استمع إلى الملخص
- تمتلك روسيا احتياطات كبيرة من المعادن النادرة وتسعى لزيادة إنتاجها رغم العقوبات، بينما تسيطر الصين على 70% من الإمدادات العالمية.
- التعاون بين الولايات المتحدة وأوكرانيا قد يكون محدود التأثير بسبب قلة الاحتياطات الأوكرانية، والخلافات حول إنشاء صندوق استثماري تعقد الأمور.
يفرض السباق الأميركي مع الزمن لإبرام اتفاقية بشأن المعادن الأرضية النادرة الأوكرانية بالتزامن مع تأكيد روسيا على انفتاحها للتعاون مع واشنطن في هذا المجال، تساؤلات حول الدوافع الحقيقية للرئيس العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، الذي يسعى للحد من تبعية بلاده للصين، الدولة الرائدة عالمياً في إنتاج وتصدير المعادن ذات الأهمية القصوى لقطاع الإلكترونيات، إلا أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، غادر واشنطن في نهاية الأسبوع المنصرم من دون التوقيع على الاتفاق بعد المشادّة الكلامية بينه وبينه ترامب.
وفي وقت كان قسم مهم من حقول المعادن النادرة يقع في مناطق شرق أوكرانيا التي ضمتها روسيا في عام 2022 والخارجة عن سيطرة كييف، سارع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الاثنين الماضي، لعقد اجتماع بتقنية الفيديو تناول تطوير قطاع المعادن النادرة، مؤكداً خلاله على أهميته لضمان التنافسية العالمية للبلاد، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستديمة.
إلا أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اعتبر في تصريحات تلفزيونية، أمس الأحد، أن التعاون في مجال المعادن الأرضية النادرة يشكل "أفقاً بعيد المدى" للتعاون، قائلاً: "سمعنا من بضعة مسؤولين في الإدارة الأميركية أنه يجب تحقيق التسوية في أوكرانيا أولاً ثم الاقتصاد، يبدو لي أنه حان الوقت لتحديد دائرة الملفات المحتملة للتعاون، لكن لا مجال لانتظار نتائج سريعة ما في هذا القطاع".
روسيا تبحث عن حصتها
تقدّر وزارة البيئة الروسية احتياطات البلاد من 29 معدناً نادراً بـ658 مليون طن، لتأتي بذلك في المرتبة الثانية عالمياً بعد الصين، لكن حصتها في الإنتاج العالمي تبلغ 1% فقط، وتقتصر على اللوباريت الخام بحقل لوفوزيرسكي بمقاطعة مورمانسك الواقعة أقصى شمال روسيا، الذي يُعالَج في مصنع لوليكامسك للمغنيسيوم، إلا أن وزارة الصناعة والتجارة تؤكّد على عزمها تدارك الوضع وزيادة إنتاج المعادن النادرة إلى 50 ألف طن بقيمة 1.2 مليار دولار بحلول عام 2030.
يوضح الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بمعهد موسكو للحديد والصلب، رافائيل عبدولوف، أن المعادن النادرة تؤدي دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي في القرن الـ21، مرجعاً تحركات ترامب إلى سعيه لتوفير بدائل للمعادن الصينية سواء في غرينلاندا أو أوكرانيا أو حتى روسيا.
ويقول عبدولوف في حديث لـ"العربي الجديد": "تؤدي المعادن النادرة دوراً محورياً في الاقتصاد الحديث، وتدرج مدرسة العلوم الروسية على قائمتها 17 عنصراً من بينها السكانديوم والإتريوم واللانثانيدات، بينما تنسب إليها في الغرب 30 معدناً آخر مثل الليثيوم والبريليوم والتيتانيوم وغيرها. تستخدم هذه العناصر في مجالات الإلكترونيات وصناعة السيارات والمحفّزات الصناعية والسبائك الخاصة والبطاريات والصناعات النووية وغيرها، ما يعني أن لها أهمية حيوية على صناعات التكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد الحديث برمته".
ويلفت إلى أنّ نقص المعادن النادرة قد يشكل خطراً على الأمن القومي لعدد من الدول، مضيفاً: "تستحوذ الصين اليوم على نحو 70% من مجموع الإمدادات العالمية، وفعلياً تحتكر بعضها مثل الغاليوم الذي تبلغ حصتها في إمداداته 94%، وفي نهاية العام الماضي، قرّرت الصين الرد على العقوبات الأميركية بفرض الرقابة على تصدير جميع إمدادات الغاليوم، ما قد يتسبب في الإخلال بسلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار هذه العناصر، وذلك دفع ترامب إلى البحث عن مصادر بديلة للمعادن النادرة في غرينلاندا وأوكرانيا وحتى روسيا".
ويذكّر بأن تفكك الاتحاد السوفييتي أسفر عن تراجع مكانة روسيا في مجال المعادن النادرة، قائلاً: "تتراوح التقديرات لحصة روسيا في الاحتياطات العالمية من المعادن النادرة بما بين 20 و25%، لكن حصتيها في الإنتاج والاستهلاك العالميين لا تتخطى 1 و0.6% على التوالي، رغم أن حصة الاتحاد السوفييتي كانت تبلغ 15%، حينها كان الإنتاج يتركّز في جمهوريات كازاخستان وقرغيزستان مع المعالجة في أوكرانيا وإستونيا، لكن الروابط بين المنشآت انهارت بعد تفكك الاتحاد في عام 1991".
ومع ذلك، يُقرُّ بوجود عقبات أمام شغل روسيا مرتبة رائدة عالمياً في مجال المعادن النادرة، مستطرداً: "اليوم، يشكل إنتاج المعادن النادرة قطاعاً واعداً، ولكن روسيا لا تزال تواجه فيه بعض العراقيل، وفي مقدمتها صعوبة تنظيم استيراد التكنولوجيا والمعدات للإنتاج والمعالجة حتى من الصين في ظروف العقوبات. يضاف إلى ذلك نقص في التمويل من الدولة والكوادر والإشغال العالي للمصانع وانعدام الطلب من المستهلكين النهائيين".
معادن أوكرانيا لا تكسر الاحتكار الصيني
نشرت صحيفة سترانا الإلكترونية الأوكرانية الأربعاء الماضي، نص مشروع الاتفاق المزمع توقيعه بين كييف وواشنطن بشأن المعادن النادرة، الذي يقتضي بإنشاء "صندوق إعادة إعمار استثماري" تملكه الحكومتان، على أن تودع أوكرانيا 50% من عوائد "أصول الموارد الطبيعية" المملوكة للدولة في الصندوق. وينطبق ذلك على حقول الثروات الطبيعية والنفط والغاز الطبيعي وعناصر البنية التحتية والمنشآت الحكومية، على ألّا تتجاوز حصة الولايات المتحدة وصلاحيات ممثليها "الحدود المسموح بها وفقاً للقوانين الحالية"، ومن المخطط أن يعيد الصندوق الفارق بين عوائده ونفقاته في "دعم أمن أوكرانيا وحمايتها وازدهارها" مرة واحدة سنوياً على الأقل.
يقلل الخبير الصناعي الروسي، ليونيد خازانوف، من مدى استفادة الولايات المتحدة من المعادن النادرة الأوكرانية نظراً لقلتها وتركّزها في مناطق متنازع عليها مع روسيا، مشككاً في قدرة ترامب على كسر الاحتكار الصيني لهذا المجال في الأفق المنظور. ويقول خازانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تملك أوكرانيا احتياطات كبيرة من المعادن النادرة باستثناء بعضها مثل السكانديوم الذي يتركز في حقول بعينها، لكنه يمكن الجزم بأن لا شركة أوكرانية أو أميركية ستستثمر في تنقيبها في المرحلة الراهنة، خاصة أن حجم الاحتياطات غير معروف على وجه الدقة".
ويقلل من أهمية تأثير الاتفاق الأوكراني الأميركي المرتقب على السوق العالمية للمعادن النادرة، مضيفاً: "حتى إذا أبرمت الولايات المتحدة وأوكرانيا صفقة (السلاح مقابل المعادن النادرة)، إلا أن ذلك لن يكسر هيمنة الصين في السنوات القادمة على الأقل، إذ تنتج الولايات المتحدة حالياً نحو 40 - 43 ألف طن من المعادن النادرة، بينما يبلغ الإنتاج الصيني 240 ألف طن من أصل 350 ألفاً تُنتج على مستوى العالم".
ويلفت إلى أن إنتاج الولايات المتحدة لا يغطي حاجياتها من المعادن النادرة، ما يضطرها لاستيرادها من الصين رغم تدهور العلاقات، مشيراً إلى أن هذا هو العامل الذي يدفع بترامب نحو البحث عن كيفية وضع حد للتبعية في هذا المجال.
يُذكر أن الخلافات الأوكرانية الأميركية تفاقمت بعد اقتراح واشنطن تأسيس صندوق بقيمة 500 مليار دولار تتحملها أوكرانيا عبر تنازلها عن نصف عوائد الموارد الطبيعية، بما فيها المعادن النادرة، وكذلك أرباح الموانئ وغيرها من عناصر البنية التحتية، على أن تمتلك الولايات المتحدة هذا الصندوق تعويضاً عن النفقات التي تحمّلتها لدعم أوكرانيا، إلا أن كييف عارضت هذا الاقتراح، مقدرة قيمة الدعم الأميركي الفعلي المقدم لها بـ90 مليار دولار، بينما لا يزال حجر العثرة هو انعدام أي ضمانات مالية وعسكرية وأمنية أميركية تقدم لكييف، وسط مواصلة البلدين جهودهما بحثاً عن حل وسط يرضي الجانبين.