هكذا تشدّد العقوبات الخناق على البنك المركزي الروسي

هكذا تشدّد العقوبات الخناق على البنك المركزي الروسي

01 مارس 2022
محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا في حالة إرباك نتيجة العقوبات (Getty)
+ الخط -

صحيح أن المسؤولين الروس يتحدثون عن "تدابير انتقامية" ويؤكدون الاستعداد للتعامل مع تبعات العقوبات، إلا أن المؤكد أن هذه العقوبات لها فعلها الحاد في تقويض حركة الأموال والنشاط الاقتصادي عموماً في روسيا، لا سيما من خلال تشديد الخناق على البنك المركزي.

ما التدابير التي اتخذتها الدول المشاركة في معاقبة روسيا لمحاولة "شل" مصرفها المركزي رداً على غزوها أوكرانيا؟

تسعى العقوبات للنيل من النظام المصرفي الروسي، وفي صلبها البنك المركزي. فبعد اعتراف موسكو بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، فرضت بريطانيا، في 22 شباط/ فبراير، عقوبات على 5 مصارف روسية و3 "أفراد أثرياء"، مستهدفة مصارف "روسيا" و"آي إس بنك" و"جنرال بنك" و"برومسفيازبنك" و"بلاك سي بنك".

ومع بدء زعزعة النظام المصرفي ارتفع منسوب القلق، فأعلن البنك المركزي، في 24 شباط/ فبراير، التدخل لضمان استقرار الوضع في ظل تراجع الروبل إلى مستوى قياسي وإعادة فتح بورصة موسكو على انخفاض 14%.

وقرر، في هذا السياق، التدخل في سوق العملات الأجنبية باستخدام كل الأدوات اللازمة، مشيرا إلى أنه وغيره من المؤسسات المالية "لديها خطط عمل واضحة لكل السيناريوهات".

وفي واشنطن، أعلنت وزارة الخزانة أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على "سبيربنك" و"في.تي.بي بنك"، فيما أكد البنك المركزي الروسي في اليوم التالي، أن البنوك التي تعرضت لعقوبات كانت مستعدة جيدا لذلك مسبقا.

الصورة
سبيربنك
"سبيربنك" المملوك للدولة الروسية (العربي الجديد)

من هنا كان التركيز لاحقاً على البنك المركزي ودوره المحوري، لتصرّح الإدارة الأميركية، في 27 فبراير/ شباط، بأن العقوبات على "المركزي" الروسي تعني أن موسكو "لن تستطيع دعم الروبل".

وأعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن وزراء الخارجية الأوروبيين توافقوا في اليوم نفسه على وقف التعامل مع المصرف المركزي الروسي، بالتنسيق مع الدول الأعضاء في مجموعة السبع.

وأوضح أن "أكثر من نصف احتياطات المصرف المركزي ستتعطل، لأنها موضوعة في مؤسسات بدول مجموعة السبع"، بعدما كان أعضاء مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي قد اتفقوا في اليوم السابق على وقف عمليات البنك على أراضيهم، ما يحدّ إلى حد كبير قدرته على تحويل احتياطياته من العملات الأجنبية والسندات السيادية المقومة بالعملات الغربية.

وتبلغ احتياطيات البنك المركزي التي تشمل خصوصاً أصولاً بالدولار واليورو واليوان، وكذلك من الذهب، حوالى 640 مليار دولار، وفق شبكة "بلومبيرغ" الأميركية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية.

ولفت المسؤول الأوروبي إلى أمر في غاية الأهمية، عندما أشار إلى عدم إمكانية تجميد احتياطيات البنك المركزي الموجودة في موسكو أو في الصين، بعدما استعدت روسيا خلال العام الماضي للوضع الحالي بخفض احتياطياتها بالدولار، مقابل زيادة احتياطياتها باليوان والروبل والذهب.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أعلنت قبل ذلك بيوم أن الاتحاد الأوروبي يريد "شلّ" أصول البنك المركزي الروسي، لمنع موسكو من استخدامها لتمويل النزاع في أوكرانيا أو لمواجهة تأثير العقوبات الدولية، بما يشمل "تجميد المعاملات المالية" للبنك المركزي الروسي، وبالتالي "جعل تصفية أصوله أمرا مستحيلا".

وما لبثت العقوبات الأوروبية على البنك المركزي الروسي أن دخلت حيز التطبيق أمس الاثنين، في 28 شباط/ فبراير، بعد نشرها في الجريدة الرسمية للاتحاد، بما يشمل فرض حظر على تعاملات البنك وتجميد جميع الأصول التي يملكها.

وجاء في القرار: "تحظر العمليات المتعلقة بإدارة احتياطيات وكذلك أصول البنك المركزي لروسيا، بما في ذلك المعاملات مع أي كيان قانوني أو هيئة تعمل نيابة عن أو بتوجيه من البنك المركزي لروسيا".

لكن القرار أجاز "للسلطات المختصة أن تأذن بالصفقات، بشرط أن تكون ضرورية للغاية لضمان الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي ككل أو لدولة عضو معنية".

وسمح القرار لسلطات دول الاتحاد الأوروبي بالمعاملات مع البنك المركزي الروسي إذا كان ذلك "ضرورياً للغاية" لضمان الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي أو الدولة المعنية.

ومن لندن في اليوم ذاته، أعلنت بريطانيا، أمس الاثنين، إنها بصدد اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد روسيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمنع أي كيانات بريطانية من إجراء معاملات مع البنك المركزي ووزارة المالية وصندوق الثروة الوطني في روسيا. كما قالت إن جهات أخرى ستدرج، وسيعلن عنها هذا الأسبوع.

محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي قال إن المصرف "يواصل اتخاذ أي إجراءات لازمة لدعم رد الحكومة على الغزو الروسي لأوكرانيا"، علما أن العقوبات الجديدة تتضمن أيضا فرض قيود جديدة على المؤسسات المالية الروسية وإجراءات لمنع الشركات الروسية من إصدار أوراق مالية قابلة للتحويل، وغيرها من أدوات سوق المال في المملكة المتحدة.

وقالت بريطانيا إن لديها "سلطة منع البنوك المدرجة من الحصول على الجنيه الإسترليني وتسوية المدفوعات من خلال المملكة المتحدة".

وتدحرجت كرة ثلج العقوبات في مواجهة محاولة الصمود الروسي، فأعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، أمس الاثنين، أن بلاده ستقيّد التعاملات المالية مع البنك المركزي الروسي من أجل تعزيز جدوى العقوبات المالية المفروضة على روسيا في المجتمع الدولي.

وما لبثت وزارة الخزانة الأميركية أن أعلنت أن الولايات المتحدة حظرت اعتبارا من أمس الإثنين بمفعول فوري أي تعامل مع البنك المركزي الروسي، في عقوبات غير مسبوقة بشدتها بالتنسيق مع عدد من حلفاء واشنطن، وذلك ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت الوزارة في بيان إن هذا "القرار له تأثير بشل حركة كل الأصول التي يملكها البنك المركزي الروسي في الولايات المتحدة"، ما سيحد بقوة من قدرة موسكو على الدفاع عن عملتها ودعم اقتصادها.

وسيؤدّي هذا القرار، المرتبط بعقوبات شبيهة فرضها العديد من حلفاء الولايات المتحدة، إلى الحدّ من قدرة موسكو على استخدام الاحتياطي النقدي الذي تملكه لشراء الروبل، بما يؤدي إلى خلق "حلقة مفرغة" للاقتصاد الروسي، مع توقع أن يزداد التضخم بالفعل وتنهار القدرة الشرائية والاستثمارات.

واليوم الثلاثاء، انضمت اليابان إلى فرض عقوبات إضافية على روسيا، وهو ما شمل تجميد أصول قيادات بالبلاد و3 مؤسسات مالية. وبالإضافة إلى الأصول الخاصة بستة أفراد، منهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، ستجمد اليابان أصول "برومسفياز بنك" و"فنشيكونوم بنك" المملوكين للدولة، بالإضافة إلى البنك المركزي الروسي.

وبلغت قيمة الاحتياطيات الأجنبية لدى روسيا 585.3 مليار دولار حتى يونيو/ حزيران 2021، منها 5.7% بالين الياباني، بحسب بيانات البنك المركزي.

واليوم الثلاثاء، قررت وزارة الخزانة البريطانية إدراج "سبيربنك"، أكبر مصرف تسليف روسي، على قائمتها للكيانات الروسية الخاضعة لعقوبات على خلفية غزو أوكرانيا، وحذّرت من أن تكاليف غزو أوكرانيا سترتفع بالنسبة للكرملين.

وحدّثت الوزارة قائمتها للجهات الخاضعة لعقوبات لتشمل إدراج "سبيربنك" Joint-Stock Company Sberbank، الذي يرزح فرعه الأوروبي تحت وطأة عقوبات الاتحاد الأوروبي.

وقال نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب إن العقوبات الغربية، التي تشمل تجميد أصول المصرف المركزي الروسي، ستدفع أفراد النخبة الروسية الثرية والنافذة في روسيا (الأوليغارش) للضغط على الرئيس بوتين.

الرد الروسي

الرد جاء سريعاً من موسكو لاحتواء ما أمكن من تداعيات العقوبات المشددة، حيث أعلن مصرفها المركزي، أمس الاثنين أيضاً، رفع نسبة الفائدة الرئيسية 10.5% لتصل إلى 20% بمعدل سنوي، استناداً إلى تقييم المخاطر المرتبطة بالظروف الخارجية والداخلية واستجابة الأسواق المالية لهذه المخاطر في إطار محاولة دعم العملة الوطنية.

كما أعلن البنك المركزي الروسي إلغاء احتياطي رأس المال الاحترازي الكلي المتراكم على القروض الاستهلاكية غير المضمونة والرهون العقارية بالروبل وبالعملة الأجنبية، والتي بلغت في بداية فبراير/ شباط الجاري ما قيمته 733 مليار روبل، أو ما يناهز 6.92 مليارات دولار.

كما أعلن تخفيف ديون المقترضين الذين ساءت أوضاعهم المالية بسبب العقوبات الجديدة، ونصح بإعادة هيكلة ديون المقترضين، وعدم فرض عقوبات وغرامات على القروض إذا ساء وضع أصحابها المالي بسبب العقوبات، كما سمح بعدم التقليل من تقييم الوضع المالي لهؤلاء المقترضين لأهداف تكوين الاحتياطيات.

ومنح البنك المؤسسات الائتمانية حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022 فرصة لاتخاذ قرار بعدم التقليل من تقييم الوضع المالي للمقترض بغرض تكوين احتياطيات لتعويض الخسائر، في حال تدهور الوضع المالي للمقترض بعد 18 فبراير/ شباط الجاري بسبب العقوبات.

ومن جانبها، أكدت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) تعاونها مع الاتحاد الأوروبي لمعرفة تفاصيل حول القيود المفروضة على البنوك الروسية، لافتة إلى استعدادها للامتثال للتعليمات.

كما أكد منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الاتحاد عازم على عزل روسيا من نظام "سويفت" المالي الذي يضم أكثر من 11 ألف مؤسسة بنكية، من 200 دولة في العالم.

وجاء ذلك بعدما أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى أنها ستستبعد بعض المصارف الروسية من نظام "سويفت" للتسديدات المالية، وستوقف أي تعامل مع المصرف المركزي الروسي.

المساهمون