هل يتنازل ماكرون عن إصلاح التقاعد لإنقاذ حكومة ليكورنو؟

11 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 14:27 (توقيت القدس)
متظاهرون ضد قانون إصلاح التقاعد في ليون، 5 يونيو 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار إصلاح التقاعد في فرنسا عام 2023 جدلاً بسبب رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، مما أدى إلى انقسام سياسي وتعبئة نقابية.
- تم تمرير القانون باستخدام المادة 49.3 دون تصويت، مما زاد التوترات، حيث ترفض الحكومة التراجع وتستند إلى ضرورة التمويل والديمغرافيا.
- تواجه الحكومة ضغوطاً سياسية ونقابية كبيرة، مع تهديدات بحجب الثقة، وسط تشاؤم شعبي حول مستقبل نظام التقاعد وتوقعات بتدهوره.

أشعل إصلاح التقاعد الذي أقرّته حكومة إليزابيث بورن عام 2023 أكبر موجة تعبئة نقابية منذ سنوات، وعمّق الانقسام بين الحكومة والمعارضة، ولا سيما أحزاب اليسار. جوهر الإصلاح هو الرفع التدريجي للسنّ القانوني من 62 إلى 64 عاماً، وهو ما ثبّته قانون التمويل التصحيحي للضمان الاجتماعي الصادر في 14 إبريل/نيسان 2023، على أن يبدأ تطبيقه على مواليد 1961 بثلاثة أشهر لكل جيل إلى أن يطبق كلياً على مواليد 1968. (كل سنة تضاف 3 أشهر على السن القانوني للتقاعد ابتداء من 1961).

ولم يحدث هذا الإصلاح شرخاً اجتماعياً فحسب، بل راكم انسداداً سياسياً بين الحكومة واليسار. فإقرار القانون عبر تفعيل المادة 49.3 (التمرير من دون تصويت) في 16 مارس/آذار 2023 ثم رفض السلطة التنفيذية التراجع عنه بحجة "ضرورة التمويل والديمغرافيا"، قابلته أحزاب اليسار بحملات لإلغائه ومبادرات تصويت رمزية في الجمعية الوطنية، أبرزها في 5 حزيران/يونيو 2025 حينما مرّرت غالبية ظرفية قراراً غير ملزم يدعو إلى الإلغاء. وبينما تمسّك وزراء الاقتصاد والعمل بخطاب "استدامة النظام" و"خفض العجز بحلول 2030"، ظلّ اليسار والنقابات يدفعان باتجاه بدائل تمويلية كزيادة الإيرادات والضرائب على الثروة وتقليص الهشاشة المهنية، ما أبقى الحوار الاجتماعي والسياسي في حالة جمود.

وتستند الحكومة في الدفاع عن إصلاح التقاعد إلى هدف إعادة توازن النظام تقريباً بحلول 2030، مع تعويل على رفع معدلات تشغيل من هم بين 60 و64 عاماً. وقدّرت الحكومة أن رفع سن التقاعد بعامين وتمديد فترة الاشتراكات سيولد إيرادات إجمالية بنحو 17.7 مليار يورو سنوياً بحلول 2030، لهذا ظلت الحكومات المتعاقبة متمسكة به، فبعد عودة الملف إلى الواجهة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، حذّر القائم بأعمال وزير المالية رولان ليسكيور من أن أي تعديل جوهري للإصلاح "سيكلّف مئات الملايين في 2026 ومليارات في 2027".

ومباشرة بعد أن أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس الجمعة تكليف سيباستيان ليكورنو برئاسة الحكومة. عاد ملفّ التقاعد إلى صدارة المشهد الاقتصادي والإعلامي مع تهديدات بالحجب على الحكومة "الجديدة - القديمة" إن أصرّت على عدم مراجعته. ونقلت صحيفة لوموند الفرنسية، اليوم السبت، أن الحزب الاشتراكي يضع تعليق إصلاح التقاعد ضمن "التنازلات الجوهرية" المطلوبة، وأن الأمين العام للحزب الاشتراكي بيار جوفي نفى أي "اتفاق على عدم حجب الثقة" مع الإليزيه بعد لقاء الحزب مع ماكرون رفقة باقي الأحزاب يوم الجمعة (لم يُدعى حزب فرنسا الأبية من أقصى اليسار والتجمع الوطني من أقصى اليمين)، معتبراً موقف الرئاسة "غير مسؤول" وأن حجب الثقة مطروح إذا لم يحصل التعليق، بينما تظهر المتابعة اللحظية أن أصوات الاشتراكيين ستكون حاسمة في بقاء الحكومة أو سقوطها.

التلويح بحجب الثقة

ونقلت قناة "بي إف إم تي في" (BFMTV)، اليوم السبت، أنّ ليكورنو "تحت تهديد الحجب" منذ لحظة إعادة تكليفه، وأن الاشتراكيين يلوّحون بمذكرة حجب ما لم يعلن "تعليقاً فورياً وكاملاً" للإصلاح. في السياق نفسه، سبق أن أكدت مارين تونديلييه، الأمينة الوطنية لحزب الخضر (حزب بيئي فرنسي)، على القناة ذاتها يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول أنها لا ترى أي طريق آخر غير الحجب، مشيرة إلى سعي كتلتها إلى بناء مذكرة حجب موحّدة فور إعلان البيان العام للسياسة الحكومية. وهذا ما يضع الحكومة أمام تهديد علني بآلية الحجب وتطبيق المادة 49.2 من الدستور (مادة حجب الثقة) عند أول اختبار برلماني. 

أعلنت رئيسة كتلة الحزب في الجمعية الوطنية ماتيلد بانو عبر منصة "إكس" أنّ "الرئيس لم يحكم قط بهذا القدر من الغضب والاشمئزاز"، ملوحة بـ"مذكرة حجب فورية" ضد الحكومة الجديدة و"مذكرة عزل جديدة لرئيس الجمهورية". وأمام ضغط السياسيين، يتواصل الضغط النقابي ويتصاعد، إذ ظل الاتحاد العام للعمل ذا توجه يساري يجاهر بأن "تعليق الإصلاح لا يمكن إلا أن يكون خطوة نحو الإلغاء"، كما شددت قوّة العمل (اتحاد نقابي فرنسي مستقل) والكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (اتحاد نقابي إصلاحي) على انتقاد آلية التمرير والمطالبة ببدائل تمويلية تُخفّف الأثر على الفئات الهشّة. هذا الضغط النقابي، المقترن بإنذار سياسي مُعلن بالحجب، يرسّخ الانطباع بأن ملف التقاعد أصبح "مفتاح الجمود" في المرحلة الحالية.

وقدّمت المفوّضية العليا للاستراتيجية والخطة (هيئة استشارية تابعة للحكومة)، الأربعاء الماضي، نتائج استطلاع أعدته "تولونا هاريس إنتراكتيف" (شركة أبحاث سوق واستطلاعات رأي مقرها فرنسا) بعنوان "فرنسا 2035، فرنسا 2050"، والذي أظهر تشاؤماً واسعاً حيال مستقبل ركائز النموذج الاقتصادي والاجتماعي، وفي مقدمتها نظام التقاعد، وتوقع أغلبية المستطلعين تدهور النظام خلال العقد المقبل، مع مفارقة لافتة هي تفاؤل نسبي لدى الفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة بشأن سعادتهم الشخصية بعد عشر سنوات.

المساهمون