موسكو قلقة من صادرات الأسلحة التركية... ومصارف غربية تخشى الاستقلال

موسكو قلقة من صادرات الأسلحة التركية... ومصارف غربية تخشى معركة الاستقلال

06 ديسمبر 2021
بوتين قلق من تمدد النفوذ التركي (Getty)
+ الخط -

رغم التقارب التركي - الروسي في ملف الطاقة، فإنّ موسكو قلقة من استراتيجية ما تسميه أنقرة "الاستقلال" الاقتصادي، خصوصاً ملف الدفاع وصادرات السلاح.

وتتشكل الاستراتيجية الاقتصادية التركية من أربعة محاور رئيسية: الأول محور النمو الاقتصادي الذي تقوده الصادرات والتوظيف والاستثمار، وخفض سعر صرف الليرة الذي يرفع من تنافسية المنتجات الصناعية ورخص أسعارها للمستوردين، لا سيما أنّ تركيا دولة حديثة في التصنيع الإنتاجي وتبحث عن أسواق.

والثاني محور "الاستقلال" المالي والنقدي الذي ينفذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عبر خفض سعر الفائدة، وتحرير البلاد من هيمنة المصارف الاستثمارية الغربية.

ورغم أن هذا الملف أو المحور تسبب في حدوث هزة مالية في تركيا وأربك قطاعاتها الإنتاجية وتسبب في غلاء المعيشة للمواطنين، لكن أردوغان يصر على تنفيذه.

أردوغان يصر على تنفيذ محور الاستقلال المالي رغم تسببه في حدوث هزة مالية في تركيا وأربك قطاعاتها الإنتاجية ورفع تكلفة المعيشة للمواطنين

والثالث ملف الصناعات الدفاعية ومبيعات الأسلحة الذي يخفض واردات البلاد من الأسلحة ويزيد صادراتها الدفاعية، خصوصاً أنّ تركيا تقع في منطقة تكثر فيها النزاعات المسلحة وتحتاج إلى تنفيذ المزيد من الصفقات.

أما الملف الرابع فيتعلق بالزراعة الذي تستهدف تركيا عبره زيادة صادراتها الزراعية وتلبية كفايتها من منتجات الأغذية.

ملف الصناعات الدفاعية

يبدو أنّ ملف "الاستقلال الدفاعي وزيادة صادرات الأسلحة" يقلق روسيا أكثر من الملفات الأخرى، لأنه يتقاطع مع مناطق نفوذها الجيوسياسي وخطط توسعها الجغرافي في دول مثل أوكرانيا ودول الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى وسورية وليبيا وأفريقيا.

وحسب تقرير لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإنّ مبيعات السلاح في العالم، عدا الصين التي لا تكشف عن تجارة السلاح حتى الآن، ارتفعت إلى 420 مليار دولار في عام 2020.

ويرى محللون أنّ مبيعات السلاح لا تعني فقط تجارة قطاعية تدر أرباحاً للشركات، ولكنها تعني كذلك توسيع النفوذ والسيطرة على الأسواق التجارية الخارجية وحمايتها من المنافسة الخارجية للدولة، والمساومة على مكان في "النظام العالمي" الدولي.

وبالتالي، فإنّ التقدم التقني الذي أحرزته تركيا في الصناعات الدفاعية وتوسيع أسواقها في أفريقيا وآسيا، يقلق كثيراً شركات صناعة السلاح في روسيا وفرنسا.

ويرى خبراء أنّ استراتيجية أردوغان في بناء تركيا الحديثة، ركزت على الصناعات الدفاعية أكثر من غيرها، بسبب موقع البلاد الجيوسياسي.

التقدم التقني الذي أحرزته تركيا في الصناعات الدفاعية وتوسيع أسواقها في أفريقيا وآسيا، يقلق كثيراً شركات صناعة السلاح في روسيا وفرنسا

وحسب بيانات رسمية تركية، فإنّ الرئيس التركي أردوغان يعتقد أنه حقق هذه الاستقلالية بنسبة 80%، وربما يتمكن من تحقيقها بنسبة 100% خلال الأعوام القليلة المقبلة.

ويلاحظ خبراء غربيون أن تركيا تحولت من مستورد إلى مصدّر للسلاح والمعدات العسكرية، وباتت تنافس عمالقة الصناعات الدفاعية العالمية خلال العامين الماضيين.

في هذا الصدد، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في معرض إسطنبول الدولي للصناعات الدفاعية لدى افتتاحه في 17 أغسطس الماضي، إن بلاده نجحت في رفع نسبة الإنتاج المحلي من الصناعات الدفاعية من 20 بالمائة إلى قرابة 80 بالمائة، واستدرك: "ومع ذلك، فإننا لا نرى أن المستوى الذي وصلنا إليه كاف".

وحسب تقرير بمركز الدراسات الاستراتيجية "ستراتفور"، فقد بلغت صادرات الشركات الدفاعية التركية نحو 3.1 مليارات دولار في عام 2019، كما زادت إيرادات قطاع الدفاع التركي للخزينة التركية إلى 26.9 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن صادرات السلاح التركية لا تزال ضئيلة بالنسبة لحجم صادرات الدفاع في الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولكنها من الناحية النوعية تقلق شركات صناعة الأسلحة العالمية، بسبب نوعياتها المتطورة.

وحسب تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الصادر مطلع العام الجاري، فإن صادرات السلاح التركية نمت بواقع 30% خلال الفترة بين أعوام 2016 و2020. كما دخلت 7 شركات أسلحة تركية في قائمة "ديفينس نيوز" الأميركية التي تضم 100 شركة كبرى من شركات الدفاع في العالم.

صادرات السلاح التركية نمت 30% بين 2016 و2020. كما دخلت 7 شركات أسلحة تركية في قائمة "ديفينس نيوز" التي تضم 100 شركة كبرى في العالم

ويرى خبراء أنّ استراتيجية تركيا في صناعة الأسلحة تهدد أسواق شركات الأسلحة الكبرى في العالم في المستقبل، كما تزيد من النفوذ الجيوسياسي التركي في دول الجوار وأفريقيا وآسيا.

لكن ما يقلق موسكو من التطور السريع في ملف "الاستقلال الدفاعي وتصدير السلاح"، هو صفقة مبيعات طائرات "بيرقدار تي بي2" المسيرة التي تهدد خطط موسكو العسكرية في أوكرانيا.

من جانبها، تقول وكالة "بلومبيرغ" في تقرير بهذا الشأن، إنّ تركيا زودت أوكرانيا بالصواريخ ومحطات التحكم الخاصة بطائرات بيرقدار المسيرة. وفي تعبير عن مخاوف موسكو من هذه الصفقة العسكرية التركية، قال متحدث باسم الكرملين إنّ امتلاك أوكرانيا لهذه المسيّرات سيقود إلى مخاطر في جنوب شرقي أوكرانيا.

ويلاحظ أن روسيا ترد على هذه الصفقة التي تهدد مستقبل خطط نفوذها الجيوسياسي وتوسعها الجغرافي، عبر تشجيع نظام بشار الأسد على استعادة إقليم هيتاي التركي أو إقليم اسكندرون، وهو إقليم تابع للسيادة التركية حالياً، وتعد سورية هذا الإقليم تابعاً لأراضيها، كما تساعد روسيا كذلك حزب العمال الكردستاني في شمال سورية الذي تصنفه تركيا تنظيماً إرهابياً.

وبالتالي، فإنّ مبيعات السلاح التركية ودورها في النفوذ الإقليمي في سورية وليبيا وأذربيجان بات يقلب موازين القوى والنفوذ الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط والبلقان، وربما مستقبلاً يهدد النفوذ الروسي في آسيا الوسطى. من دلائل ذلك الدور الفعال لتدخّل الجيش التركي في انتصار الجيش الأذري في حرب قرة باغ مع أرمينيا.

مبيعات السلاح التركية ودورها في النفوذ الإقليمي في سورية وليبيا وأذربيجان بات يقلب موازين القوى والنفوذ الجيوسياسي في الشرق الأوسط والبحر المتوسط والبلقان

وعلى الرغم من أن موسكو تدخلت في وقف الحرب، إلا أن هذه الحرب أظهرت قدرة تركيا على توسيع مناطق نفوذها، عبر التقدم العسكري وحماية الطريق التجاري وخط السكة الحديد الذي يمرر صادرات بضائعها إلى منطقة آسيا الوسطى، وعلى رأسها أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمنستان وقيرغيزستان ومنطقة القوقاز التي تقع تحت النفوذ الروسي، ولكنها ترتبط بصلات تاريخية وعرقية مع تركيا. ويذكر أن تدخّل الجيش التركي في حرب قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان كان له دور حاسم لحسم النزاع لصالح أذربيجان.

على صعيد ملف الصادرات، فإن روسيا تتخوف من هيمنة البضاعة التركية على جزء كبير من أسواق آسيا الوسطى، ويكون لها دور أكبر في استغلال ثروات النفط والغاز في منطقة بحر قزوين في المستقبل.

ورغم اكتمال أنبوب "تركيش ستريم" في العام الماضي الذي ينقل الغاز الروسي إلى تركيا، فإن تركيا تسعى لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي في توليد الطاقة من معدلها الحالي البالغ 33% من إجمالي استهلاك تركيا للطاقة.

على صعيد ما يسميه المسؤولون الأتراك "الاستقلال المالي والنقدي"، فإن تركيا تواجه حالياً أزمة التراجع السريع في الليرة التركية وتداعياتها على الشركات التركية المصدرة، حيث إن تراجع سعر العملة يرفع من أسعار المواد الخام المستوردة من الخارج. كما أن ارتفاع سعر النفط والغاز الطبيعي يزيد من غلاء السلع الاستهلاكية للمواطن التركي، وبالتالي ارتفع معدل التضخم في تركيا إلى أكثر من 21%، وفق أحدث الأرقام.

لكن الرئيس أردوغان يصر على خفض سعر الفائدة التي يرى أنها تزيد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً. ولكن وحسب تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن الليرة تستفيد من ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي البالغة 126 مليار دولار.

على صعيد الملف الزراعي، يرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، محمد كامل ديميريل، وحسب ما نقلت وكالة الأناضول التركية، أن قيمة الإنتاج الزراعي ارتفعت من 40 إلى 60 مليار دولار خلال حكم حزب "العدالة والتنمية"، وأن تركيا وصلت إلى المركز السابع عالمياً في مستوى الإنتاج الزراعي، وتسعى بحلول عام 2023 إلى بلوغ المركز الخامس، بقيمة إنتاج زراعي يقدر بنحو 150 مليار دولار، ومعدل صادرات بنحو 40 مليار دولار.

في هذا الصدد، تقول "وحدة دراسات الإيكونومست" إن "مخاطر تركيا تبدو جيوسياسية أكثر منها اقتصادية، إذ تواجه العديد من النزاعات الإقليمية، لكنّ الاقتصاد نما بقوة خلال العام الجاري، وسيواصل النمو القوي حتى عام 2026". لكنّها تشير إلى مخاطر أعباء خدمة الديون قصيرة الأجل المتراكمة على القطاع الخاص.

المساهمون