"نهاية العالم بالنسبة للتجارة"... ترامب يخطط لرسوم على السفن الصينية

25 مارس 2025
سفينة شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية، 4 إبريل (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى إدارة ترامب لتعزيز صناعة بناء السفن الأميركية عبر فرض رسوم على السفن الصينية لتقليل الاعتماد على الصين، التي تهيمن على السوق العالمية.
- تشمل الخطة الأميركية فرض ضرائب متعددة على السفن الصينية، مما قد يؤدي إلى خسائر لشركات النقل الأميركية، حيث قد تلجأ السفن لموانئ بديلة لتجنب الرسوم.
- تواجه صناعة بناء السفن الأميركية تحديات مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والرسوم الجمركية على الصلب، مما قد يؤدي لارتفاع الأسعار للمستهلكين الأميركيين وتأثير سلبي على الاقتصاد.

ترفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شعار "لنجعل بناء السفن عظيماً مرة أخرى" ليس عبر دعم هذه الصناعة المتهالكة وتقديم الحوافز لها، وإنما عبر ضرب الصين في هذا المجال عبر فرض رسوم بعشرات مليارات الدولارات على الناقلات الصينية، إذ تخطط واشنطن لفرض "إتاوات" على السفن المملوكة أو المصنعة في الصين في كل مرة ترسو فيها في ميناء أميركي، حيث تأمل الإدارة الأميركية في ثني شركات النقل البحري عن شراء المزيد من السفن من الصين، وإنفاق ما يتم تحصيله من هذه الرسوم على دعم صناعة أصبحت في حالة سيئة.

وبحسب مكتب الممثل التجاري الأميركي، فإن الصين تنتج الآن أكثر من نصف سفن الشحن في العالم من حيث الحمولة، بعد أن كانت حصتها 5% فقط في عام 1999، بينما تشكل اليابان وكوريا الجنوبية القوتين الأخريين في مجال بناء السفن. في المقابل، لم تتجاوز حصة أحواض السفن الأميركية العام الماضي 2024 نسبة 0.01% فقط، ويأمل المكتب في إحياء صناعة السفن التجارية الأميركية شبه الغائبة.

وقال المكتب التجاري الأميركي في تقرير في 21 فبراير/شباط الماضي، إن هيمنة الصين تمنحها "قوة سوقية على مستوى العرض العالمي والتسعير والوصول". ورداً على ذلك، وصفت شركة صناعة السفن الحكومية الصينية، صاحبة أكبر سجل طلبات في العالم، هذه الإجراءات بأنها انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية. ويبدو أن ترامب عازم على توسيع نطاق حربه التجارية الشرسة مع الصين وهجومه على التكامل الاقتصادي العالمي، إذ سيُطلب من المُصدّرين الأميركيين تحقيق أهداف شحن بضائعهم على متن السفن التي ترفع العلم الأميركي، والتي سترتفع من الصفر تقريباً إلى 15% من الإجمالي في غضون سبع سنوات.

لكن خبراء الملاحة البحرية يصفون الآمال في إحياء صناعة بناء السفن الأميركية بأنها غير واقعية، قائلين إنها ستتطلب عقودًا من الدعم الفيدرالي المُستمر. وأضافوا أن فرض رسوم باهظة على السفن الصينية الآن، قبل ظهور البدائل الأميركية الصنع، لن يؤدي إلا إلى رفع تكاليف الشحن وإرباك سلاسل التوريد العالمية. وقال لارس جنسن، الرئيس التنفيذي لشركة "فسبوتشي ماريتايم" الاستشارية في كوبنهاغن: "يبدو أن هذا المشروع من تأليف أشخاص لا يعرفون شيئاً عن كيفية عمل سلسلة التوريد البحرية".

وأضاف وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، أمس أن "خطوط الحاويات ستتكيف وتستغني عن الموانئ الأصغر، وستكون النتيجة ازدحاماً هائلاً في الموانئ الأكبر".

واقترح الممثل التجاري الأميركي، جيمسون غرير، قائمةً مُعقدة من الرسوم تستهدف السفن الصينية، وتُطبق ضريبة واحدة على كل زيارة ميناء تقوم بها ناقلة بحرية صينية، وتُفرض ضريبة ثانية بناءً على نسبة السفن الصينية الصنع في أسطول شركة الشحن، وتعتمد الضريبة الثالثة على نسبة طلبات الشركات المستقبلية التي وُضعت لدى أحواض بناء السفن الصينية. ويقول مكتب الممثل التجاري الأميركي إن هذه الإجراءات ضرورية "لخلق نفوذ يُمكّن من القضاء" على هيمنة الصناعة البحرية الصينية، مشيرا إلى أن الرئيس قد يكون مستعداً للتفاوض مع بكين.

خسائر لشركات النقل الأميركية

في حال فرض رسوم الموانئ الجديدة، من المرجح أن تحاول تحالفات شركات الشحن البحري الرئيسية، تجنب التكاليف الإضافية من خلال إعادة تخصيص سفن الحاويات الصينية الصنع لخدمات الشحن إلى أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة، وفقاً لمحللين، كما قد ترسو بعض السفن الخاضعة للرسوم في موانئ كندية أو مكسيكية بدلاً من تفريغ حمولاتها في الأرصفة الأميركية، مما يُكبد شركات النقل الأميركية خسائر ويرفع الأسعار على المستهلكين.

وقال هانز لاو، رئيس شركة "جيشولت" للشحن في ويستون بولاية فلوريدا، إن شركات النقل الأصغر حجماً التي لديها عقود إيجار طويلة الأجل لتشغيل سفن صينية الصنع قد تواجه خطر الإفلاس. ومن بين المتأثرين شركات النقل الأميركية الإقليمية التي تعمل في المياه بين جنوب فلوريدا وموانئ الخليج أو موانئ الكاريبي مثل جامايكا وجزر كايمان وجمهورية الدومينيكان. وأضاف: "لديهم مئات، إن لم يكن آلاف، من الأشخاص الذين يعملون في الولايات المتحدة، وسيتم القضاء عليهم على الفور".

بدوره، قال بريت بورجوا، المدير التنفيذي لمجلس نيو أورلينز للتجارة، في تعليقات مكتوبة على مقترح مكتب الممثل التجاري الأميركي، إن بعض مشغلي السفن يحاولون بالفعل إلغاء عقود مع بعض الموانئ الأميركية، مما يؤدي إلى تأخير المفاوضات بشأن اتفاقيات جديدة "بسبب عدم اليقين بشأن التكاليف المرتبطة بالتجارة مع الولايات المتحدة". 

وسيكون لهذا الاضطراب في جداول الشحن عواقب وخيمة على الموانئ الكبيرة والصغيرة، حيث تعمل سفن الحاويات عادة مثل الحافلات المائية، حيث تتوقف في محطات مجدولة في موانئ متعددة على طول الساحل. لكن في مواجهة رسوم قد تصل إلى 3.5 ملايين دولار لكل توقف، فمن المرجح أن يختاروا تفريغ جميع حمولاتهم في مكان واحد فقط، مثل ميناء لوس أنجليس، وفقا للمسؤولين التنفيذيين. وقال جو كراميك، رئيس مجلس الشحن العالمي، الذي يمثل شركات النقل البحري الرئيسية: "ستُحدث هذه الخطوة اضطراباً في الاقتصاد الأميركي بالتأكيد.. ستخلق ازدحاماً شبيهاً بكوفيد في أماكن مثل لوس أنجليس ولونغ بيتش ونيويورك".

كما أن انخفاض عدد السفن التي ترسو في الموانئ الصغيرة، مثل أوكلاند في ولاية كاليفورنيا، سيجعل شحن بضائع كبار المصدرين الأميركيين إلى العملاء الأجانب أكثر صعوبةً وتكلفةً، كما سيؤثر على الواردات. وسيتضرر المزارعون الذين يعتمدون على ناقلات البضائع السائبة لنقل الحبوب والسلع الأخرى بشدة، وسيُجبرون على إرسال محاصيلهم مئات الأميال براً إلى جنوب كاليفورنيا. وقال كيفن لاغرايز الابن، رئيس وكالات ساوثبورت في ميتايري بولاية لويزيانا، في تعليقات مكتوبة جرى تقديمها إلى مكتب الممثل التجاري الأميركي، إن الرسوم المقترحة "ستكون لها آثار كارثية على الصادرات الأميركية".

وهذه الرسوم ليست سوى عنصر واحد من مسودة أمر تنفيذي من ثماني صفحات، بعنوان "لنجعل بناء السفن عظيماً مرة أخرى"، قالت واشنطن بوست إنها حصلت عليها، وتعمل الإدارة على وضع اللمسات الأخيرة عليها. وفي السنوات الأخيرة، كانت أحواض بناء السفن الأميركية تُسلّم عادة عدداً قليلاً من السفن التجارية سنوياً، بينما بنت الصين المئات منها. يشير مشروع الأمر التنفيذي إلى "الحاجة المُلِحّة لإنعاش صناعة بناء السفن والصناعات البحرية الأميركية"، ويقترح قائمة شاملة من المساعدات الحكومية، بما في ذلك رسوم الشحن والتعريفات الجمركية على معدات مناولة البضائع الصينية. ووفقاً للمسودة التي جاءت بتاريخ 27 فبراير/شباط، سيطلب الرئيس من الكونغرس إنشاء مصدر تمويل مُخصّص لمشاريع بناء السفن الجديدة.

مواجهة عسكرية أيضاً مع الصين

وقال ترامب في خطابه في 4 مارس/آذار الجاري أمام جلسة مشتركة للكونغرس: "كنا نصنع الكثير من السفن.. لم نعد نصنعها بكثرة، لكننا سنصنعها بسرعة كبيرة، قريباً جداً". ويحظى التركيز على بناء السفن بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فقد قدّمت مجموعة من النقابات العمالية عريضة تطلب فيها مساعدة حكومية لشركات صناعة السفن المحلية خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وقبل أيام قليلة من مغادرة بايدن منصبه، أيّد مكتب الممثل التجاري الأميركي التابع لإدارته شكوى النقابات، وخلص في تقرير استقصائي من 182 صفحة إلى أن الحكومة الصينية استخدمت التمويل الحكومي السخي، ونقل التكنولوجيا القسري، وسرقة الملكية الفكرية، والتمييز ضد الشركات الأجنبية لتعزيز هيمنتها على الأسواق البحرية العالمية.

ولهيمنة الصين على بناء السفن آثار عسكرية أيضاً. فحتى مع تدهور العلاقات مع بكين، واصلت البحرية الأميركية شراء ناقلات النفط وناقلات البضائع الجافة من أحواض بناء السفن الصينية، وفقاً لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس عام 2023.

وفي خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الماضي، أشار نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى تراجع صناعة بناء السفن في البلاد كمثال على تراجع التصنيع الذي "يُشكل مخاطر على أمننا القومي وقوتنا العاملة". وقارن فانس أداء الصناعة خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت أحواض بناء السفن تُنتج "ثلاث سفن كل يومين"، بإنتاجها السنوي الحالي الذي لا يتجاوز خمس سفن.

وقال مايكل ويسل، وهو مستشار في واشنطن مرتبط بنقابة عمال الصلب المتحدة إن "إنعاش بناء السفن المحلي ليس ممكناً فحسب، بل هو أيضاً أولوية". وأضاف أن "العامل الرئيسي الذي ساهم في انخفاض الطاقة الإنتاجية هو تسعير الصين غير السوقي للسفن.. لقد امتلأت دفاتر الطلبات، بينما لدينا أحواض بناء سفن قائمة يمكنها إنجاز المزيد اليوم، ولدينا منشآت يمكن تشغيلها".

ومع ذلك، يواجه إحياء هذه الصناعة العديد من العقبات. فأحواض بناء السفن الأميركية اليوم لا تتمتع بحضور يُذكر في السوق التجارية. وكان العقد المهم الوحيد الذي فازت به شركة بناء سفن أميركية في عام 2022، عندما طلبت شركة "ماتسون"، وهي شركة نقل مقرها هاواي، ثلاث سفن حاويات متوسطة الحجم من حوض "هانوا فيلي" لبناء السفن في فيلادلفيا. وتحتاج ماتسون، التي تخدم خطوط النقل المحلية، إلى السفن للامتثال لقانون جونز، الذي يشترط نقل البضائع بين ميناءين أميركيين على متن سفينة أميركية الصنع.

يقول محللون إن قانون الحمائية، الذي يعود تاريخه إلى عام 1920، يساعد في تفسير سبب عدم قدرة أحواض بناء السفن الأميركية على المنافسة. ودفعت ماتسون حوالي 330 مليون دولار لكل سفينة، بينما تقدم أحواض بناء السفن الصينية سفنًا مماثلة مقابل 60 مليون دولار فقط، وفقاً لنشرة "لويدز"، وهي مجلة صناعية مقرها لندن. وقال روب ويلمنغتون، المحلل في بنك لويدز، إن فرض ترامب الواسع النطاق للرسوم على الواردات، بما في ذلك على المواد المستخدمة في بناء السفن مثل الصلب، سيجعل الصناعة المحلية أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

وأضاف أن "الصين تبني ما تريده الصناعة.. يمكنك أن تطلب منهم تصميمك الخاص، وسينفذونه بتكلفة أقل بنسبة 20% مقارنة بكوريا الجنوبية، بينما تفتقد صناعة السفن الأميركية ذلك".

المستهلكون الأميركيون سيدفعون التكاليف

ولعلّ أوضح مؤشر للفوضى التي تتسبب فيها قرارات ترامب والتي تضرب أي خطط إحياء صناعة السفن الأميركية هو فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الصلب اعتباراً من 12 ماري/آذار الجاري. وقال جوناثان غولد، نائب رئيس سياسات سلاسل التوريد والجمارك في الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ، إن مقترح فرض رسوم على السفن الصينية "يمثل تهديداً أكبر من الرسوم الجمركية، بسبب التأثير الذي سيتركه على سلسلة التوريد".

وقد تدُرّ هذه الرسوم نظرياً ما بين 40 إلى 52 مليار دولار للخزينة الأميركية، وفقاً لتحليل شركة "كلاركسون للأبحاث"، التابعة لأكبر شركة وساطة شحن في العالم. لكن، في ظل حالة من التوتر والقلق المتزايد في السوق بسبب الرسوم الحالية على البضائع الصينية، والفولاذ، والألمنيوم، ومع ترقّب جولة جديدة من الإجراءات المتبادلة في 2 إبريل/ نيسان المقبل، تشعر العديد من الشركات الأميركية والفاعلين في السوق بالقلق.

قال جو كراميك، المدير التنفيذي لمجلس الشحن العالمي إن "ما اقترحه مكتب الممثل التجاري، وهو فرض رسوم قيمتها ملايين الدولارات على كل سفينة لن ينجح. بل سيعاقب المستهلكين والشركات والمزارعين الأميركيين، ويرفع الأسعار، ويهدد الوظائف". كما وصف جون ماكاون، المخضرم في قطاع النقل البحري ومؤلف كتاب عن تاريخ الشحن، الوضع بشكل أكثر حدة قائلاً: "إذا أردت أن تضرب التجارة بمطرقة ثقيلة، فهذا ما ستفعله.. كل هذه الإجراءات مجتمعة تشبه نهاية العالم بالنسبة للتجارة".

المساهمون