استمع إلى الملخص
- شركات الشحن الألمانية والمستثمرون حققوا أرباحاً كبيرة من بيع الناقلات، حيث ارتفع الطلب بعد الحرب، وبيعت بعض الناقلات لشركات جديدة، مما يثير تساؤلات حول الفساد الأخلاقي.
- انتقدت جمعية مالكي السفن الألمانية هذه التطورات، داعيةً إلى فحص المعاملات لضمان عدم استخدام السفن لأغراض غير عادلة، ومتابعة الأمر لضمان الالتزام بالعقوبات الأوروبية.
أثار تحقيق استقصائي أجراه صحافيون دوليون وشاركت فيه شبكتا "ان دي آر" و"دبليو دي آر" الألمانيتان، أن أكثر من 200 ناقلة نفط غربية قديمة تم بيعها بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا لأسطول الظل الروسي، والتي تعبر عدة مرات يومياً من بين 650 ناقلة يضمها الأسطول في بحر البلطيق لنقل النفط أو مشتقات الطاقة الأخرى من روسيا، وفي كثير من الحالات بالالتفاف على العقوبات الغربية.
الأهم أن بيع هذه الناقلات بملايين اليورو محاط بشكوك حول توقيت عقد الصفقات، حيث أشار التحقيق الذي حمل عنوان "أسرار أسطول الظل" إلى أن 11 سفينة كانت تعود لشركتي شحن مقرهما هامبورغ في ألمانيا ولهما باع طويل في مجال الشحن البحري، ومعظم الناقلات غير مؤمنة بشكل شامل أو ليس لديها تأمين على الإطلاق، حتى إن هناك تحذيرات أُطلقت من قبل منظمة "غرينبيس" لحماية البيئة من مخاطر كارثة بيئية وشيكة يمكن أن تسببها السفن المتهالكة جزئياً. أكثر من ثلث الناقلات كانت تعود لشركات شحن أوروبية وأميركية.
وذكر التحقيق أنه وفقاً لمجموعة من البيانات التي تم جمعها وتعود إلى إبريل/ نيسان 2022 وبعد أسابيع قليلة من الهجوم على أوكرانيا، قامت شركة الشحن "سالامون ايه جي" ومقرها دورتموند في ألمانيا، وبالاشتراك مع مجموعة من المستثمرين ببيع ناقلة النفط الخام "كاب" إلى شركة تركية في ألمانيا. وفي يونيو/حزيران من العام نفسه قامت مجموعة "شولتي" ومقرها هامبورغ ببيع ناقلة النفط الخام "أنجليكا شولتي" إلى شركة في هونغ كونغ. وبعد مرور عامين على صفقتي البيع وضعت الولايات المتحدة السفينتين على قائمة العقوبات لأنها أصبحت جزءاً من أسطول الظل الروسي. مع العلم أن الشركتين أفادتا بأن مفاوضات عمليتي البيع بدأتا بالفعل قبل الحرب.
وأظهرت الأبحاث والتقديرات أن شركات الشحن الألمانية ومستثمري هذه السفن حققوا أرباحاً تقدر بنحو 200 مليون يورو من هذه الصفقات، وتعود المبالغ المرتفعة في المقام الأول إلى حقيقة أنه بعد بدء الحرب كان هناك طلب مرتفع للغاية على ناقلات النفط المستعملة، وحتى السفن التي كانت تسعر فقط بقيمة المعدن والحديد في وقت سابق أصبحت بمبالغ باهظة. ووفق التقارير يعتقد العديد من مراقبي سوق ناقلات النفط، بينهم ميشال بوكمان من شركة "لويدز ليست انتليغنس" أن الطلب على الناقلات من قبل أسطول الظل كان كبيراً لدرجة أن أصحاب السفن في أوروبا كانوا يعرفون بالضبط إلى أين ستكون وجهة سفنهم في نهاية المطاف.
علاوة على ذلك، انتقلت خمس ناقلات نفط من شركة "كيميكليان سي ترانسبورت" إلى شركة كرامر للشحن في هامبورغ، تبين لاحقاً أن أربعاً منها بيعت بعد فترة قصيرة من الحرب الروسية لشركات أخرى لتصبح ضمن أسطول الظل. وعلى سبيل المثال انتقلت في يناير/كانون الثاني 2024 ملكية إحدى الناقلات لشركة صينية تم تأسيسها قبل شهرين فقط من إتمام الصفقة، ويطلق عليها حالياً اسم "سينو بروسبرتي" وتبحر بشكل أساسي إلى الموانئ الروسية، ويعتقد محللون من موقع "لويدز ليست" المتخصص في تتبع بيانات التجارة البحرية أن الناقلة تابعة لأسطول الظل الروسي.
وبرزت انتقادات من جمعية مالكي السفن الألمانية لهذه التطورات، وقالت الجمعية في تعليقها على التحقيق الاستقصائي إن هذا يعد "تطوراً مثيراً للقلق"، وإن المكاسب الاقتصادية لا ينبغي أن تتحقق على حساب السلامة أو الامتثال والمبادئ الأخلاقية.
وبحسب الجمعية فإنه من الضروري أن يتصرف البائع بمسؤولية لضمان عدم استخدام السفن لأغراض غير عادلة، وبالإضافة إلى مالكي السفن، فإن البنوك والوسطاء ملزمون أيضاً بفحص المعاملات بحثاً عن المخاطر المحتملة. وأشارت بيانات معهد اقتصاديات الشحن والخدمات اللوجستية في بريمن بوجود 89 ناقلة نفط في الأسطول التجاري الألماني يزيد عمرها عن 15 عاماً. بعد مرور هذه المدة على عمر الناقلة عادة ما يتم إعادة بيعها.
كل هذه المعطيات، دفعت بعض الأحزاب للتنديد بتصرفات أصحاب السفن المعنية، حيث اعتبر النائب عن حزب اليسار نوبرت هاكبوش والذي يعد خبيراً في هذا المجال، أن إقدام هؤلاء على هذا النوع من التربح يشكل فساداً أخلاقياً، مشيراً إلى أن هناك الكثير مما يشير إلى أنهم قاموا بتنظيم المبيعات بطريقة لا تجعلها تصبح علنية، وبحيث يستفيدون منها قدر الإمكان.
بدوره، أكد السياسي عن الحزب المسيحي الديمقراطي يوهان فاديفول، أن صفقات بيع الناقلات الألمانية لأسطول الظل تعتبر "مشكلة كبيرة للغاية". والمصلحة الأوروبية تقضي بعدم القيام بها، وإلا فإنه سيعتبر أصحاب السفن الألمانية ممن يساعدون روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر في التحايل على العقوبات الغربية، وعلى عاتق الحكومة الفيدرالية المستقبلية واجب ضمان عدم إمكانية تكرار مثل هذا الأمر.
ووفق محللين فإن بيع الناقلات لأسطول الظل ليست محظورة، إلا إذا تم الإثبات أن البائع يعرف الوجهة والطريقة التي سيتم فيها استخدام السفينة في المستقبل. وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث الاقتصادي يان مولر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا بد أن هناك خللاً في مكان ما قد عاب بعض هذه الصفقات، لأن التحقيق أظهر أن بعض الشركات المنتفعة تم تأسيسها قبل أشهر قليلة من عمليات البيع، فيما هناك ناقلات بيعت أكثر من مرة خلال فترة قصيرة.
وأضاف مولر: "على الجهات الألمانية وبالتعاون مع بروكسل متابعة الأمر، ومن المفترض أن يكون هناك إشارات دابغة تبرهن أن أصحاب هذه الصفقات كان هدفهم تحقيق أرباح مالية ضخمة، وكل ذلك يتعارض مع المصالح العليا للدول الأوروبية التي تدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا".
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على موسكو للحد من موارده المالية المتأتية من الطاقة وغيرها، ومن غير المقبول أن يعمد أفراد وشركات عن قصد أو غير قصد إلى بيع ناقلات لشركات متعاونة مع روسيا وتشتري منها مشتقاتها النفطية، وبالطبع ستعود المليارات على خزينة الكرملين ما سيمكنها من توظيفه في صناعة الأسلحة وقصف أوكرانيا.