هل تلقي قضية "المصري" بظلالها على مصالح إيطاليا النفطية في ليبيا؟

19 فبراير 2025
النفط الليبي يثير لعاب الدول الأوروبية/ ميناء البريقة 24-9-2020 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار اعتقال وإطلاق سراح أسامة نجيم، المعروف بـ"المصري"، جدلاً في إيطاليا بسبب عدم التزام الحكومة بمذكرة المحكمة الجنائية الدولية، مما أدى إلى انتقادات وتحقيقات من النيابة العامة والمحكمة الجنائية الدولية.
- كشفت صحيفة "دوماني" عن ضغوط دبلوماسية على إيطاليا لإطلاق سراح المصري، بالتزامن مع قمة الطاقة في ليبيا، حيث نفت الخارجية الإيطالية تلقي مطالب ليبية.
- تباينت الآراء حول تأثير القضية على المصالح الإيطالية في ليبيا، حيث أكد رئيس اتحاد النفط الإيطالي على أهمية الحفاظ على المصالح الاستراتيجية رغم التحديات الأمنية والسياسية.

على الرغم من وضعها كعضو مؤسس في المحكمة الجنائية الدولية، التي أُنشئت بموجب معاهدة روما في عام 1998، لم تلتزم إيطاليا بمذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق أسامة نجيم، الملقب بـ"المصري"، مسؤول جهاز الشرطة القضائية، الذي وُجِّهت إليه اتهامات بتعذيب المعتقلين، وإصدار أوامره بالاعتداء عليهم جنسيًّا وبالضرب حتى الموت.

وأثار اعتقال نجيم يوم 18 يناير/كانون الثاني وإطلاق سراحه وترحيله على متن طائرة تابعة للقوات الجوية الإيطالية إلى طرابلس خلال 96 ساعة فقط، ردات فعل وانتقادات حادة على المستويات السياسية والقضائية والإعلامية، وصلت إلى قرار النيابة العامة في روما التحقيق مع ميلوني ووزرائها بشأن تعاملهم مع القضية، وقرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن عدم التزام إيطاليا بمذكرة الاعتقال الصادرة بحق نجيم، هذا فضلًا عن العديد من طلبات الإحاطة البرلمانية المقدمة من قبل جميع قوى المعارضة الإيطالية.

وبخلاف الجانب السياسي من القضية التي باتت تؤرق الحكومة اليمينية الإيطالية ورئيستها جورجيا ميلوني، وربما تتسبب في إطاحة وزير العدل كارلو نورديو عبر إجراء طرح الثقة فيه المحتمل في البرلمان، كشفت صحيفة "دوماني" الإيطالية، في تقرير نشرته بتاريخ 12 فبراير/شباط الجاري تحت عنوان "تهديدات لغرين ستريم، خط غاز إيني: المصري وابتزاز ليبيا للحكومة"، وفقًا لمعلومات خاصة حصلت عليها، أن شخصيات دبلوماسية إيطالية تعرضت لضغوط من أجل إطلاق سراح المصري، تزامنًا مع انعقاد قمة الطاقة والاقتصاد في ليبيا في الفترة من 18 إلى 19 يناير/كانون الثاني.

وأضافت الصحيفة أن القرار السياسي لحكومة ميلوني مرتبط أيضًا بالاستثمارات التي عُرضت في هذه القمة، التي حضرها عمالقة الطاقة مثل إيني وتوتال وبريتيش بتروليوم و"أو إم في" النمساوية وكونوكو فيليبس الأميركية وريبسول الإسبانية. وبينما كانت السلطات الإيطالية تبحث ما يمكن لها عمله في قضية المصري، كان مدير التنقيب والإنتاج بمجموعة إيني، لوكا فينياتي، يعلن في القمة، بحضور السفير الإيطالي جان لوكا ألبيريني، عن الاستثمارات الإيطالية الجديدة في البلاد.

وصرحت مصادر ليبية رفيعة المستوى للصحيفة بأن "قيادات شبه عسكرية ليبية استخدمت قنوات غير رسمية في ممارسة ضغوط على شخصيات دبلوماسية إيطالية مرموقة، من خلال استدعاء غرين ستريم، مطالِبةً بإخلاء سبيل المصري على الفور". واستدركت الصحيفة أنها تواصلت مع الخارجية الإيطالية التي نفت تلقي "السفارة الإيطالية في طرابلس وطاقمها أي اتصالات أو مطالب من الجانب الليبي".

وفي الاتجاه المعاكس، لم تقتصر جبهة الدفاع عن رئيسة الحكومة الإيطالية ووزرائها على قوى اليمين المتمثلة في حزب "إخوة إيطاليا"، الذي تترأسه ميلوني، وحزب "فورتسا إيطاليا" برئاسة وزير الخارجية أنطونيو تاياني، ورابطة الشمال الانفصالية برئاسة وزير البنى التحتية والنقل ماتيو سالفيني، إذ أصدر رئيس اتحاد النفط الإيطالي، ميكيلي مارسيليا، بيانًا يوم الثلاثاء الماضي قال فيه إن "البرلمان في قضية المصري إنما يلعب بالنار، أو بالأحرى بنفطنا في ليبيا. والحقيقة أننا نجد مشقة في استيعاب أن صناعة النفط الإيطالية، شأنها في ذلك شأن جميع الصناعات الأخرى، تعمل في سياقات ودول بثقافات وديانات وأساليب حياة مختلفة".

وأشار مارسيليا إلى أنه "عندما أعلنا في اتحاد النفط الإيطالي عن دعمنا لسياسات ’الجنرال‘ حفتر، نُعتنا بالجنون، وبعدها على الفور انعقد اجتماع بين الحكومة الإيطالية وحفتر نفسه"، معتبرًا أن "الوضع الذي نحن بصدده الآن دقيق: فإذا كانت هناك حاجة، من ناحية، للتفكير مليًّا في سلوك شخصية سياسية مثل المصري في ليبيا، فإنه يتعين، من ناحية أخرى، الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لإيطاليا، وأهمها الطاقة. والشاهد أن الأمرين يسيران في مسارين متوازيين".

وأوضح: "لقد استأنفنا، بعد وقت طويل، عمليات تطوير المحروقات، وإيطاليا تبرز بين الكيانات الرئيسية العاملة في هذا المجال". وختم محذرًا بقوله: "فلننتبه، وإلا فسوف يأخذ شمال أفريقيا أيضًا مسافة منا، وحينها ستصبح خطة ماتّي مجرد ذكرى".

من جهته، علق الدكتور أُمبرتو بروفاتسيو، الزميل المشارك بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمحلل المتخصص في شمال أفريقيا بمؤسسة كلية دفاع حلف شمال الأطلسي (لندن)، قائلاً إن "تصريحات رئيس اتحاد النفط الإيطالي تعبر عن اهتمام خاص بالمصالح الوطنية الإيطالية في ليبيا". وأضاف بروفاتسيو، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "الإشارة هنا إلى قطاع النفط، الذي يخشى، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه مجموعة إيني في ليبيا، التداعيات المحتملة للقضية المتعلقة باعتقال أسامة نجيم المصري ومن ثم إطلاق سراحه".

ورأى أن "تدهورًا محتملًا في العلاقات الثنائية قد يلقي بظلاله أيضًا على التراخيص الجديدة والمشاريع المهمة مثل تلك المرتبطة بحقل غدامس"، مستدركًا أن "من المثير أيضًا، في تصريحات مارسيليا، الإشارة إلى الجنرال خليفة حفتر، الذي قُدِّم باعتباره المحاور الرئيسي لمصالح الطاقة الإيطالية في ليبيا، إلا أنه لم يتردد، في ماض ليس ببعيد، في استخدام النفط المنتج في الحقول الخاضعة لسيطرته كسلاح للابتزاز والضغط على إيطاليا". وختم بقوله: "الوضع في البلاد هو المسؤول بشكل أعم عن السماح بدرجة عالية من تفشي الخروج على القانون. وبالتالي، فإن شركاء ليبيا الرئيسيين يتعرضون للابتزاز من مختلف المليشيات، ولن تؤدي سياسات التكيف المعتمدة تجاههم إلا إلى إدامة هذا الوضع".

ولا يتفق المحلل الجيوسياسي في مرصد البحر المتوسط بمعهد سان بيوس الخامس للدراسات السياسية، ماريو سافينا، مع رؤية رئيس اتحاد النفط الإيطالي، خاصة في ما يتعلق بتأثير قضية المصري على مصالح إيطاليا في ليبيا، معربًا عن اعتقاده بأنها "لن تكون لها أي تداعيات من أي نوع على قطاع الطاقة والعلاقات الثنائية، بالنظر إلى أن لكلا البلدين مصلحة في مواصلة وتعزيز علاقاتهما".

وأشار سافينا، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه ليست الحالة الأولى التي يتعارض فيها مبدأ حماية مصالح وأمن الدولة مع حقوق الإنسان. ومع ذلك، كان بإمكان إيطاليا التصرف في هذه المسألة بطريقة أكثر حذرًا وعقلانية". ورأى أنه "في حال تعرض إيطاليا لـ ’ابتزاز‘ بشأن ملفات بعينها، فإن حماية المصالح الوطنية يمكن اعتبارها أولوية من وجهة نظر الحكومة الإيطالية"، معتبرًا أن هناك علاقة جلية بين قضية المصري وملف الهجرة. وأضاف: "الفكرة هنا هي أنه يجب تغيير النهج المتبع في هذا الموضوع".

وأوضح أن "التعاون مع بلدان شمال أفريقيا قد خُطِّط له بحيث يسمح بالتعامل مع مسائل مثل هذه. واليوم، فإن المخاوف من التدفقات غير المكبوحة والخارجة عن السيطرة للمهاجرين غير الشرعيين تمثل مشكلة في الحوار الإيجابي بين الجانبين".

المساهمون