هل يتكرر سيناريو انهيار أسعار النفط وسط الحرب التجارية وسباق فتح الصنابير؟
استمع إلى الملخص
- "أوبك+"، الذي يضم السعودية وروسيا والإمارات، يخطط لإنهاء تخفيضات الإنتاج بحلول 2025، وسط فائض في المعروض وتباطؤ الطلب الصيني، مما يهدد بتكرار انهيار الأسعار كما في 2020.
- الحرب التجارية تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي وانخفاض الطلب على النفط، مما يضغط على اقتصادات الدول المنتجة، خاصة في الشرق الأوسط.
تبدو سوق النفط مقبلةً على تقلبات حادة، وربما حرب أسعار طاحنة تعيد إلى المشهد ما حدث من انهيار للأسعار في عام 2020، إذ بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التأثيرَ فعلياً في الطلب على الخام، فضلاً عن إقدام تحالف "أوبك+" على إقرار زيادة كبيرة في الإنتاج تتناقض مع واقع الطلب العالمي، ما ينذر بانخفاض كبير في الأسعار، ويؤثر على مالية الكثير من الدول المنتجة، لا سيّما في منطقة الخليج العربي.
وأعلنت ثماني دول منضوية في تحالف "أوبك+" هي؛ السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وعُمان، السبت الماضي، عن زيادة كبيرة في إنتاج النفط لشهر يونيو/ حزيران المقبل، في تسريع للإنتاج رغم خطورة تراجع الأسعار المنخفضة أصلاً، وتقررت زيادة الإنتاج 411 ألف برميل إضافي يومياً، كما هو المستوى خلال مايو/ أيار الجاري، بينما كانت الخطة الأساسية تنصّ على زيادة قدرها 137 ألف برميل يومياً.
وتُشير هذه الخطوة إلى تراجعٍ حاد عن جهود "أوبك+" لحماية أسعار النفط. ويبدو أن السعودية تتبنى استراتيجية لخفض الأسعار، بهدف ضبط الأعضاء الذين يُفرطون في الإنتاج مثل كازاخستان والعراق. وقد تجاوزت الدولتان حصصهما مراراً، إذ تجاوزت كازاخستان هدفها في مارس/ آذار الماضي بمقدار 422 ألف برميل يومياً. وأشارت السعودية، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصّصة في الطاقة، إلى أنها ستواصل تخفيف تخفيضات الإنتاج، وأنها مستعدة للتعامل مع فترة طويلة من انخفاض الأسعار بعد خمس سنوات من تخفيضات "أوبك+".
في السياق قال ثلاثة مصادر في "أوبك+" لـ"رويترز"، أمس الأحد "إن التحالف يخطط لتسريع وتيرة زيادات إنتاج النفط أكثر، وربما إنهاء تخفيضات طوعية قدرها 2.2 مليون برميل يومياً بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2025 إذا لم يحسّن أعضاء التحالف الالتزام بحصص الإنتاج.
وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قد عمدت بقيادة السعودية، إلى تشكيل تحالف "أوبك+" عام 2016 مع دول أخرى من بينها روسيا، للتعامل مع التحديات التي تواجهها السوق. وحتى وقت قريب، استغلّت الدول الـ22 المنضوية في التحالف والتي تعتمد غالبيتها على الثروة النفطية، نُدرة الإمدادات لرفع الأسعار، فاحتفظت بملايين البراميل احتياطاتٍ.
وفي السنوات الأخيرة، وافق التحالف على تخفيضات طوعية إضافية، بفضل جهد خاص من العراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان، وبعد تأجيل متكرر لزيادة الإنتاج، بدأت هذه الدول عملية تسريع الإنتاج في بداية إبريل/ نيسان الماضي، ويدور سعر خام برنت حالياً في نطاق 61 دولاراً للبرميل، بينما يتحرك خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في حدود 58 دولاراً للبرميل.
إغراق السوق بالمزيد من المعروض
لكن الدخول في صراعات بين الدول المنتجة لزيادة الإنتاج يهدّد بإغراق السوق بالمزيد من المعروض، ما قد يدفع الأسعار إلى الانهيار على غرار ما حدث من حرب أسعار بين السعودية وروسيا عام 2020، إذ هوى خام برنت إلى 19 دولاراً للبرميل في إبريل من ذلك العام، كما انهار سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في العشرين من الشهر نفسه دون الصفر، ليبلغ (-8 دولارات) للبرميل للعقود الآجلة لشهر مايو، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق، وذلك بسبب بلوغ منشآت التخزين من كامل طاقتها الاستيعابية مع قفزة المعروض وانهيار الطلب العالمي جراء تفشي جائحة كورونا أيضاً.
سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي انهار في العشرين من إبريل/ نيسان 2020 دون الصفر، ليبلغ (-8 دولارات) للبرميل للعقود الآجلة لشهر مايو/أيار، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق، وذلك بسبب بلوغ منشآت التخزين من كامل طاقتها الاستيعابية مع قفزة المعروض وانهيار الطلب العالمي جراء تفشي كورونا
ورغم أن العالم حالياً يخلو من أي جائحة صحية إلّا أنه مهدد بجائحة اقتصادية على وقع الحرب التجارية الطاحنة بين الولايات المتحدة والصين، إذ بدأت ملامح الركود تتشكل في أميركا كما تتباطأ الآلة الاقتصادية العملاقة في الصين وترتسم ملامح الألم على الكثير من الأنشطة، وحتى قبل أن يبدأ "أوبك+" في زيادة إنتاجه، كانت أسواق النفط تواجه بالفعل فائضاً في المعروض لعام 2025 نتيجة تباطؤ الطلب الصيني ووفرة الإمدادات القادمة من الولايات المتحدة.
فقد أرسى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أن عاد إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، أقسى نظام تعرِفة جمركية تشهده الولايات المتحدة منذ قرن، إذ فرض رسوماً جمركية لا تقل عن 10% على غالبية ما تستورده الولايات المتحدة، ورسوماً أعلى على السيارات والصلب، مهدداً بزيادة الرسوم أيضاً على الأدوية وأشباه الموصلات، أما في ما يخصّ الصين، فقد زاد الرسوم إلى 145%، ليدفع أكبر اقتصادين في العالم نحو مواجهة تجارية مفتوحة على مصراعيها.
ركود عالمي على الأبواب بفعل الحرب التجارية
وتؤدي الرسوم الجمركية بالفعل إلى خفض حركة شحن الحاويات بين الولايات المتحدة والصين، لتنتقل التداعيات إلى الطلب على الشاحنات والطيران، ما يؤثر بالفعل على الطلب على النفط. وتفيد تقارير شركات الشحن وشركات الطيران بإلغاء رحلات وضعف الحجوزات. ويشكل الشحن والطيران ما يصل إلى 10% من استهلاك النفط العالمي، وذكرت شركة هاباغ لويد، إحدى أكبر شركات الشحن البحري في العالم أخيراً، أن العملاء ألغوا بالفعل 30% من الشحنات من الصين إلى الولايات المتحدة بسبب الحرب التجارية وتصعيد الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السلع الصينية.
كذلك تتوقع شركة "ميتسوي أو إس كيه لاينز" المحدودة، عملاق الشحن الياباني، انخفاضاً في الأرباح هذا العام، ويرجع ذلك أيضاً إلى تباطؤ حركة الشحن وسط "المخاوف بشأن التضخم وركود الاقتصاد العالمي بسبب سياسات الرسوم الجمركية الأميركية"، وتأثر قطاع الترفيه أيضاً بضعف ثقة المستهلكين، إذ تقول الشركة النرويجية للرحلات البحرية إنها شهدت ضعفاً في الحجوزات لمدة 12 شهراً مقبلة، وقال الرئيس التنفيذي هاري سومر: "بينما ندرك أن هناك ضغوطاً محتملة على الإيرادات، فإننا نعتقد أنه يمكن تعويضها بفعاليّة من خلال الاستمرار في تنفيذ مبادرات خفض التكاليف لدينا".
كما أصدرت شركة "كلاركسون" للوساطة البحرية ومقرها لندن تحذيراً بشأن الأرباح، مشيرة إلى أن "عدم اليقين الناجم عن احتمال نشوب حرب تجارية عالمية قد تصاعد"، وقال جين سيروكا، المدير التنفيذي لميناء لوس أنجليس، لشبكة "سي أن بي سي"، إنه يتوقع انخفاض حجم الشحنات من الصين بنسبة 35%، الأسبوع الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، إذ توقف تجار التجزئة الأميركيون عن الشحن من الصين بسبب الرسوم الجمركية، وأضاف سيروكا: "من الناحية الواقعية، حتى يجري التوصل إلى اتفاق أو إطار عمل مع الصين، فإنّ الحجم الخارج من هناك سيكون ضئيلاً جداً في أفضل الأحوال".
خفضت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها لنمو الطلب على النفط في عام 2025 بمقدار 300 ألف برميل يومياً، كما خفضت أوبك توقعاتها لنمو الطلب بمقدار 150 ألف برميل يومياً، وخفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها للنمو بمقدار 400 ألف برميل يومياً
وقالت شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" الأميركية لإدارة الاستثمار في عرض تقديمي للعملاء في نهاية إبريل الماضي إن الانخفاض الحاد في طرق الشحن من الصين إلى الولايات المتحدة سيؤثر على النقل بالشاحنات في أميركا. وبحلول منتصف شهر مايو، سوف تتوقف سفن الحاويات المتجهة إلى الموانئ الأميركية، وبحلول أواخر الشهر سوف يتوقف الطلب على النقل بالشاحنات، وسوف نشهد في أوائل يونيو/حزيران المقبل تسريح العمال في قطاع النقل بالشاحنات والتجزئة، وسوف يأتي الركود في صيف عام 2025، وفقاً لتوقعات "أبولو غلوبال مانجمنت".
صندوق النقد يخفض توقعات النمو للشرق الأوسط
وبالإضافة إلى ثقة الشركات، فإن ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة تتراجع أيضاً، وتعتقد نسبة قياسية من المستهلكين أن ظروف العمل تزداد سوءاً، وفقاً لتوقعات "أبولو" القاتمة، التي تقول إنّه ستكون هناك أرفف فارغة ونقص في المعروض يشبه كوفيد قريباً.
وتلاحظ شركات الطيران أيضاً انخفاضاً في الطلب على الترفيه مع إنفاق المستهلكين أقل، وتوقع ارتفاع التضخم وتدهور الاقتصاد، وقال بوب جوردان، الرئيس التنفيذي لشركة "ساوث ويست إيرلاينز"، لدى الإعلان عن النتائج المالية للشركة، نهاية الشهر الماضي: "بدأ العام بقوة، لكن الوضع تغير، وشهدنا تراجعاً في الطلب مع تقدم الربع، خاصة في قطاع الترفيه"، ولم تتطرق الشركة إلى الأرباح المتوقعة لعام 2025، إذ أضاف جوردان: "في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي الكلي الحالية، من الصعب للغاية التنبؤ بثقة بالنظر إلى الاتجاهات الأخيرة وقصيرة الأجل".
وقد توقعت بنوك الاستثمار الكبرى في الولايات المتحدة بالفعل حدوث ركود باعتباره السيناريو المرجح كثيراً، في حين خفضت جهات التنبؤ بالطلب على النفط، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية، ومنظمة أوبك، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، توقعاتها لنمو الطلب. وخفضت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها لنمو الطلب على النفط في عام 2025 بمقدار 300 ألف برميل يومياً، كما خفضت أوبك توقعاتها لنمو الطلب بمقدار 150 ألف برميل يومياً، وخفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها للنمو بمقدار 400 ألف برميل يومياً.
يشكل تراجع أسعار النفط على ضوء الركود الاقتصادي العالمي المحتمل وحرب ضخ النفط بين كبار المنتجين، تهديداً لشركات النفط اقتصادات الدول المنتجة، خاصّة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين أعلنوا أنهم لن يكونوا قادرين على الاستجابة لدعوة ترامب "احفر يا عزيزي، احفر"، ضمن مساعيه لإعادة ترسيخ الهيمنة الأميركية في قطاع الطاقة، كما أن هذا التراجع يُنذر بمتاعب لأعضاء تحالف "أوبك+"، بمن فيهم السعودية نفسها، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ. وخفض صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، توقعاته لدول الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الرياض بحاجة إلى أسعار نفط تتجاوز 90 دولاراً للبرميل لتغطية نفقاتها الحكومية.