هجرة العيد في مصر: عمال الأقاليم بين لهيب التذاكر والزحام

02 ابريل 2025
 مترو القاهرة، 28 مايو 2018 (خالد الدسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني العمال والموظفون في مصر من صعوبة الحصول على تذاكر السفر خلال فترة العيد، مما يضطرهم للجوء إلى وسائل نقل غير آمنة أو السفر وقوفًا لساعات طويلة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
- يواجه العمال تحديات مالية كبيرة بسبب التكاليف المرتفعة للسفر وشراء الهدايا، لكنهم يتحملون هذه الأعباء لتعزيز الروابط العائلية خلال العيد.
- تقترح الدكتورة سعاد ممدوح زيادة الرحلات الاستثنائية وتطوير أنظمة الحجز الإلكتروني، مع تقديم دعم حكومي للمسافرين ذوي الدخول المحدودة، وتؤكد هيئة السكك الحديدية على طرح تذاكر إضافية.

على أرصفة محطات القطار وفي زوايا مواقف الحافلات، تتزايد حكايات المصريين قبل أن تتزاحم أجسادهم. العمال والموظفون بسطاء يحملون حقائب متواضعة، لكن داخلها أثمن ما لديهم: هدايا صغيرة للأهل، وملابس جديدة للصغار، وحلوى العيد التي لا تكتمل الفرحة بدونها.

كل عيد، تتكرر نفس الرحلة التي يخوضونها بشوق مختلط بالمشقة، حيث تتحول العطلة إلى موسم هجرة داخلية. منذ أسابيع، بدأ محمود السيد، 38 عامًا، العامل بإحدى ورش النجارة في الإسكندرية، محاولات البحث عن تذكرة قطار إلى قريته في أسيوط. يحكي بصوت يملؤه الإحباط: "كل سنة، العذاب نفسه. التذاكر الرسمية تُباع في دقائق، وتجار السوق السوداء يطلبون أضعاف ثمنها. هل يُعقل أن تكون تكلفة السفر إلى البيت في العيد أكبر من أجرتي الأسبوعية؟".

محمود ليس وحده، فالآلاف من العمال يواجهون ذات المعاناة. في الأيام التي تسبق العيد، ترتفع أسعار التذاكر بشكل جنوني، سواء في القطارات أو الحافلات، ويضطر البعض للجوء إلى وسائل نقل غير آمنة أو السفر وقوفًا لساعات في الباصات والقطارات، فقط ليصلوا إلى قراهم قبل العيد. في محطة مصر بالقاهرة ونظيرتها بالإسكندرية، لا تكاد تجد موطئ قدم أمام منافذ بيع تذاكر القطارات، الزحام يشتد عكس الأيام الماضية، والوجوه مرهقة لكنها متلهفة. حيث زاد الإقبال على تذاكر قطارات العيد، وخاصة للوجه القبلي ومحافظاته.

معاناة العمال كل عيد

محمود الصعيدي، رجل خمسيني ضمن عمال البناء في الإسكندرية (شمالي مصر)، ينتظر قطار المنيا (جنوب) منذ الصباح الباكر ومثله آخرون جاءوا من قرى بعيدة يحلمون برزق واسع في المدينة. يقول لـ"العربي الجديد"، وهو يمسح العرق عن جبينه: "اشتغلت طول الشهر علشان أرجع لعيالي يومين. مش مهم التعب، المهم نوصل بالسلامة".

بينما يجلس بجانبه شاب في منتصف العشرينيات، يحمل بيده شنطة سفر تضم بعض الملابس وكيسًا بلاستيكيًا به بعض مقتنياته البسيطة، يضحك رغم الإرهاق ويقول: "أنا حتى مش لاقي تذكرة. هنزل البلد بأي طريقة. ممكن أركب في طرقة القطار أو عند الحمام، مش فارقة". ويضيف "رغم المشقة، أعود بقلب ممتلئ بفرحة اللقاء، ولو كانت قصيرة. فالعيد مهما كان مرهقًا ومكلفًا، يظل طقسًا مقدسًا لا يمكن التفريط فيه".

ولا تقتصرالمشقة على السفر وحده، بل تمتد إلى النفقات التي تثقل كاهل هؤلاء. فمع كل عيد يجد العمال والموظفون أنفسهم أمام التزامات مادية إضافية، من تكاليف السفر إلى شراء الهدايا ومتطلبات العيد، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع مستمر في الأسعار.

ويقول عبد الرحمن حسن، عامل في مصنع قطاع خاص: "أرجع العيد علشان أفرّح أمي، رغم السفر والمصاريف"، متمنيا أن يحصل على وظيفة دائمة مثل باقي أصحاب المهن والحرف الأخرى تضمن له مرتبا ثابتا وتأمينا صحيا بدلا من عمل اليومي غير المنتظم. وبعد انتهاء إجازة العيد، تبدأ معاناة جديدة: رحلة العودة إلى مواقع العمل. والغالبية العظمي منهم من عمال اليومية الذين تركوا أسرهم وذويهم وبلدهم للبحث عن لقمة العيش.

أعباء متزايدة

الزحام لا يقل، وربما يزيد، لأن الجميع يسافر في نفس اليوم. يقف العمال بأدواتهم البسيطة في طوابير طويلة، محملين بوصايا الأمهات وأكياس الطعام الذي أعدّته العائلة بحب، وكأنهم يختزنون فيها دفئًا يكفيهم حتى العيد المقبل.

تلفت الدكتورة سعاد ممدوح، استشارية الطب النفسي، إلى البعد النفسي والاجتماعي لهذه الظاهرة: "العمال ينظرون إلى العيد باعتباره فرصة نادرة لتعزيز الروابط العائلية، حتى لو كان الثمن مشقة السفر. هذا يفسر استعدادهم لتحمل التكاليف المرتفعة، بل وحتى المخاطر، مقابل لحظات قصيرة من الدفء العائلي".

وترى أن ارتفاع تكلفة السفر يمثل عبئًا متزايدًا على العمال، لكنه أيضًا جزء من أزمة أوسع تتعلق بتوزيع التنمية، مشيرة إلى أنه: "لو كانت هناك فرص عمل كافية في المحافظات، لما اضطر هؤلاء العمال للهجرة الداخلية، ولما أصبحت عودتهم في العيد بهذه الصعوبة".

وتؤكد أن أزمة تذاكر العيد ليست جديدة، لكنها تتفاقم مع زيادة عدد المسافرين سنويًا دون توسعة كافية في وسائل النقل العام والحل الأمثل هو زيادة الرحلات الاستثنائية خلال المواسم، إلى جانب تطوير أنظمة الحجز الإلكتروني لمنع السوق السوداء. كما يمكن تقديم دعم حكومي للمسافرين ذوي الدخول المحدودة عبر خصومات موسمية، كما يحدث في بعض الدول.

يأتي هذا فيما يؤكد مصدر بهيئة السكك الحديدية لـ"العربي الجديد" أن عملية بيع وشراء تذاكر قطارات الوجه القبلي لموسم عيد الفطر المبارك شهدت زحاما وإقبالا كبيرا خلال اليومين الماضيين حتى أن العديد من الرحلات على خط وجه قبلي قد نفدت تذاكرها، وهي التذاكر التي تم طرحها بنظام مقاعد السفر مُسبقة الحجز، بحد أقصى 4 تذاكر لكل مواطن.

وأضاف أن الهيئة ستقوم بطرح تذاكر قطارات إضافية للحجز فى نفس يوم السفر، لاستيعاب الإقبال المتزايد على القطارات خلال موسم العيد، مع تشغيل الهيئة قطارات إضافية خلال موسم العيد.

المساهمون