بعد اتهامه بالتلاعب بالأسواق .. هل يُحاكم ترامب بالتربّح بسبب الإعفاءات الجمركية؟
استمع إلى الملخص
- أثارت سياسات ترامب الجمركية المتقلبة انتقادات واسعة، حيث اعتبرها أعضاء الكونغرس تفتح المجال لصفقات فاسدة تستفيد منها الشركات الكبرى على حساب الأعمال الصغيرة والمزارعين.
- تواجه إدارة ترامب اتهامات بالتلاعب بالسوق بعد تغريدة شجعت على شراء الأسهم قبل إعلان تعليق الرسوم الجمركية، مما أثار تساؤلات حول تورطه في فضيحة "التداول من الداخل".
تقدم عدد من نواب الكونغرس بطلبات لمحاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنصاره بتهم التربح واستغلاله الرئاسة كـ"رجل أعمال"، واستخدام "أدوات السياسة التجارية" وسيلةً لتمكين "النفوذ السياسي"، وذلك بعدما استغل العديد من المستثمرين ورجال الأعمال المقربين من الرئيس الأميركي تقلبات سوق الأسهم بسبب قراراته الخاصة بالرسوم ثم الإعفاءات الجمركية، بكونها فرصة للشراء وربح ملايين الدولارات.
وكشفت شبكة "NBC نيوز" الأميركية، وصحيفة "ذا غارديان" أول من أمس الجمعة، أن أكثر من 12 نائباً ديمقراطياً في مجلس النواب، بقيادة النائبة ماكسين ووترز، بعثوا برسالة إلى رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات واثنين من مراقبي الحكومة يتساءلون عما إذا كان ترامب وحلفاؤه متورطين في تداول داخلي بشأن الرسوم الجمركية، ويطالبون بالتحقيق في الأمر ومحاسبة إدارة ترامب.
وطالب النواب لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، بالتحقيق في ما إذا كان دونالد ترامب قد انتهك قوانين الأوراق المالية وانخرط في "التداول من الداخل والتلاعب بالسوق في أثناء تغيير مساره بشأن التعريفات الجمركية العالمية". وقالوا في الرسالة التي قادتها عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس والمرشحة الرئاسية السابقة إليزابيث وارن: "نحث لجنة الأوراق المالية والبورصات على التحقيق في ما إذا كانت إعلانات التعرفات الجمركية التي تسببت في انهيار السوق والانتعاش الجزئي اللاحق، قد أفادت الأصدقاء في إدارة ترامب على حساب الجمهور الأميركي".
وتساءلوا عما "إذا كان أي من المطلعين، بمن فيهم عائلة الرئيس، لديه علم مسبق بتوقف التعرفات الجمركية الذي أساؤوا استغلاله لإجراء تداولات الأسهم قبل إعلان الرئيس"، بحسب الرسالة التي وقع عليها أيضًا زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وعضو اللجنة المالية رون وايدن، وأعضاء مجلس الشيوخ، من ولاية أريزونا مارك كيلي وروبن جاليجو، وآدم شيف من كاليفورنيا.
أيضاً، أرسل النائبان بمجلس الشيوخ آدم شيف والسيناتور روبن غاليغو، وهو ديمقراطي من أريزونا، رسالة يوم الخميس الماضي، إلى رئيسة موظفي البيت الأبيض في إدارة ترامب، سوزي وايلز، وجيميسون غرير، القائم بأعمال مدير مكتب أخلاقيات الحكومة الأميركية، طالبا فيها بمراجعة "أي اتصالات بين البيت الأبيض وموظفي وكالات السلطة التنفيذية وأطراف خارجية، بما في ذلك المؤسسات المالية والوسطاء والتجار، التي قد تكون تضمنت معلوماتٍ غير معلنة".
وبصفته عضواً في مجلس الشيوخ، يحق لشيف التحقيق في هذه الادعاءات، لكنه يفتقر إلى سلطة الاستدعاء التي قد تستخدمها لجنةٌ في الكونغرس في مثل هذا التحقيق. وكان شيف قد كتب عبر "أكس": "ارتفعت أسهم شركة إيلون ماسك تسلا بنسبة 18% فور إعلان الرئيس إيقاف معظم الرسوم الجمركية"، في اتهام واضح لترامب ووزيره لكفاءة الحكومة بالتربح من قرارات الإعفاءات الجمركية.
وتساءل أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً عن تصرفات إدارة ترامب لتقويض هيئة الأوراق المالية والبورصات، متسائلين عن الآثار التي خلفتها الإجراءات الأخيرة وخفض عدد الموظفين الفيدراليين على قدرة الوكالة على "التحقيق في إجراءات الإنفاذ وملاحقتها"، بالإضافة إلى "مراقبة الأحداث واسعة النطاق في السوق والاستجابة لها". ويتهم أعضاء مجلس الشيوخ ترامب بإعلان "سلسلة من التعرفات الجمركية غير المنتظمة والمتهورة، ما أدى إلى اضطرابات كبيرة في السوق"، وأضافوا: "نتيجة مباشرة لهذه الفوضى، شهدت الأسواق المالية الأميركية انخفاضات كبيرة على مدار بضعة أيام فقط".
صفقات فاسدة
وقالت صحيفة "ذا غارديان" الخميس الماضي إن ترامب "يواجه اتهامات بالتلاعب بالسوق بعد نشره على وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة قال فيها إن "هذا هو الوقت المناسب للشراء" قبل ساعات فقط من اتخاذه قراراً دراماتيكياً بالتراجع عن حربه التجارية التي أدت إلى ارتفاعات كبيرة في أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم".
وهاجمت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن سياسات ترامب الجمركية "المتحوّلة والمتقطعة"، وأكدت أنها فتحت المجال لـ"صفقات فاسدة" تستفيد منها الشركات العملاقة، بينما تُقصي أصحاب الأعمال الصغيرة والمزارعين والأسر الأميركية، واعتبرت إعفاءات ترامب الجمركية "هدايا لكبار الشركات". وكتبت تقول: "على الكونغرس أن يوقف حالة الطوارئ الزائفة التي يستخدمها ترامب لفرض هذه الرسوم حول العالم".
Trump’s on-and-off-again tariffs leave the door wide open for billionaire corporations to suck up for corrupt deals — while leaving small businesses, farmers, and families out in the cold.
— Elizabeth Warren (@SenWarren) April 12, 2025
Congress must rein in Trump’s worldwide tariffs by shutting off his bogus emergency.
وقال زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، وهو ديمقراطي من نيويورك، يوم الخميس، إن الديمقراطيين في مجلس النواب سيطلقون تحقيقات في "التلاعب المحتمل بالأسهم". واعتبر خبراء اقتصاد ومحللون في صحف أميركية أن تحذيرات إليزابيث وارن تسلط الضوء على "خطورة استخدام أدوات السياسة التجارية وسيلةً لتمكين النفوذ السياسي أو الاقتصادي على حساب العدالة والشفافية". وأكدوا أن تكرار الإعفاءات لشركات كبرى، تطرح التساؤلات الآتية: "هل تخدم هذه السياسات فعلاً الاقتصاد الوطني؟ أم تُكرس لسياسات نخبوية تُثقل كاهل الطبقات المتوسطة والدنيا؟".
فضيحة "التداول من الداخل"
يُوصف التداول بناءً على معلومات داخلية بأنه "شراء أو بيع ورقة مالية، بما يخالف واجباً ائتمانياً أو علاقة ثقة، بناءً على معلومات جوهرية غير معلنة عن الورقة المالية"، بحسب موقع البورصات الأميركية. ومن الأمثلة التقليدية على ذلك أن يُبلغ شخص مطلع على معلومات من شأنها أن تُغير سوق الأسهم المتقلبة عائلته أو أصدقاءه المقربين، ليتمكن من بيع أو شراء الأسهم على أمل تحقيق ربح، وفق مجلة "تايم" الأميركية.
ويوم الأربعاء الماضي، وقبل ساعات فقط من إيقافه فرض الرسوم الجمركية، نشر ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي يقول: "هذا هو الوقت المناسب للشراء"، وأتبع هذه الجملة بأحرف DJT التي ترمز إلى الأحرف الأولى من اسمه وشركته الإعلانية. وبعدها بساعتين و39 دقيقة، في الساعة 12:16 دقيقة بتوقيت واشنطن، نشر ترامب بياناً أعلن فيه تعليق الرسوم الجمركية، التي كان قد فرضها منذ أقل من 10 أيام على دول العالم، لمدة 90 يوماً، ما اعتبر دليلاً على تورطه في فضيحة "التداول من الداخل" لتربح شركاته.
وتقول "ذا غارديان" و"وول ستريت جورنال" إن ترامب صدم المستثمرين بإعلانه وقفاً مؤقتاً لمدة 90 يوماً للتعرفات التجارية الإضافية على معظم البلدان، باستثناء الصين، ما أدى إلى ارتفاع مؤشرات الأسهم، وهو ما اعتبره خبراء اقتصاد تربحاً الأنصاره وشركاته بعدما قال لهم قبل إصدار القرار: "هذا هو الوقت المناسب للشراء"!.
وتشير تقارير اقتصادية أميركية إلى أن ترامب لا يوقع عادةً منشوراته بأحرفه الأولى، وتصادف أن هذه الأحرف هي نفسها التي يستخدمها سهم مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا، الشركة التي تسيطر على شركة "تروث سوشيال"، والتي ارتفعت أسهمها بنسبة 22% يوم الأربعاء بعد قراره، وبعدما نبه القائمين عليها بشراء السهم.
وأيضاً دعا السيناتور الديمقراطي آدم شيف، إلى إجراء تحقيق، قائلاً: "هذه التقلبات المستمرة في السياسات تُتيح فرصاً خطيرة للتداول بناءً على معلومات داخلية". وقال: "من في الإدارة كان على علمٍ مسبقاً بتقلبات ترامب الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية؟ هل اشترى أو باع أحدٌ أسهماً، وربح على حساب الشعب؟ من حق الشعب أن يعرف، ويجب التحقيق". وكتب السيناتور الديمقراطي كريس مورفي أيضاً على موقع "أكس" أن "فضيحة تداول معلومات داخلية تلوح في الأفق. تغريدة ترامب الساعة 9:30 صباحاً توضح أنه كان حريصاً على أن يجني أتباعه المال من المعلومات الخاصة التي لا يعرفها إلا هو، فمن كان يعلم مسبقاً؟ وكم ربحوا؟".
كذلك، دعت النائبة الديمقراطية عن نيويورك، ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، جميع أعضاء الكونغرس إلى الكشف عن أي أسهم اشتروها خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وكتبت على موقع "أكس": "سمعتُ أحاديث مثيرة للاهتمام في الكونغرس، وسيُكشَف عن بعض الفضائح يوم 15 مايو"، مؤكدة أنه "حان الوقت لحظر التداول الداخلي في الكونغرس".
Any member of Congress who purchased stocks in the last 48 hours should probably disclose that now.
— Alexandria Ocasio-Cortez (@AOC) April 10, 2025
I’ve been hearing some interesting chatter on the floor.
Disclosure deadline is May 15th. We’re about to learn a few things.
It’s time to ban insider trading in Congress. https://t.co/YBKMGbraAu
وقد كشف سبنسر حكيميان، مؤسس شركة "تولو" لإدارة رأس المال، مثالاً على هذا التربح لأنصار ورجال أعمال مقربين من ترامب، بقوله عبر "أكس": "ارتفع حجم تداولات مؤشر ناسداك بشكل حاد قبل دقائق من إعلان تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً"، في إشارة إلى معرفة رجال أعمال بقرار ترامب.
NASDAQ call volume spiked minutes before the 90 day tariff pause was announced.
— Spencer Hakimian (@SpencerHakimian) April 10, 2025
Not a good look at all. pic.twitter.com/SeF7Hfn2SM
وقد اعترفت مارغوري تايلور غرين، النائبة الأميركية الجمهورية عن ولاية جورجيا، وحليفة ترامب، أنها أجرت عدة عمليات شراء يومي 3 و4 إبريل، وهما اليومان اللذان شهدا انخفاضات حادة في السوق بعد أن أعلن ترامب لأول مرة وضع تعرفاته الجمركية في 2 إبريل، بما في ذلك أسهم أمازون وآبل، وهو ما عاد عليها بالربح، حيث ارتفعت أسهم شركتي التكنولوجيا بنسبة 12% و15% على التوالي عقب تعليق ترامب التعرفة الجمركية.
إعفاءات فاسدة للتربح
وحين أعلنت إدارة ترامب إعفاءات جمركية شملت هواتف ذكية وحواسيب وإلكترونيات أخرى، اعتبر نواب كونغرس وخبراء في صحف أميركية أن ما جرى "مكاسب لآبل ورجل الأعمال تيم كوك". وقالت الصحف الأميركية إن هذا التطور الخاص بخفض التعرفة الجمركية على الموبايلات وأدوات إلكترونية أثار جدلاً واسعاً، لأنه مكسب واضح لشركة "آبل". واعتبر محللون أميركيون أن هذه الخطوة تطرح تساؤلات عن مدى علاقتها بتبرع تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، بمبلغ مليون دولار لصندوق تنصيب ترامب. وعادت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن لتقول في تغريدة ساخرة على "أكس": "يبدو أن تيم كوك بدأ يجني ثمار استثماره الكبير"، أي تبرعه لترامب.
هل يُحاكم ترامب بالتداول الداخلي؟
وتقول كارين وودي، أستاذة القانون في كلية واشنطن ولي للقانون، إن التحقيق في ما إذا كان الرئيس أو أشخاص آخرون في دائرته متورطين في تداول داخلي أو معاملات مالية غير قانونية أخرى "صحيح"، ما يستوجب المساءلة. وأوضحت لمجلة "تايم" الأميركية الخميس الماضي أن "هذه ليست حملةً شعواء تبدو وكأنها ادعاءاتٌ من العدم، بل هي مثالٌ واضحٌ على ما نعتبره احتمالاً للتلاعب الحقيقي بالسوق من قِبَل شخصٍ لديه القدرة على تحريك الأسواق"، أي الرئيس ترامب.
وعن الخطوات التالية للمحاسبة، قالت: "عادةً تحقق لجنة الأوراق المالية والبورصات في هذه الاتهامات، نظراً لأن لجنة الأوراق المالية والبورصات هي بمثابة هيئة مراقبة السوق". لكن آدم بريتشارد، أستاذ القانون في جامعة ميشيغان، يصف منشور ترامب على موقع "تروث سوشيال" في حد ذاته بأنه "لم يكن تداولاً داخلياً واضحاً"، ويقول إنه لا بد من "دليل على أن ترامب نفسه كان يتاجر أو يقدم معلومات أكثر تفصيلاً لآخرين بشكل خاص".
ويقول كيفن دوغلاس، أستاذ القانون المساعد في جامعة ولاية ميشيغان، إن "قانون التداول من الداخل" قد يجعل من الصعب تحديد الانتهاكات لترامب، مشيراً إلى أنه "لا توجد قوانين فيدرالية تحظر صراحة التداول من الداخل، وأن أحكام القضاء الحالية لا توفر خريطة طريق"، وقد يتهرب ترامب بموجب ذلك. وقال دوغلاس لمجلة "تايم" إن "قانون الأسهم، الذي يحظر على الرئيس والموظفين الفيدراليين التداول بناءً على معلومات غير عامة، يحدد المعلومات غير العامة بطريقة تجعل القانون غامضاً بشكل قاتل". وتقول كارين وودي، أستاذة القانون في كلية واشنطن، إن "الوضع المحيط بوقف ترامب للرسوم الجمركية غامض، حيث يشارك اللاعبون الرئيسيون أنفسهم في مختلف المجالات، وقد يكونون هم مُسببي الأزمة".