استمع إلى الملخص
- قاد لاري فينك، رئيس "بلاك روك"، مفاوضات للاستحواذ على الموانئ بقيمة 19 مليار دولار، بالشراكة مع "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" و"تيرمينال إنفستمنت"، مما يعزز نفوذ الولايات المتحدة.
- أثارت الصفقة جدلاً سياسيًا حول السيطرة على القناة، حيث تدرس حكومة بنما إلغاء عقدها مع "سي كيه هوتشيسون"، وسط توترات جيوسياسية.
منذ يومه الأول في المنصب، تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما، حيث قال في خطاب تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي "سنستعيدها". وفي غضون أسابيع، كان ملياردير وول ستريت "لاري فينك" على اتصال مباشر بالبيت الأبيض، ليجري الإعلان أخيراً عن صفقة أبرمها تحالف تقوده شركة "بلاك روك" العملاقة التي يديرها "فينك" للاستحواذ على موانئ القناة ما ما يجعل أميركا مسيطرة على الممر الملاحي الحيوي تحت غطاء استثماري.
عرض فينك كان واضحاً، حيث أعرب عن اهتمام شركة الاستثمار "بلاك روك" بشراء الموانئ الواقعة على جانبي الممر المائي، ونقل ملكيتها إلى أيدٍ أميركية، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات. وبهذا، لن تكون هناك حاجة لأن تستعيد الولايات المتحدة السيطرة على القناة التي يعود عمرها إلى قرن من الزمن بالقوة.
وهكذا انطلقت أيام من المفاوضات المكثفة، من جانب تحالف استثماري تقوده "بلاك روك"، التي تدير أصولاً بقيمة 11.6 تريليون دولار. تعكس الصفقة، التي ستدر على البائع 19 مليار دولار، مزيجاً استثنائياً بين رؤية ترامب "أميركا أولاً" وطموحات وول ستريت في تحقيق أرباح عبر الأسواق العالمية. ولطالما أعرب ترامب عن رغبته في استعادة ملكية الولايات المتحدة لقناة بنما، مدعياً، دون دليل، أن الصين تسيطر عليها.
استغل فينك هذه الرغبة لإبرام أكبر صفقة للبنية التحتية في تاريخ "بلاك روك" التي يديرها منذ نحو أربعة عقود، مما منح ترامب انتصاراً في وقت يستعرض فيه نفوذه في قضايا التجارة الدولية والحروب أيضاً . كما أن هذه الصفقة تعكس طموح فينك و"بلاك روك" لاقتناص صفقات ضخمة في الأسواق الخاصة النائية والتنافس مع عمالقة إدارة الأصول البديلة. وفي بيان صدر، الثلاثاء الماضي، للإعلان عن الصفقة، تفاخر فينك بعلاقات "بلاك روك" مع الشركات والحكومات حول العالم، قائلاً: "نحن الخيار الأول على نحو متزايد".
وأعلنت "بلاك روك" موافقتها على شراء ميناءي بنما، إلى جانب أكثر من 40 ميناء آخر حول العالم، من شركة "سي كيه هوتشيسون هولدينغز"، وهو تكتل ضخم تملكه عائلة لي، إحدى أغنى العائلات في آسيا. وخلال الأشهر الأخيرة، وجدت العائلة، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، نفسها في خضم جدل سياسي حول الجهة التي تسيطر على ممر قناة بنما الحيوي والموانئ الرئيسية.
بالنسبة لترامب، فإن انتقال ملكية هذه الموانئ إلى شركة استثمار أميركية يعد خطوة من شأنها أن تحد من النفوذ الصيني في المنطقة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المفاوضات، الذين تحدثوا مثل غيرهم بشرط عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية المسألة دبلوماسياً. وأكد هؤلاء الأشخاص أن الصفقة ما كانت لتتم لولا دعم ترامب.
تنفذ "بلاك روك" هذه الصفقة بالشراكة مع "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" وهي شركة متخصصة في البنية التحتية استحوذت عليها العام الماضي، ويرأسها "أديبايو أوغونليسي". كما تضم قائمة المستثمرين الأخيرين "تيرمينال إنفستمنت" التي تدير موانئ تخدمها "ميدترينيان شيبينغ" أكبر شركة شحن في العالم.
وعلى مدار أعوام، تحرك فينك في دوائر قريبة من ترامب، ويؤكد أشخاص مطلعون على الصفقة أن تدخله الشخصي كان عاملاً حاسماً في إنجازها. وفي الأيام الأخيرة، أطلع فينك ترامب على تطورات المحادثات التي كانت تسير بوتيرة متسارعة. كما جرى إطلاع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ووزير الخارجية ماركو روبيو على التفاصيل.
وفي بيان، أكد فرانك سيكست، المدير الإداري المشارك في "سي كيه هوتشيسون"، أن الصفقة نتجت عن "عملية سريعة ومتفردة لكن تنافسية"، لا تحمل أي أبعاد سياسية. ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، فقد درست شركات أخرى مثل "بلاكستون" و"كيه كيه أر آند كو" تقديم عروض استحواذ أيضاً، لكن ممثلي الشركتين رفضوا التعليق. كما لم يستجب البيت الأبيض لطلب التعليق، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأربعاء. ووفقاً لبيان نشره رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، على حسابه في منصة "إكس" ستراجع بنما الصفقة.
وبموجب الشروط التي كُشف عنها، ستستحوذ "بلاك روك" و"غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" و"تيرمينال إنفستمنت" على وحدات تمتلك 80% من مجموعة "هوتشيسون بورتس". كما سيحصل التحالف الاستثماري على 90% من "بنما بورتس"، المسؤولة عن تشغيل ميناءي بالبوا وكريستوبال الواقعين على جانبي قناة بنما. وصرح فينك خلال مؤتمر مالي، يوم الثلاثاء: "من المحتمل أن نحصل على ملكية موانئ قناة بنما قريباً جداً".
وبينما كان ترامب يعبر علناً عن قلقه بشأن نفوذ الصين على القناة، كانت حكومة بنما تدرس إمكانية إلغاء عقدها لتشغيل الموانئ مع "سي كيه هوتشيسون"، وفقاً لما ذكرته "بلومبيرغ" الشهر الماضي. ويأتي ذلك رغم أن "سي كي هوتشيسون" تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، وهي منطقة صينية تتمتع بحدودها الخاصة وعملتها ونظامها القانوني المستقل.
وأصبحت بنما محور اهتمام لإدارة ترامب، الذي قال إن الدولة الواقعة في أميركا الوسطى تفرض رسوماً باهظة لاستخدام ممرها المائي. وقال الرئيس الأميركي في يناير/كانون الثاني الماضي: "سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، من دون شك"، إذا لم تلغَ الرسوم. وهدد بالسيطرة على القناة، مدعيًا أن الصين تديرها.
وأضاف أن القناة "لم تُمنح للصين، بل أُعطيت لبنما بحماقة، لكنهم انتهكوا الاتفاق، وسنستعيدها، وإلا سيحدث شيء قوي جدًا". ووقعت الولايات المتحدة وبنما اتفاقين في عام 1977 مهدا الطريق لعودة القناة إلى السيطرة البنمية الكاملة. وسلمتها لها الولايات المتحدة في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة. وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن الرئيس البنمي انسحاب بلاده من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، بعيد أيام من استقباله وزير الخارجية الأميركي.