في يوليو/تموز. وانخفضت صفقات بطاقات الائتمان بنحو 6 مليارات دولار، بينما ارتفعت القروض غير الدوّارة مثل تمويل السيارات والتعليم بـ 6.3 مليارات دولار.
ويرى اقتصاديون أن هذا التراجع يعكس ميل المستهلكين إلى الحذر بعد شهر من الإنفاق المفرط، مدفوعاً بمخاوف من ضعف سوق العمل. فقد أظهر مسح "الاحتياط الفيدرالي" في نيويورك أن احتمال فقدان المستهلكين وظائفهم خلال الـ12 شهراً المقبلة بلغ نحو 15%، وهو الأعلى منذ إبريل، فيما يرى أكثر من 41% منهم أن معدل البطالة سيرتفع خلال العام المقبل.
وتشير البيانات كذلك إلى أن معدل الفائدة على بطاقات الائتمان بلغ 22.8% في أغسطس، وهو الأعلى هذا العام، ما يزيد من عبء الديون على الأسر ذات الدخل المتوسط. ويرى محللون أن هذا التباطؤ في الاقتراض، إلى جانب التحول نحو السندات وتراجع شهية المخاطر في "وول ستريت" قد يشير إلى بداية مرحلة إعادة توازن في الاقتصاد الأميركي بين النمو والاحتياط، خصوصاً مع ترقّب الأسواق أي إشارات جديدة من "الفيدرالي" بشأن وتيرة خفض الفائدة في 2026–2027.