موسم انهيار الدولار والمخدرات الاقتصادية

25 ابريل 2025
السياسة المالية الأميركية تدعم قوة الدولار، 26 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين والخلافات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان أثار توقعات متشائمة حول مستقبل الدولار، مع ترويج شعارات مثل "انهيار الدولار".

- رغم هذه التوقعات، الدول الكبرى مثل الصين واليابان وألمانيا لا ترغب في انهيار الدولار بسبب المخاطر الاقتصادية الكبيرة وتأثيره السلبي على احتياطياتها واستقرار أسواقها.

- توقعات انهيار الدولار ليست جديدة، ورغم التحذيرات السابقة، يظل الدولار صامداً، بينما تظل الدول الكبرى حذرة من الترويج لمثل هذه السيناريوهات.

خلال الفترة الماضية، خرجت علينا توقعات متشائمة أقرب إلى الشعارات تتحدث عن مستقبل مظلم للدولار في ظل تصاعد الحرب الاقتصادية بين الصين وأميركا، والخلافات الحادة بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين وفي المقدمة الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، واشتعال حرب العملات بين الدولار واليوان الصيني.

من عينة تلك التوقعات الصادر معظمها عن جهات غير موثوق بها طلت علينا تلك العناوين الرنانة: انهيار الدولار على الأبواب، ووداعا للدولار، وموسم سقوط الدولار، وسقوط مدو للدولار، والسقوط الكبير للدولار، وانهيار الدولار في العام 2025، أو نهاية الدولار بما هو عملة احتياط عالمية، وقرب نهاية سطوة الدولار على باقي العملات الرئيسة ومنها اليورو الذي استعاد تألقه، وثقة العالم وأسواقه في العملة الأميركية تتآكل بشكل حاد، والبنوك المركزية العالمية تبدأ في التخلص من الدولار واستبداله بالذهب أو العملات الأخرى، وما يصاحبها من شعارات أخرى منها أن النظام المالي والمصرفي الأميركي يتهاوى بشدة، وأن هناك تحوّلا هيكليا في النظام المالي العالمي، مع التذكير بتجربة انهيار الجنيه الإسترليني بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1945.

بل إن مواقع عربية استعانت بآراء لمن أطلقت عليهم خبراء اقتصاد يتحدثون بثقة شديدة يحسدون عليها عن انهيار الدولار خلال أشهر قليلة، وأن الورقة الخضراء ستتحول إلى عملة تشبه عملات جمهوريات الموز التي لا قيمة لها ويتم وزنها بالكيلو عند شراء سلعة، وأن على حائزي الدولار سرعة التخلص منه وحيازة عملات أخرى منها ما هو محلي، وأن الهيمنة العالمية للدولار، والتي استمرت نحو 80 عاما، تقترب أخيرا من نهايتها، وهذه النغمة تتردد أكثر في الدول التي تشهد تعويمات مستمرة لعملاتها الوطنية، أو أن عملاتها تعاني من تراجع مستمر مقابل الدولار.

لكن هذا لا يمنع من أن بعض التقارير والتحليلات الجادة بدأت تطرح أسئلة مهمة وحيوية منها: هل نحن أمام أزمة مؤقتة للورقة الخضراء، أم بداية نهاية الدولار بما هو عملة احتياط عالمية؟ وماذا يحدث للاقتصاد العالمي إذا انهار الدولار؟ وكيف تتعامل دول مجموعتي السبع الصناعية والعشرين وغيرهما من التكتلات الاقتصادية مع أزمات اقتصادية كبرى متوقعة منها تهاوي احتياطيات الدول من النقد الأجنبي، وتفاقم أزمات الارتفاع الجامح في معدلات التضخم والبطالة، وما هي السيناريوهات المطروحة من قبل المجتمع الدولي للتصدي للاضطرابات الاقتصادية العالمية المتوقعة حال انهيار الدولار المفاجئ.

وهل شراء الذهب يكفي لمواجهة المخاطر المتوقعة مع ندرته وقفزات سعره الأخيرة والتي دفعت بسعره إلى حاجز الـ 3500 دولار للأوقية لأول مرة، وهل العالم يعود لسياسة شراء البضائع والمقايضة في عمليات التبادل التجاري؟ أم ستحدث قفزة نوعية في المعاملات المالية وأسواق الصرف العالمية عبر تشريعات تقنن التعامل بالعملات الرقمية؟

الأسئلة السابقة مشروعة وتأتي على خلفية تراجع سعر الدولار عالمياً بنسبة 10% في آخر شهرين، وتراجع ثقة المستثمرين وأسواق المال به، وتأثيرات حرب ترامب المجنونة على الاقتصاد العالمي والتي هزت الثقة بشدة في العملة الأميركية، مع تنامي دعوات ضرورة توجه العالم نحو تبني نظام مالي واقتصادي دولي جديد يبتعد عن نظام "بريتون وودز" الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وتزايد الحمائية الأميركية، وانكفاء النظام المالي والاقتصادي الأميركي على الداخل، وتبني واشنطن شعار "أميركا أولا" وليذهب العالم إلى الجحيم، وضرب إدارة ترامب بالنظام التجاري الدولي وقواعد منظمة التجارة العالمية عرض الحائط، والأخطر، تفاقم الدين الأميركي لتتجاوز قيمته 36 تريليون دولار مع أعباء سنوية تتجاوز تريليون دولار، واقتراب الصين من مزاحمة واشنطن تجارياً وقيادة الاقتصاد العالمي في غضون سنوات وفق توقعات بنوك استثمار دولية.

سقوط الدولار هو أمر كارثي بالنسبة لاقتصاد الصين ومراكزها المالية وتجارتها الخارجية وأصولها الاستثمارية. وحتى روسيا نفسها ربما تخشي حدوث هذا السيناريو

أغلب الظن أن الدولار لن يتهاوى سعره أو ينهار قريبا، وأن توقعات السقوط السريع والمدوي للعملة الأميركية وأفول عصر الدولار لا تزال مجرد شعارات براقة أقرب للأمنيات تسعى بعض الحكومات لتخدير شعوبها بها في محاولة لتخفيف ضغوط المضاربات في أسواق الصرف وتقليص الضغوط على العملات المحلية، وهناك أسباب كثيرة لاستبعاد السقوط السريع منها مثلاً أن الدول التي لديها القدرة على دفع الدولار للانهيار مثل الصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا غير راغبة في حدوث هذا السيناريو بسبب مخاطره الشديدة على اقتصادياتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي ومعدلات النمو واستقرار الأسواق بها. كما أن الدول ذات الاحتياطيات الدولارية الضخمة مثل النرويج والإمارات وقطر والسعودية والهند وإسبانيا وتايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والبرازيل وسنغافورة وغيرها تخشى من حدوث هذا السيناريو المرعب لها خوفا على أموالها واستثماراتها المودعة في البنوك والأصول الأميركية.

الصين نفسها تعد أكبر دولة تمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي في العالم برصيد 3.73 تريليونات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2024، وفق منصة ستاتيستا. وبالتالي فإن سقوط الدولار هو أمر كارثي بالنسبة لاقتصادها ومراكزها المالية وتجارتها الخارجية وأصولها الاستثمارية. حتى روسيا نفسها ربما تخشي حدوث هذا السيناريو في ظل امتلاكها احتياطيات دولارية تقدر قيمتها بأكثر من 600 مليار دولار مستثمر معظمها في الأسواق الأميركية والأوروبية، وبالتالي ليس من مصلحة تلك الدول وغيرها انهيار الدولار وربما هي لا تريد أن يحدث ذلك.

قصة توقعات انهيار الدولار ليست جديدة، فقد توقع خبراء اقتصاد ورجال أعمال أميركيون بارزون حدوث هذا التهاوي، ففي العام 2020 أطلق الرئيس السابق لبنك الاستثمار الشهير "مورغان ستانلي آسيا" ستيفن روتش، وعضو هيئة التدريس بجامعة "ييل" الأميركية تحذيراً بشأن انهيار الدولار، حيث قال إن العام المقبل "2021" سيكون قاسياً على الدولار. وفي حزيران/ يونيو 2020، توقع حدوث انهيار للدولار في نهاية العام أو العامين المقبلين.

الدولار يتعرض لهزات عنيفة بسبب الحرب التجارية الأميركية والخلافات الحادة بين ترامب ورئيس البنك الفيدرالي، لكن توقعات انهياره في الوقت الحالي أو المستقبل المنظور تظل مجرد شعارات أقرب لتمني البعض، ومن يروجون لنظرية الانهيار القريب، فهم أقرب إلى مروجي المخدرات الاقتصادية.

المساهمون