استمع إلى الملخص
- تتوقع الحكومة المغربية نموًا اقتصاديًا بنسبة 4.6% في العام الحالي، بينما يتوقع البنك الدولي نموًا بنسبة 3.9%، مع تراجع القيمة المضافة الزراعية بسبب انخفاض محصول الحبوب المتوقع.
- يشدد الخبراء على ضرورة ترشيد الموارد المائية ودعم الزراعات الأسرية لتعزيز قدرات الفلاحين في مواجهة تحديات الجفاف وندرة المياه.
يتوقع أن يؤدي تأخر التساقطات المطرية في المغرب إلى تدهور وضعية الأسر في الأرياف، التي تعاني من تداعيات سنوات الجفاف المتتالية على قدرتها الشرائية وحظوظها في سوق العمل، التي لم تسلم من الركود في الأعوام الأخيرة. وسيؤدي استمرار الظروف المناخية الجافة إلى تراجع التوقعات الاقتصادية في المغرب، حيث سيكون النمو أقل من المستوى المأمول من قبل الحكومة، مما سيؤثر على توفير فرص العمل الكافية لمحاصرة معدلات البطالة المرتفعة، خاصة في المناطق الريفية والمدن.
وتشير دراسة لبنك المغرب إلى أن قطاع الزراعة فقد بين عامي 2008 و2023 حوالي 965 ألف فرصة عمل، حيث تراجعت مساهمة القطاع في سوق العمل الشاملة من 37.8% إلى 28%. وتُعزى هذه الوضعية إلى توالي سنوات الجفاف وندرة الموارد المائية، مما أثر سلبًا على الإنتاجية الزراعية والفرص الاقتصادية المرتبطة بها.
رغم ذلك، تبدو الحكومة متفائلة عندما تراهن على تحقيق معدل نمو في حدود 4.6% خلال العام الحالي، وهو معدل يتجاوز التوقعات التي عبر عنها العديد من المؤسسات الوطنية والدولية. وتبني الحكومة توقعاتها للنمو على فرضيات وضعتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أبرزها تحقيق محصول حبوب يصل إلى 7 ملايين طن، مقابل 3.2 ملايين طن فقط في الموسم الماضي الذي تأثر بشدة بالجفاف، والذي أصبح معطى بنيويًا في المغرب.
يقابل هذا التفاؤل الحكومي نظرة أكثر واقعية عبر عنها البنك الدولي، حيث أكد في تقريره حول وضعية الاقتصاد العالمي تباطؤ معدل النمو الاقتصادي إلى 2.9% في العام الماضي، قبل أن يرتفع إلى 3.9% خلال العام الحالي، مستفيدًا بشكل أساسي من مساهمة الأنشطة غير الزراعية. من جهته، أشار البنك المركزي إلى أن القيمة المضافة الزراعية ستتأثر بتراجع حاد في محصول الحبوب المتوقع أن يصل إلى 5 ملايين طن في الموسم الحالي، مقارنة بتوقع حكومي يبلغ 7 ملايين طن، مع إمكانية تحسن الإنتاج إذا هطلت الأمطار خلال الفصل الأول من العام الجاري.
ويشير تقرير المندوبية السامية للتخطيط، الصادر الأسبوع الماضي، إلى أن الاقتصاد المغربي يواجه عاملاً سلبياً مهماً وغير مؤكد، خاصة في الربع الأول من العام الجاري، حيث يشدد على ضرورة متابعة تطور الظروف المناخية الشتوية. ويبرز التقرير انخفاض إجمالي الأمطار منذ بداية الموسم الفلاحي وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي بنسبة 60.6% مقارنة بموسم عادي.
وفي السياق نفسه، اعتبر البنك الدولي أن قلة الموارد المائية مصدر قلق في المغرب، ما دفع مجلس الحسابات، في تقريره السنوي الصادر الأسبوع الماضي، إلى التشديد على ضرورة ترشيد واستدامة الموارد المائية المخصصة للري، مع الأخذ بعين الاعتبار مخاطر التغيرات المناخية عند تنفيذ مشاريع توسيع وتحديث أنظمة الري. وأكد التقرير ضرورة رصد تأثير القيود على إمدادات المياه في المناطق الزراعية السقوية على الإنتاجية، وأيضاً على توفر فرص العمل ودخل المزارعين واليد العاملة في القطاع الزراعي.
ويرى محمد الهاكش، الخبير في القطاع الزراعي، أن تراجع معدل النمو يتجاوز البيانات العامة التي تقدمها المؤسسات، إذ يعكس الصعوبات التي تواجهها الأرياف المتضررة من تداعيات الجفاف. وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التساقطات المطرية كانت تسهم في توفير فرص عمل في الأرياف، غير أن توالي سنوات الجفاف، وما تبعه من تأثير على الأنشطة الزراعية، أدى إلى فقدان فرص عمل كبيرة في تلك المناطق.
وأضاف الهاكش أن فقدان فرص العمل يظهر بوضوح في تراجع إنتاج محاصيل مثل الحبوب والزيتون وبعض أنواع الخضر، إضافة إلى تضرر نشاط تربية المواشي، مما دفع الدولة إلى تكثيف الاستيراد بهدف تحقيق الأمن الغذائي. وشدد على أن السياسة الزراعية التي ركزت أكثر على التصدير، ساهمت في تقليص نطاق الزراعات الأسرية، التي كانت تسهم عبر نوع من التضامن في الحفاظ على بعض فرص العمل، ولو في إطار غير مؤدى عنه.
وأكد الهاكش أن الوضع الحالي يستلزم دعم الزراعات الأسرية، كما تعزيز قدرات الفلاحين، لمواجهة التحديات المرتبطة بندرة المياه والجفاف، مشيرًا إلى أن التوجه نحو التصدير وحده لا يكفي لضمان استدامة القطاع الزراعي في المغرب.