من يُعمِّر ما خرَّبته إسرائيل؟

من يُعمِّر ما خرَّبته إسرائيل؟

25 مايو 2021
فلسطينيون يزيلون آثار الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

بعد أن دخل اتِّفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة حيِّز التنفيذ فجر 21 مايو/أيار 2021 بعد قتال دام 11 يوماً، فإن أوّل ما يتبادر إلى الأذهان هو "مَن سيُعمِّر ما خرَّبه عدوان الكيان الصهيوني على غزة وكيف؟"، خاصة أنه في طلعة إعلامية استفزازية في اليوم ذاته، لم يُفوِّت وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس" الفرصة، واستغلَّ مسألة إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية الحيوية لقطاع غزة كورقة ضغط وابتزاز بهدف الإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس والذين لا يتعدَّى عددهم أصابع اليد الواحدة، وهو عدد لا يقارن بعدد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا جرَّاء القصف الإسرائيلي الجوّي والبرّي الذي خلَّف 232 شهيداً ونحو 1900 جريح، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.

ووفق أرقام رسمية، دمَّر جيش الاحتلال الصهيوني 184 برجاً سكنياً ومنزلاً و74 مقراً حكومياً و33 مقراً إعلامياً و525 منشأة اقتصادية و66 مدرسة، ووحدات رعاية صحية، وسبَّب خسائر مادية بلغت، حسب تقديرات أولية، 92 مليون دولار في قطاع الإسكان، 27 مليون دولار في شبكات المياه والصرف الصحي، 22 مليون دولار في شبكات الإمداد بالكهرباء، 6.5 ملايين دولار في شبكات الاتصالات والإنترنت، 23 مليون دولار في القطاع الحكومي، 40 مليون دولار في القطاع الاقتصادي و5 ملايين دولار في قطاع الأوقاف، حسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.

وخلال الوقت الذي تحصي فيه حكومة غزة خسائرها المادية، ينبغي للمجتمع الدولي حشد ما أمكن من الدعم المالي واللوجستي لإصلاح ما أفسده جيش الاحتلال وكذا نتنياهو الذي يعمل بمنطق "اﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﺒﺮِّر اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ" في رحلته السياسية وتشبُّثه بالسلطة حتى الموت. لقد أعلن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" في 18 مايو/ أيار 2021 إطلاق مبادرة مصرية مخصَّصة لإعادة إعمار قطاع غزة بمبلغ 500 مليون دولار خلال مشاركته في ﻗﻤﺔ ﺛﻼﺛﻴﺔ بالعاصمة الفرنسية ﻣﻊ كل من الرئيس الفرنسي واﻟﻌﺎﻫﻞ اﻷردني.

وفي مؤتمر صحافي يوم 21 مايو/ أيار 2021، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن، عن رغبته في المساعدة في إعادة إعمار غزة، وتعهَّد بجمع تمويل كبير للمساهمة في عملية البناء تحت إشراف الأمم المتحدة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وبعيداً عن متناول حركة حماس، وشدَّد على مدّه يد العون من أجل الأبرياء المتضرِّرين الذين كانوا بحاجة إلى صرامته وحزمه مع إسرائيل لوقف عدوانها عليهم في العاشر من مايو/ أيار 2021، ولكن ليس هناك ما يمكن انتظاره من حليف العدو المتلهِّف لدعم أمن الإسرائيليين، ولو على حساب كل الفلسطينيين.

شتان بين الوعد بإعادة الإعمار وتنفيذه، حيث تُعتبر تجارب دول سابقة كالعراق، لبنان، سورية واليمن خير دليل على أنّ الشعارات والهتافات التي غالباً ما يُردِّدها المجتمع الدولي ورؤساء الدول الكبرى بشأن إعادة إعمار الدول، التي مزَّقتها الحروب والصراعات، لا تعدو كونها مجرَّد تصريحات فقاعية سرعان ما تتبدَّد وتتلاشى.

من المتوقَّع إرسال مساعدات إنسانية مستعجلة لدعم الفلسطينيين في غزة. فقد أعلن مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، يوم 21 مايو/ أيار 2021 تخصيص 4.5 ملايين دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في القطاع، علاوة على 14.1 مليون دولار وعد، قبل ذلك بأيام فقط، بتخصيصها من الصناديق المركزية المُجمَّعة للأرض الفلسطينية المحتلة بهدف الاستجابة السريعة للاحتياجات المُلِحّة للفلسطينيين المتضرِّرين من هذا الصراع.

لكن من غير المتوقَّع، استناداً إلى حالات سابقة لدول منكوبة بالحروب، أن يُعاد إعمار قطاع غزة في المدى القصير وبالشكل الذي كان عليه قبل بداية القصف الصهيوني. فمن جهة، ستفعل حكومة نتنياهو ما بوسعها لاعتراض مسار إعادة إعمار غزة، ومن جهة أخرى سيكون إرسال الأموال المخصَّصة لإعادة الإعمار أشبه بعملية الري بالتنقيط البطيء نظراً لحرص الدول والجهات المانحة الحليفة لإسرائيل على عدم وصول دولار واحد لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

ما يعاب على المجتمع الدولي، صمته في أثناء الصراعات والنزاعات وتبجُّحه بتقديم الفتات من المساعدات بعد أن تأكل الحروب الأخضر واليابس وتطحن رحاها الأبرياء. فلم يُسجِّل التاريخ يوماً حصلت فيه الدول العربية المضطهدة التي عانت من ويلات الاستعمار والحروب على مساعدات مالية دولية كفَّت ووفَّت، وما ستحصل عليه غزة من المساعدات المالية لن يكفي لإرجاع أوضاع المساكن والبنى التحتية إلى سابق عهدها، فقد أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا" حاجتها الماسة إلى 38 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأساسية في غزة والضفة الغربية، ولكن مارك لوكوك أعلن تخصيص ما مجموعه 18.6 مليون دولار فقط للقيام بالتدخُّلات الطارئة الأساسية في غزة.

لكن إعادة اعادة إعمار غزة تفوق هذا الرقم بكثير، فقد أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة وحدها حاجتها لـ 350 مليون دولار لتتمكَّن من إصلاح ما أفسده الاحتلال في قطاعها، وأفادت بأنّ عملية هدم المباني المتضرِّرة وإزالتها تُكلِّف وحدها ما لا يقلّ عن 150 مليون دولار، فماذا عن تكلفة إعادة إعمار القطاعات الأخرى؟

لذلك، من الصعب أن تستعيد البنية التحتية لغزة أنفاسها إن لم تقترن عملية إعادة الإعمار بتأكيد الإسراع في تنفيذها والتزام المانحين الدوليين تعهُّداتهم. فبعد مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2014، أعلنت حكومة الوفاق الفلسطينية في 31 آب/ أغسطس 2015 تلقِّيها لـِ30 بالمائة من قيمة التعهّدات الدولية لإعادة إعمار قطاع غزة.

خلاصة القول، أنّ الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني خطَّط لشلّ غزة من خلال تعطيل منشآتها الاقتصادية وتدمير بنيتها التحتية الأساسية وتحويل الحياة العادية فيها إلى مأساوية، ونفَّذ كل ذلك تحت أنظار ومسامع المجتمع الدولي الصامت.

للشعب الفلسطيني الحقّ بالعيش في سلام كسائر شعوب العالم، ومساعدته تبدأ بعملية إعادة إعمار حقيقية وسريعة تُموَّل من خلال تنظيم جلسات طارئة لمؤتمر المانحين وحثّ جميع الدول، ولا سيَّما الإسلامية، على تخصيص صندوق لجمع التبرُّعات من الأفراد والمؤسسات، وحبَّذا لو تُنسَّق الجهود كافة مع مصر التي تتمتَّع بإمكانية إرسال كل أنواع المساعدات والدعم من خلال معبر رفح.

المساهمون