استمع إلى الملخص
- التوترات السياسية وتأثيرها: تصريحات السيسي تزامنت مع رسائل طمأنة وتحذيرات من "قوى الشر"، مما أدى إلى ارتباك الرأي العام. الإعلام المدعوم أمنياً ألقى باللوم على ثورة 2011، بينما حمل الإعلاميون المقربون من السلطة المواطنين مسؤولية الأزمة.
- الحلول المقترحة والانتقادات: دعا الخبراء للتركيز على بناء الاقتصاد من الداخل والتوسع في المشروعات الإنتاجية، منتقدين تدخل الجهات الأمنية. حذروا من تراجع النقد الأجنبي وزيادة الديون، مشيرين إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات لتحقيق نمو مستدام.
هيمنت الأزمة الاقتصادية على مناقشات المواطنين خلال اليومين الماضيين، بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن حاجته إلى 120 مليار دولار سنوياً لمواجهة متطلبات البلاد من السلع الأساسية، داعياً من يحمل أفكاراً لحل المعضلة الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلى مشاركته بها لمساعدته في مواجهة الأزمة. عكست تصريحات السيسي مخاوف واضحة من التحدي الكبير الذي تمثله أزمة الديون في مصر، واعتماده المستمر على الاقتراض كوسيلة لتغطية احتياجاته المالية، وحيرة في مواجهة تحول مصر إلى دولة مستوردة للنفط والغاز بقيمة 20 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى شح الدولار والموارد السيادية.
جاءت كلمات السيسي مغلفة برسائل طمأنة للمواطنين، بأن الدولة قادرة على البناء وحماية مقدراتها، في تعارض مع تحذيرات أطلقها عشية الاحتفال بعيد الشرطة وثورة 25 يناير، عن وجود ما يسميه بـ"قوى الشر" التي تريد تخريب كل شيء بالدولة، بما أحدث ارتباكاً في الرأي العام. تولت وسائل الإعلام المدارة أمنياً تفسير مخاوف السيسي بأن ثورة 25 يناير 2011 هي السبب الرئيس الذي دفع البلاد إلى حافة الهاوية.
وحمل الإعلاميون المقربون من السلطة المواطنين مسؤولية الانجراف في الأزمة الحادة التي تعاني منها مصر منذ سنوات، لاستمرارهم في الضغط على الحكومة بطلب المزيد من السلع والسيارات الحديثة، غير مقدرين الجهود التي يبذلها النظام للصرف على مشروعات العاصمة الجديدة والبنية الأساسية لبناء "مصر الجديدة".
الأزمة والعيش على القروض
أحدثت كلمات المسؤولين والإعلاميين انقساماً بالرأي العام، فمنهم من تعاطف مع كلمات السيسي، ووضع ما ذكره عن خوضه معركة استراتيجية لمواجهة نقص الدولار في إطار المكاشفة مع الشعب، بينما أثارت موجة غضب على وسائل التواصل الاجتماعي لدى العديد من الاقتصاديين والسياسيين والمواطنين، الذين حذروا من تمسك النظام بالتوسع في القروض، مع توظيف المبالغ المقترضة وميزانية الدولة في مشروعات غير منتجة، بما جلب الخراب على مصر لتصبح "دولة تأكل بالدين لتعيش" وفقاً لتصريحات وزير التموين والتضامن الأسبق جودة عبد الخالق.
ويشير خبراء إلى أن عداء السلطة لثورة 25 يناير يدفعها إلى تحميلها والثائرين أخطاءها الكبرى، مع تبرير سوء الأداء الاقتصادي بانتشار وباء كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وتساءل الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب عن ماهية الحلول المطلوبة للنظام لمساعدته في حل الأزمة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "هل تريد السلطة حلولاً اقتصادية حقيقية ترفع معدلات النمو والإنتاج، بما يساعد على خفض الواردات وزيادة الصادرات وتشغيل المواطنين، أم تبحث عن قروض جديدة؟".
وأضاف عبد المطلب أنه لا بد أن تحدد السلطات، هل تريد تدفقات دولارية لا تنقطع أبداً لحل مشاكل آنية وعاجلة، لاستكمال تمويل بناء "مصر الجديدة"، بغض النظر عن مدى صحة هذه الرؤية والعائد المتوقع منها على المستثمرين والاقتصاد، أم تبحث عن مصادر دائمة للنقد الأجنبي وتشجيع التصنيع
كذلك يتهم الخبير الاقتصادي الجهات الحكومية بدفع القطاع الخاص إلى الانكماش الإنتاجي أو الخروج من السوق المحلي بالتوقف التام عن العمل أو العمل بالخارج، هرباً من زيادة معدلات التكلفة والفساد الإداري وتراجع قيمة العملة التي تحملها مخاطر التضخم وتراجع القوى الشرائية للمواطنين.
ويتفق الخبير الصناعي علي الحداد مع رؤية عبد النبي بضرورة وقف تدخل الجهات الأمنية التي تغولت في الاقتصاد، عن إدارة ملفاته تماماً وبخاصة الإنتاج الصناعي والزراعي، مؤكداً لـ"العربي الجديد" ضرورة انفراد القطاع الخاص بإدارة استثمارات القطاعات الإنتاجية، على أن تكون الدولة هي المخطط والمنظم فقط للأسواق، دون أن تتعامل مع موارد الدولة على أنها ملكية خاصة بالوزارات أو الجهات السيادية والأمنية التابعة لها.
تراجع النقد الأجنبي
يحذر الخبيران من اللجوء إلى زيادة الديون، مطالبين بالتوقف الكامل عن الاقتراض من الخارج، بعدما ابتلعت خدمات وأقساط الديون الخارجية البالغة 160 مليار دولار الإيرادات التي توفرها تحويلات المصريين وقناة السويس والموارد السيادية للدولة.
ويشير عبد المطلب إلى تراجع مصادر النقد الأجنبي بشدة، خاصة من عوائد تصدير البترول والغاز، التي أصبحت سلبية، مع تذبذب إيرادات السياحة رغم ارتفاع التكلفة المنفقة على السائحين الأجانب، وتعثر حركة النقل بقناة السويس، التي أفقدتها 61% من إيراداتها السنوية، وتأثر تحويلات المصريين بالخارج بارتفاع معدلات التضخم بدول الخليج، وصعوبة الحصول على فرص عمل للراغبين في السفر، مع توسع الحكومة في بيع الأصول العامة المدرة للعملة الصعبة للأجانب، بما يوفر لها فرصة للحصول على الدولار من قيمة البيع، ويحرمها من الإيرادات الدائمة.
بدوره، يؤكد عبد النبي ضرورة بناء الاقتصاد من الداخل، بالتوسع في مشروعات إنتاجية أولاً، مبيناً أن القروض التي توسعت الحكومة بها لم تزد الأمر إلا سوءاً، بعدما وظف صندوق النقد وأصحاب الأموال الساخنة قوتهم المالية في دفع الدولة إلى خفض العملة عدة مرات وزيادة معدلات الفائدة في البنوك، لتكون أدوات الدين المحلية جاذبة للمغامرين، مع فرض شروط تعجيزية عند الإقراض تشمل زيادة سعر الفائدة على القروض، وخفض دعم السلع والخدمات الحكومية، وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والمياه والخدمات الحكومية.
فوضى الميزانية العامة
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد نوفل أن إدارة الميزانية العامة تشهد حالة من الفوضى والاستيلاء على مبالغ الدعم الموجهة لخدمة المواطنين، من جراء لجوئها المستمر للحصول على قروض أجنبية، بعد إقرار الميزانية من البرلمان، وقبولها ضغوط صندوق النقد لتحريك سعر الصرف أمام الجنيه، والتحول إلى نظام الدعم النقدي، وهي تعلم أن لجوءها إلى تخفيض سعر الجنيه سيدفع إلى خفض قيمة الدعم، ويزيد من حدة الفقر ومعدل عدد الفقراء.
ويشير نوفل إلى تحرك سعر الجنيه أمام الدولار إلى 51 جنيهاً في البنوك، فيما سعره المقدر في موازنة 2024-2025 عند 49.6 جنيهاً، يعني أن قيمته انخفضت، بما ينعكس على اعتمادات الإنفاق بالموازنة بنفس نسبة الزيادة بالدولار.
ويحمل نوفل الحكومة مسؤولية تزايد عدد الفقراء من جراء خفض معدلات الدعم، مشيراً في دراسة اقتصادية اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى أن نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية بلغت 29.2% عام 2022، بنحو 30.95 مليون نسمة، وارتفعت وفقاً للبنك الدولي عام 2023، إلى 35.45 مليون نسمة بنسبة 34.45% من تعداد السكان، بينما يقدرها اقتصاديون لنشرة "رويترز الاقتصادية" بنحو 60% من تعداد السكان خلال نفس الفترة.
وتظهر الخبيرة الاقتصادية مني الجرف في دراسة اطلعت عليها "العربي الجديد" أن تعويم الجنيه عدة مرات منذ عام 2016 حتى الآن تسبب في انخفاض مؤشرات النمو وزيادة التضخم والفقر والركود في الشركات الإنتاجية، وتراجع معدلات الاستثمار الصناعي والزراعي، على حساب إقامة مشروعات عقارية وبنية أساسية غير مستغلة، أو لا تدر عائداً.
تظهر بيانات رسمية للبنك المركزي وجهاز الإحصاء الحكومي تراجعاً خطيراً بكافة مؤشرات التنمية التي تحددها المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، خلال العقد الماضي. بالمقارنة بين عقدين، بلغ معدل النمو الاقتصادي عام 2010 نحو 5.1%، تراجع إلى 1.8% خلال عام الثورة 2011، بينما بلغ 4.2% عام 2024، رغم تضاعف الاقتراض الخارجي لتمويل المشروعات القومية الكبرى وسد العجز في الميزان التجاري، بما رفع الدين الخارجي من 34.7 مليار دولار إلى 165.4 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي الدين العام 13.7 تريليون جنيه مرتفعاً من 888 مليار جنيه، بما يعادل 11 ضعفاً خلال تلك الفترة.
وبلغ معدل التضخم في مصر عام 2010 نحو 11.3%، بينما تجاوز عام 2024 نسبة 35%، فيما شهدت أسعار الفائدة في البنوك ارتفاعاً من متوسط 9.75% على الإقراض و8.25% على الإيداع عام 2010، لتصل إلى 20.25% على الإيداع و21.25% على الإقراض عام 2024.