هل تلجأ مصر إلى "موازنة حرب" لمواجهة تهديدات ترامب؟

19 فبراير 2025
قلق في الشارع من ارتفاعات جديدة للأسعار وخفض الدعم (محمود الخواص/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب إعداد "موازنة حرب" لمواجهة تهديدات ترامب بقطع المعونات وفرض رسوم جمركية، بالإضافة إلى الأزمات الإقليمية وتأثيرها على إيرادات قناة السويس والسياحة.

- تعمل الحكومة المصرية على إعداد سيناريوهات متعددة لإدارة الموازنة بالتعاون مع البرلمان، مع التركيز على تقليص الإنفاق غير الضروري وتعزيز الإنتاج المحلي وإعادة هيكلة الديون الخارجية.

- تسعى الحكومة إلى خفض الدعم عن المحروقات وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص، وإصدار وثيقة جديدة لسياسات الدين العام، بهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام وحماية الطبقات الفقيرة.

 

طالب برلمانيون وخبراء اقتصاد حكومة مصر بالإسراع في إعداد "موازنة حرب"، وإقرارها من البرلمان، لمواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المعونات الاقتصادية عن مصر، والمخاوف من فرضه رسوماً جمركية تهدد دخول الصادرات المصرية للسوق الأميركية، وترفع من قيمة الواردات مع وجود احتمالات بعودة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وتصعيدها مع دول أخرى بالمنطقة، تؤثر بشدة على إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات الأجنبية وترفع أسعار السلع الأساسية مع صعوبة في تأمين تكاليف الطاقة.

وفي المقابل، أكد بعض المراقبين للشأن المصري الأميركي أن سيناريو "موازنة الحرب" مبالغ فيه، وأن كل ما صدر عن ترامب بشأن قطع المساعدات وفرض الرسوم عبارة عن تهديدات فقط ولا ترقى إلى الاتجاه نحو هذا الطرح.

ورغم ذلك يظهر مراقبون حالة من القلق، التي أحدثها ترامب منذ وصوله للسلطة في يناير/ كانون الثاني الماضي، وشنه حروباً تجارية، تبشر بأزمة اقتصادية عالمية عميقة، تدفع مصر ودول المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار تؤثر على مواردها المالية وترفع من تكلفة الواردات والمعيشة.

تحديات كبيرة أمام حكومة مصر

تأتي الدعوات وسط تحديات كبيرة تواجه الحكومة مرتبطة بزيادة كبيرة في الدين العام وتصاعد الخارجي، مع ارتفاع العجز بين صادرات تبلغ 40 مليار دولار وواردات بنحو 80 مليار دولار، وفق بيانات رسمية. كما يتعين على القاهرة سداد 43.2 مليار دولار التزامات خارجية خلال أول تسعة أشهر من العام الحالي، بينها 5.9 مليارات دولار فوائد، و37.3 مليار دولار أصل قروض، حسب بيانات "البنك الدولي".

يخشى خبراء أن تتجه الحكومة إلى تعويم جديد للجنيه، في حالة استمرار الضغوط المتوقعة على طلب الدولار والعملة الصعبة، لدفع الديون المستحقة للأجانب وشراء المستلزمات الأساسية من الخارج، بما يصعد بمعدلات التضخم المرتفعة حاليا إلى مستوياتها القياسية المسجلة في سبتمبر/ أيلول 2023، عند 40.3%، متأثرة بحالة الحرب الروسية الأوكرانية، التي تواكبت مع الحرب الإسرائيلية على غزة.
يبدي وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب (البرلمان)، ياسر عمر، تفاؤلا بقدرة الدولة على اجتياز الأزمة الاقتصادية المتوقعة، مؤكدا لـ "العربي الجديد" أن الحكومة تعد عدة سيناريوهات لإدارة الموازنة العامة حالياً، على أن تقدمها للبرلمان، مطلع شهر إبريل/ نيسان المقبل.

سيناريوهات عديدة في البرلمان

يشير عمر إلى أن المجلس - الغرفة الأولى للبرلمان- سيناقش مع الحكومة وأعضاء مجلس الشيوخ السيناريوهات المطروحة، في ضوء تطورات الأحداث في غزة والمنطقة، والقرارات المتعلقة بالحرب بين أوكرانيا وروسيا، وما أشعله الرئيس الأميركي من سياسات مستهدفا بها مصر ودول المنطقة للاتفاق على إدارة الموازنة الجديدة، في ضوء كل الاحتمالات المفتوحة، على أرض الواقع، قبل اعتمادها بصورة نهائية في يونيو/ حزيران 2025.

برر وكيل لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري تفاؤله بأن القاهرة اعتادت على إدارة "موازنة الحرب" في أكثر من مرة، ظهرت جلية في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، عندما نشبت الحرب مع إسرائيل، وأجرى البرلمان تعديلا شاملاً موارد الدولة التي جرت تعبئتها بالكامل لمصلحة الحرب، لتدبير حاجة القوات المسلحة واحتياجات المواطنين الأساسية.

وأوضح عمر أن مرحلة الحرب التي امتدت من يونيو 1967 إلى 1974 أعطت الدولة العميقة في مصر خبرات واسعة، في سبل إدارة "موازنة الحرب" التي أعيد العمل بها خلال أزمة انتشار وباء كورونا وتبعتها مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكدا أن كل الموازنات الطارئة تركز على أولويات سواء كنا في حالة الحرب أو متأثرين بتوابعها، على احتياجات الناس من أغذية واهتمام بالصحة والتعليم.

يشير وكيل لجنة الخطة والموازنة إلى أن البرلمان سيعمل على تقليص الإنفاق غير الضروري والتركيز على القطاعات ذات الأولوية، التي تضمن توفير شبكات الأمان الاجتماعي للمواطنين، وتشمل الغذاء والطاقة والصحة والتعليم، مع خفض الاعتماد على الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي، والإسراع بإعادة هيكلة الديون الخارجية، واستقرار سعر الصرف وتحفيز الاستثمار المحلي، مؤكداً ضرورة خفض النفقات الإدارية الحكومية والرقابة المشددة على كفاءة تخصيص المورد المالية والبشرية، بما يحقق أعلى عائد للدولة، مشيرا إلى ضرورة الحد من استيراد السلع الكمالية والاعتماد على الصناعات التصديرية كثيفة العمالة الزراعية والصناعات التحويلية.

بيع الأصول للقطاع الخاص

يؤكد الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، الحديث عن أن إعداد الدولة لـ"موازنة حرب" أمر مبالغ به، حاليا مشيرا لـ"العربي الجديد" إلى أن نيات ترامب حول رفع التعرفة الجمركية لم تتضح بعد بخاصة في مصر والدول التي قرر رفع تعرفتها، ثم عطل التنفيذ، لأنه يعتبر القرار ورقة تفاوضية، مع الدول يمكن له التراجع عنها، إذا ما حقق مكاسب من ورائها.

يبين السيد أن معظم الإجراءات التي اتخذها ترامب تتعلق بدول متقدمة لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، بينما القاهرة لديها عجز تجاري دائم لمصلحة واشنطن، ويظل التهديد بقطع المعونات الاقتصادية قاصرا عند حدود 250 مليون دولار، التي تحصل عليها مصر سنوياً لدعم القطاعات المدنية، بينما المعونة العسكرية التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، لن يمسها ترامب، لارتباطها بمصالح الولايات المتحدة، التي تستفيد من التزام مصر بعملية السلام مع إسرائيل، وهذه المصلحة لا تتحقق إلا باستمرار الدعم الأميركي للأسلحة التي تقدمها للقوات المسلحة.

يقول السيد إن خطر دخول مصر في حرب مع إسرائيل أمر غير وارد، مع وجود قناعة لدى مصر بأن إسرائيل لن تلجأ إلى طرد الفلسطينيين بالقوة، كما يزعم نتنياهو، خاصة أن مصر أصبحت لديها خطة واضحة لإعادة إعمار غزة بدون المساس بالفلسطينيين، بما يزيل مخاوف العودة للحرب.
يذكر السيد أن ارتباط الحكومة باتفاق مع صندوق النقد الدولي وإعلان مديرته كريستالينا غورغييفا منذ يومين التزامها بتقديم الدعم المالي لمصر لمساعدة الحكومة على مواجهة العجز بالموازنة، وسداد التزاماتها للديون الأجنبية، ووضع سقف للنفقات المالية، كل ذلك سيدفع الحكومة إلى تنفيذ وثيقة ملكية الدولة وبيع الأصول للقطاع الخاص، بما يسمح لها بمساحة واسعة، لتمويل برامج الحماية الاجتماعية.

يشدد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية على دعوته الحكومة لإعادة شاملة لهيكلة الاقتصاد، بما يحد من وجود الدولة في الاقتصاد، ويدفع بدور القطاع الخاص في تمويل الاستثمارات العامة وتوفير فرص العمل، على أن تركز الحكومة على توفير حاجة المواطنين للتعليم والصحة، وحماية الطبقات الفقيرة، مذكرا بأن ذلك لن يحدث في ظل اتفاق الحكومة مع صندوق النقد على السير في برنامج بيع الأصول وخفض الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية، التي تستفيد منها الأغلبية من ذوي الدخل المنخفض والفقراء.

خطة مصر لخفض الدعم

تظهر المؤشرات الأولية للموازنة المجمعة المرتقبة للحكومة شاملة مخصصات 59 هيئة اقتصادية حكومية سترصد لأبواب الموازنة، بعد غياب استمر ربع قرن، ارتفاعا بحجمها إلى 8 تريليونات جنيه، بزيادة 1.4 تريليون جنيه عن العام المالي الجاري 2024/ 2025 (الدولار = نحو 50.7 جنيهاً). وتستهدف الحكومة معدل نمو بين 5% و5.5%، بزيادة 1% عن التوقعات التي وضعها البنك الدولي.
وفقا لتصريحات وزير المالية أحمد كوجك أخيرا، تكشف مؤشرات الموازنة استمرار الحكومة بتطبيق خطة خفض دعم المحروقات، التي تقدر حاليا بنحو 150 مليار جنيه، عبر رفع الأسعار على ثلاث مراحل ربع سنوية متتالية تبدأ من يوليو/تموز 2025 مع استمرار الدعم العيني للخبز والسلع التموينية التي تصرف لنحو 62 مليون فرد حتى يونيو/حزيران 2026.
تصدر وزارة المالية في شهر مارس المقبل وثيقة جديدة لسياسات الدين العام، تتضمن خطط طروحات الدين العام المحلي والأجنبي، شاملة إصدار السندات والصكوك، التي ستطرحها في أسواق الدين الدولية، خلال العام المالي 2025-2026. تستهدف الوثيقة، تنويع أدوات الدين الخارجي وإطالة آجاله، وخفض تكلفة الفوائد والأقساط، للحد من تصاعد معدل الدين الخارجي الذي ارتفع في سبتمبر الماضي إلى 155.2 مليار دولار، على أساس ربع سنوي مقارنة بالعام المالي 2023/ 2024، منها 27.7 مليار دولار ديون قصيرة الأجل و127.5 مليارا متوسطة وطويلة الأجل.

المساهمون