استمع إلى الملخص
- تراجع الإنتاج في الصناعة الألمانية، خاصة في قطاع السيارات، حيث بدأت الشركات المتوسطة الحجم في نقل عملياتها إلى دول تقدم حوافز ضريبية، مما يتطلب خطط حكومية لجذب الشركات وتحفيزها للبقاء.
- دعا قادة النقابات العمالية إلى إعادة هيكلة الصناعة الألمانية والتعاون بين السياسيين وأصحاب العمل للحفاظ على الوظائف وزيادة حصة الصناعة في الناتج المحلي، مع اعتماد استراتيجية أوروبية موحدة لمواجهة التحديات العالمية.
تتعرض ألمانيا بصفتها موقعاً صناعياً لانتكاسة وأعراض تهدد حضورها قوةً صناعيةً كبرى في أوروبا، بعد أن استفادت لعقود من الزمن من إنتاجها لدول أخرى حول العالم. ويأتي ذلك مع اتخاذ العديد من الشركات الألمانية والأجنبية العاملة في البلاد قراراً بالإغلاق وعدم الاستثمار والهجرة إلى الخارج، في ظل غياب الظروف الإطارية، مقابل حوافز استثمارية أكثر جاذبية تحصل عليها من دول أخرى.
وفي هذا السياق، ناقضت رئيسة غرفة التجارة والصناعة في كولن، وهي الأكبر في ولاية شمال الراين فستفاليا وتمثل حوالي 150 ألف شركة في المنطقة، نيكول غرونفالد، في حديث صحافي، تصريحات المستشار أولاف شولتز خلال المناظرة التلفزيونية مع منافسه على المنصب زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز، التي أفاد فيها بأن المزاج العام سيئ، ولكن لا وجود لهجرة شركات ألمانية إلى الخارج. وشددت قائلة: "حقيقة أن المستشار ينكر استمرار هجرة الشركات الألمانية تمثل مشكلة لاقتصادنا"، مشيرة إلى أن 34% من الشركات ترغب في تقليص استثماراتها في البلاد، ما يعني أن تلك الشركات ستنقل استثماراتها إلى الخارج.
وفي رد مبدئي، كشفت شبكة ARD الإخبارية عن تصريحات ماريتشلو دانييلي، صاحب إحدى أهم شركات الخدمات اللوجستية (هاردر لوجيستيكس) التي تزدهر أعمالها حاليًا، لا سيما أنها تقوم بتنفيذ عمليات نقل الشركات من مواقعها. وأوضح دانييلي أن حوالي 80% من الشركات الألمانية تنتقل حاليًا إلى الخارج، مشيرًا إلى أن هناك تغييرًا واضحًا بعدما كانت تلك الشركات في السابق مستقرة في البلاد. وأضاف أن معظم تلك الشركات تتجه إلى الهند والمكسيك والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بنقل بعض الآلات والأنظمة، بل يشمل مرافق الإنتاج بأكملها.
وحول العوامل والعقبات التي تدفع الشركات إلى المغادرة، اعتبر الباحث الاقتصادي ديرك شوينمان، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن المدراء التنفيذيين يشكون بشكل أساسي من البيروقراطية، سواء في المعاملات أو في الموافقات والتصاريح، بالإضافة إلى العبء الضريبي المرتفع، حيث تعد ألمانيا، بعد بلجيكا، من بين الدول ذات الضرائب الأعلى في العالم، فضلًا عن تكاليف الطاقة الباهظة. وأوضح أن دراسة حديثة لمعهد IFO أظهرت أن ألمانيا تخسر ما يصل إلى 146 مليار يورو من الناتج الاقتصادي سنويًا بسبب البيروقراطية المفرطة، وهو مبلغ ضخم لا تستفيد منه دولة الرفاهية، ولا يمكن استثماره في قضايا مستقبلية مهمة.
وأكد شوينمان أن الدول الصناعية والناشئة الأخرى تقدم حوافز مغرية لاستقطاب المستثمرين والشركات ذات السمعة العالمية المرموقة، حيث تمنحهم إعفاءات ضريبية على العديد من التكاليف الثابتة، بما في ذلك الطاقة وأماكن السكن، مقابل التزامهم بالبقاء فيها لمدة معينة. وأوضح أن هذه الاستراتيجية تسمح لمواطني تلك الدول بالاستفادة من فرص العمل، ما يسهم في الحد من البطالة، وتحصيل الخبرات، وتحريك العجلة الاقتصادية والتجارية. وأضاف أن الشركات الألمانية التي تغادر لا تسهل إعادتها إلى البلاد، حتى لو تحسنت الظروف.
وفي خضم ذلك، قال كبير الاقتصاديين في Commerzbank يورغ كرامر إنه وعلى مدى أكثر من 30 عامًا في عمله خبيراً اقتصادياً، لم يشهد مثل هذه الفترة الطويلة من الانحدار في الإنتاج الصناعي. وفي حديثه مع شبكة ARD، شكا من ازدياد حدة المشاكل بشكل خاص في قطاع صناعة السيارات وبين الموردين. وأضاف أن الأمر محزن لأن هذه الشركات غالبًا ما تكون متوسطة الحجم، ولديها ولاء كبير لألمانيا، وبعضها يُدار حاليًا من قبل الجيل الثالث من العائلات المالكة لها. وأعرب عن أمله في رؤية بعيدة المدى من الحكومة المستقبلية، من خلال تبني خطط واضحة وعملية تسمح مرة أخرى للشركات بالتفكير في البقاء في البلاد. كما أشار إلى أهمية العودة إلى الدروس المستفادة من أجندة 2010 الاقتصادية التي نُفَّذت في عهد المستشار غيرهارد شرودر.
وفي مقابلة مع موقع Euractiv، قال يورغن كرنر، نائب رئيس أكبر نقابة عمالية في ألمانيا، IG Metall، التي تضم 2.2 مليون عامل، إن ألمانيا تمر بأزمة مبيعات حاليًا، والمطلوب هو إعادة هيكلة الصناعة. وأوضح أن ألمانيا لا تزال تمتلك فرصة لاتخاذ تدابير مضادة للحد من خفض الوظائف، وإعادة العمل على زيادة حصة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى، لكنه أكد أن ذلك يتطلب إجراءات صارمة، وتضافر الجهود من جانب السياسيين، إلى جانب تدابير مسؤولة من قبل أصحاب العمل.
وأشار كرنر إلى أن ألمانيا لديها واحدة من أعلى الحصص الصناعية بين جميع الدول الصناعية في أوروبا، حيث ترتبط جميع الصناعات بشبكة دولية، وعندما تضعف الصناعة الألمانية، فإن تأثيراتها تنتشر عبر أوروبا الوسطى من الشرق إلى الغرب. كما أضاف أن الأسواق لم تعد مفتوحة كما كانت في الماضي. ومن وجهة نظره، فإن سياسة "أميركا أولًا" التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسياسة الصناعية في الصين وتكاليف الطاقة المرتفعة في أوروبا هي العوامل الحاسمة في هذا التراجع.
ولمنع تفكيك البنية الصناعية في أوروبا، شدد كرنر على ضرورة اعتماد استراتيجية أوروبية موحدة، خاصة أن الولايات المتحدة والصين تعزلان نفسيهما بالكامل في مختلف القطاعات التكنولوجية والصناعية، ما يؤدي إلى تدفق الكميات الفائضة إلى أوروبا. واقترح أن يجرى إنتاج السيارات الصينية داخل أوروبا، وليس الاكتفاء بعمليات التجميع النهائي، مع الاعتماد على نسبة من الموردين المحليين، لضمان الحفاظ على قطاع الصناعة الأوروبي وتعزيز قدرته التنافسية.