هل تعود أوروبا إلى الغاز الروسي حال إنهاء الحرب في أوكرانيا؟

19 فبراير 2025
منصة للغاز الطبيعي في روسيا، 13 مايو 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت أوروبا أبرد شتاء منذ ثلاث سنوات، مما أثار مخاوف بشأن إمدادات الغاز الطبيعي وارتفاع الأسعار. تلوح بوادر تسوية لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، مما قد يدفع الدول الأوروبية لإعادة النظر في استئناف الإمدادات الروسية.
- توقفت معظم إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بعد العقوبات، مما أدى إلى انخفاض حصة روسيا في السوق الأوروبية. استئناف التدفقات يمكن أن يكون مفيدًا للطرفين، حيث تعاني روسيا من خسائر مالية، بينما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات في تلبية احتياجاته.
- تُدرس خيارات بديلة لاستئناف تدفقات الغاز، مثل إنشاء فرع لشركة الغاز السلوفاكية في أوكرانيا. تسعى الولايات المتحدة لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، مما يعقد الأمور.

أشعل أبرد شتاء منذ ثلاث سنوات في أوروبا مناقشات واسعة حول إمدادات الغاز الطبيعي من جديد، لا سيما مع انخفاض درجات الحرارة واحتدام المنافسة الآسيوية على الإمدادات، وعودة الأسعار للصعود، في وقت تلوح في الأفق بوادر تسوية لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا بوساطة أميركية، ما يدفع العديد من الدول لإعادة حساباتها بشأن السماح باستئناف الإمدادات الروسية.

وبلغ سعر السوق الفورية في مرفق نقل الملكية الهولندي، وهو مركز تجارة الغاز في أوروبا، 58 يورو (61 دولاراً) لكل ميغاواط/ساعة في العاشر من فبراير/شباط الجاري، وهو أعلى مستوى له في عامين. ثم في الثاني عشر من فبراير/شباط، جاء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المفاوضات بشأن إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا سوف تبدأ "على الفور"، وهو التصريح الذي يبدو أن الأسواق تأخذه على محمل الجد.

ولذلك، ليس من المستغرب أن يتطلع بعض المسؤولين الأوروبيين بشغف إلى الغاز الروسي. فقد تعمل فواتير الطاقة المنخفضة على إحياء الصناعة الأوروبية المحتضرة وإرضاء الأسر. وتوقع جاري ستين الخبير لدى بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، أن يؤدي انتهاء الحرب إلى زيادة بنسبة 0.5% في الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، ومعظم ذلك يأتي من الغاز الطبيعي الأرخص.

ويقترح المؤيدون أن التدفقات المتجددة قد تشجع أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التفاوض على اتفاق سلام ثم الالتزام به. وتدعم المجر وسلوفاكيا هذه الحجة. ورغم أن فريدريش ميرز، المرشح الأوفر حظاً لمنصب المستشار المقبل لألمانيا، قال إنه لن يكون هناك عودة إلى الغاز الروسي "في الوقت الحالي"، فإنه لم يستبعد حدوث ذلك.

وأي صفقة من هذا القبيل ستمثل تحولاً مذهلاً في قضية إمدادات الطاقة، خاصة أن موقف المفوضية الأوروبية يتلخص في أنها "لا تربط" بين استئناف التدفقات الروسية وأي محادثات سلام أوكرانية. ولطالما أعلنت المفوضية أنها تستهدف عدم استيراد أي غاز أو نفط روسي على الإطلاق بحلول عام 2027، وذلك لتقليل الاعتماد على "جارتها المعادية".

وتوقفت معظم عمليات تسليم الغاز في عام 2022، عندما أغلقت روسيا خط أنابيب "نورد ستريم 1"، وهو خط الأنابيب الرئيسي إلى أوروبا بعد بدء العقوبات الغربية على موسكو. وفي عام 2021، توقف خط أنابيب آخر يمر عبر أوكرانيا عن التدفق. والآن يتلقى الاتحاد الأوروبي 10% فقط من غازه من روسيا، مقابل 45% في عام 2021.

لكن زيادة التدفقات عن المعدلات المتواضعة الحالية تمثل فرصة للطرفين موسكو أو بروكسل. ولا تستطيع روسيا إعادة توجيه معظم إمداداتها التي توقفت إلى أسواق بديلة، مما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة. وفي عام 2022، شكلت مبيعات الوقود 13% من ميزانية روسيا، والآن لا تمثل سوى 8%. وفي عام 2023، سجلت شركة غازبروم، عملاق الغاز المملوك للدولة في البلاد، أول خسارة لها منذ عام 1999. وفي نهاية المطاف، سيُتخذ القرار بشأن ما إذا كان سيجري فتح الصنابير من قبل البلدان الواقعة على طرفي خطوط الأنابيب، وتلك التي تمرّ عبرها الإمدادات.

ويستهلك الاتحاد الأوروبي حوالي 320 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، بينما سعة تخزين الكتلة تعادل ثلث ذلك، إذ تبلغ نحو 115 مليار متر مكعب. وكانت هذه الاحتياطيات ممتلئة تقريباً عندما بدأ الشتاء. ومنذ ذلك الحين، أجبر الطقس البارد وانقطاع الإمدادات، الاتحاد الأوروبي على حرق المزيد من الغاز أكثر من المتوقع. والآن المخزونات تصل إلى 48% فقط، مقارنة بنحو 66% في الوقت نفسه من العام الماضي. وتدفع الأسعار المرتفعة المستخدمين الكبار، مثل صناع المواد الكيميائية ومصاهر المعادن، إلى تقليص الإنتاج. ويتقلص الإنتاج الصناعي في مختلف أنحاء الكتلة، الضعيف بالفعل، بشكل أكبر.

وتتطلب قواعد الاتحاد الأوروبي أن يكون التخزين ممتلئاً بنسبة 90% بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. وعادة ما يجري تجديده بين إبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول. وسوف تضطر أوروبا هذا العام إلى شراء المزيد عن المعتاد، في الوقت الذي يسارع فيه المستوردون الآسيويون أيضاً إلى إعادة التخزين. ولا يوجد سوى القليل من الإمدادات الإضافية. وبينما من المتوقع وصول موجة من الغاز الطبيعي المسال من أميركا وقطر، إلا أن معظمها سيصل العام المقبل. ونتيجة لهذا، فإن سعر الغاز الذي سيجري تسليمه الصيف المقبل أعلى من سعره في الشتاء، ما يجعل تخزين الوقود غير مربح. وتريد بعض البلدان تخفيف هدف التخزين في الاتحاد الأوروبي.

ولا تزال المجر وسلوفاكيا تستقبلان تدفقات روسية عبر الأنابيب من تركيا، وربما تحصلان مع عدد قليل من الدول الأخرى، بما في ذلك النمسا، على الغاز الطبيعي المسال الروسي، والذي يتدفق عبر شمال أوروبا. ولكنهما تدفعان المزيد مقابل وقودهما، الذي أصبح إمداده أقل تأكيداً من ذي قبل. ومن شأن استئناف التدفقات عبر أوكرانيا، التي توقفت في بداية العام، أن يساعدهما. كما سيدفع الأسعار إلى الانخفاض في جميع أنحاء أوروبا من خلال الحد من المنافسة على الإمدادات. ومنذ تصريحات ترامب حول التفاوض على تسوية بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، انخفضت الأسعار في مرفق هولندا بنسبة 9%.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتقول آن صوفي كوربو، من جامعة كولومبيا، لمجلة إيكونوميست، إن مجرد إعادة 15 مليار متر مكعب عبر الأنبوب الأوكراني يمكن أن يؤدي إلى انخفاض أسعار الغاز في مرفق الملكية بهولندا بمقدار الثلث من ذروتها الأخيرة. وتشير مجموعة "ميتسوبيشي يو إف جي" المصرفية إلى أن الأسعار قد تنخفض إلى النصف مرة أخرى بحلول عام 2026 إذا ارتفعت التدفقات عبر أوكرانيا.

ولكن هناك بعض الحلول البديلة، فأوكرانيا مصرة على أنها لن تجدد اتفاقها مع روسيا الذي انتهى بانقضاء 2024، ولكن يجري دراسة الحلول البديلة. وتنشئ شركة الغاز الوطنية السلوفاكية فرعاً لها في أوكرانيا، وتقدمت بطلب للحصول على ترخيص نقل، مما سيمكّن الشحنات من روسيا من العبور. وهناك خيار آخر ولكن احتمالاته أقل حالياً، وهو استئناف المبيعات عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، الذي كان ينقل ذات يوم 55 مليار متر مكعب سنوياً إلى أوروبا، وربما حتى "نورد ستريم 2"، وهو خط أنابيب بالسعة نفسها لم يدخل الخدمة قط.

لكن أنابيب "نورد ستريم" تحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات للإصلاح بعد التخريب الذي طاولها، وتتهم روسيا أوكرانيا بالضلوع فيه، كما ستضغط الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر حذراً تجاه روسيا بقوة ضد الاعتماد بشكل أكبر على الطاقة الروسية مجدداً، وفق مايك فولوود من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.

كما أن هناك عاملاً يتعلق بترامب نفسه، إذ يريد الرئيس الأميركي أن تشتري أوروبا المزيد من الغاز الطبيعي المسال من بلاده، وهذا يرتبط بعدم استئناف روسيا تصدير الغاز إلى القارة الباردة. وقد تؤدي العودة الكاملة للإمدادات الروسية إلى سحق الأسعار في مختلف أنحاء العالم، وهذا يعني أن العديد من شركات الحفر الأميركية ستصبح غير مربحة، وأن مليارات الدولارات من الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي المسال ستصبح فجأة بلا قيمة. لكن من ناحية أخرى، يرغب ترامب في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وقد تبدو عودة بعض الغاز الروسي كجزء من اتفاق سلام ثمناً يستحق الدفع.

المساهمون