نزيف حي المال البريطاني: حكومة جونسون تسعى لاستعادة الأموال الهاربة

نزيف حي المال البريطاني: حكومة جونسون تجري عملية ترميم لاستعادة الأموال الهاربة

05 اغسطس 2021
حي المال البريطاني خسر كثيراً بسبب اتفاقية بريكست (Getty)
+ الخط -

ربما لا يجد العديد من موظفي حكومة بوريس جونسون والسلطات المالية في البلاد فرصة لعطلة الصيف الحالية بسبب ضخامة ملفات ترميم حي المال البريطاني بعد انفصال بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتتجه حكومة جونسون لإجراء إصلاحات رئيسية في القوانين التي تحكم سوق المال البريطاني لرفع جاذبيته وتنافسية الأداء على أمل أن يتمكن من الحفاظ على مركزه بعد نزيف "بريكست" الذي كلف بورصة لندن مئات مليارات الدولارات وأثر سلباً على أداء المصارف الاستثمارية العالمية التي تتخذ من لندن مقراً لها للتجارة مع أوروبا.
يذكر أن اتفاقية "بريكست" لم تشمل تجارة الخدمات المالية، وبالتالي فإن الحكومة البريطانية تعمل على تحديث حي المال البريطاني لمواجهة تحديات عزله من الأسواق المالية الأوروبية.
وحسب نشرة "فاينانشيال نيوز" اللندنية، فإن الإصلاحات القانونية التي تعكف على إحداثها الحكومة البريطانية خلال الصيف الجاري تشمل تسهيل إجراءات تسجيل الشركات ورفع سقف الحوافز على موظفي المصارف الاستثمارية بحي المال.
كما ستشمل الإصلاحات كذلك خفض القيود البيروقراطية التي كانت تكبل حي المال بسبب الإجراءات المالية بدول الاتحاد الأوروبي.

وحتى الآن وبعد مرور أكثر من نصف عام على توقيع اتفاقية بريكست" ظهرت سلبيات الاتفاقية وتداعياتها على شركات حي المال البريطاني الذي خسر كثيراً بسبب عدم إدراج قطاع الخدمات المالية في الاتفاق التجاري بين بروكسل ولندن.
وتشير شركة "نيو فاينانشال" للأبحاث المالية في لندن، إلى أن شركات التأمين ومديري الأصول الاستثمارية حولوا نحو 100 مليار جنيه إسترليني (نحو 139.25 مليار دولار) من السوق البريطاني إلى أسواق أوروبية منذ بداية العام الجاري.
ولاحظ محللون بنشرة "أف أن" المالية التي تعنى بأخبار حي المال البريطاني، أن دخل مصرف "أتش أس بي سي" البريطاني تراجع خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 23% ليصل إلى 3.6 مليار دولار بسبب تراجع حجم الصفقات التجارية في بورصة لندن منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما تأثر كذلك دخل العمليات الاستثمارية لمصرف باركليز البريطاني خلال الربع الثاني من العام بسبب تراجع تجارة أدوات المال الثابتة، وعلى رأسها السندات السيادية الأوروبية، وذلك على الرغم من تحقيق المصرف لدخل كبير من الاستثمار في العمليات التقليدية. ولكن مصرف باركليز ليس من اللاعبين الكبار في مجال المصارف الاستثمارية مثل مصارف "جي بي مورغان" و"غولدمان ساكس" و"سيتي بانك".
وفي ذات الصدد، تشير شركة البيانات المالية البريطانية "ديل لوجيك" في تقرير صدر يوم الإثنين، أن مصارف الاستثمار الأميركية بـ"وول ستريت" كسبت خلال النصف الأول من العام الجاري حصة 58% من مصاريف صفقات الحيازة والدمج واكتتابات الأسهم التي تمت في العالم، وارتفع دخلها منها إلى 60 مليار دولار خلال النصف الأول، بينما تراجعت حصة مصارف حي المال البريطاني. وهذا يمثل تراجعاً غير مسبوق في التنافس على هذه الصفقات بين أوروبا والولايات المتحدة.

وكانت مصارف "حي المال" البريطاني تنافس "وول ستريت" في هذه الصفقات، كما أن المصارف العالمية التي كانت تتسابق على لندن لتنفيذ صفقات الحيازة والدمج بدأ العديد منها في نقل بعض موظفيه إلى مراكز مالية في أوروبا.
وحتى الآن برزت بورصة أمستردام كأكبر كاسب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ انتقلت إليها صفقات التجارة في أدوات الدين السيادية الأوروبية و"صفقات سواب" التي كانت تُسجل ويُضارب عليها وتُسوّى في بورصة لندن.
وعلى الرغم من الحماس الكبير الذي تبديه السلطات المالية في لندن والمشاورات الواسعة مع القيادات المالية ومديري الصناديق والبنوك الاستثمارية العاملة في حي المال البريطاني لإعادة إنعاش حي المال خارج بيروقراطية أوروبا، فإن هنالك شكوكاً واسعة وسط خبراء المال حول واقعية جزء كبير من هذه الإصلاحات بسبب عزلة السوق عن دول الاتحاد الأوروبي واستراتيجية عزل الصين وعدم رضا الرئيس الأميركي جو بايدن عن خروج بريطانيا من أوروبا وعدم حماسه لتوقيع شراكة تجارية موسعة مع بريطانيا. ويدعم بايدن أيرلندا الشمالية ويأخذ مصالح الأيرلنديتين في الحسبان قبل الموافقة على الشراكة التجارية البريطانية.
وعلى صعيد الإصلاحات القانونية، يرى مديرو أصول أن هنالك تضارباً بين بعض بنود الإجراءات القانونية الخاصة بملف الاصلاح المالي، إذ بينما تسهّل لندن إجراءات تسجيل الشركات والاكتتابات الجديدة في البورصة لبعض البنود، فإنها تكثّف من معايير الرقابة وتزيد من بيروقراطية التدقيق المحاسبي.
ويرى خبراء ماليون وقانونيون أن عدم تضمين الخدمات المالية في اتفاقية بريكست أثّر على ثلاثة أنشطة مالية في بريطانيا، وهي: المصارف الاستثمارية البريطانية والعالمية التي تتاجر من حي المال البريطاني مع أوروبا، وعمليات التداول في بورصة لندن، وتجارة المشتقات المالية التي كانت تهيمن عليها البورصة والمصارف الاستثمارية.
على صعيد بورصة لندن، خسرت البورصة جزءاً لا يستهان به من عمليات التداول الأوروبية التي كانت تتم عبر منصات تداول فرعية في حي المال، إذ إن بورصة لندن هي الكبرى في أوروبا من حيث قيمة الأصول المتداولة، وكذلك من حيث عدد الشركات المسجلة في مؤشرات فوتسي.
وبحسب بيانات حي المال، فإن 45% من تجارة الأسهم الأوروبية تتم في بورصة لندن، عبر 9 منصات بديلة للتداول. وهذه المنصات تنافس البورصات الرئيسية في الدول الأوروبية، مثل بورصة باريس وفرانكفورت وأمستردام.

على صعيد الإصلاحات القانونية، يرى مديرو أصول أن هنالك تضارباً بين بعض بنود الإجراءات القانونية الخاصة بملف الاصلاح المالي

وهذه المنصات يفضلها المستثمرون لأنها تجمع التداول بالأسهم العالمية في مكان واحد، كما أنها أرخص للمستثمرين من حيث قيمة رسوم التداول مقارنة بالبورصات الأوروبية. وبالتالي يتم تركيز السلطات البريطانية على تحديث البورصة في ذات الوقت الذي تتفاوض فيه لتسوية في تجارة الخدمات المالية.
ويُعد حي المال من القطاعات الرئيسية في مكونات الناتج المحلي البريطاني ودخل الحكومة من الضرائب. وحسب بيانات جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، فإنه حصته في مكونات الاقتصاد تبلغ نسبة 7.2% من إجمالي الناتج المحلي، كما أنه يوظف نسبة 3.5 % من إجمالي القوة العاملة في البلاد. ويدر حي المال دخلاً على الخزينة البريطانية نحو 11% من إجمالي الضرائب التي تجنيها سنوياً. وإضافة إلى هذه الفوائد الملموسة لحي المال، هنالك العديد من الفوائد التي تجنيها لندن من الوجود الكثيف لكبار موظفي شركات المحاسبة القانونية ومصارف الاستثمار والصناديق، إذ إن هذه القوة الشرائية من الطبقة الثرية تنعش المدارس الخاصة وأعمال المطاعم وقطاع الفندقة والترفيه، كما توفر التمويل السهل والرخيص للأعمال التجارية البريطانية.
ويرى محللون أن أخطاء بريكست بدأت تظهر بوضوح بعد مرور سبعة أشهر على توقيع اتفاقية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، إذ تجاهد الحكومة البريطانية لبناء الفضاء التجاري والاقتصادي المستقل عن أوروبا وإعادة ترميم الأطر القانونية الجديدة التي تحكم أداء مؤسساتها الاقتصادية والمالية في محيط عالمي متغير من النفوذ الجيوسياسي.
ويرى اقتصاديون بجامعة "لندن سكول أوف إكونومكس" في ورقة بحثية، أن المنطق السياسي الذي اعتمدت عليه حكومة بوريس جونسون في إقناع الشعب البريطاني والبرلمان بفوائد "بريكست" وتحرير بريطانيا من بيروقراطية بروكسل كان مليئا بالمغالطات، إذ تعاني العديد من النشاطات المالية من سلبيات "بريكست"، وعلى رأس هذه القطاعات "حي المال "البريطاني الذي يعتمد على تجارة الخدمات المالية التي لم تشملها اتفاقية بريكست.
في هذا الشأن، يرى الخبير البريطاني مايكل كوكس، في تعليق على موقع لندن "سكول أوف إيكونومكس"، أن بريطانيا في شبه مأزق بعد خروجها من أوروبا وخسارة حليفها الرئيس دونالد ترامب في واشنطن.

المساهمون