منح وقروض مشروطة: هل تتجاوز سورية الاختبار الدولي؟

24 مارس 2025
سوق الحميدية التقليدي في دمشق، 06 آذار 2025 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد مؤتمر بروكسل للمانحين تحولات في الموقف الدولي تجاه سورية، مع التركيز على دعم الاستقرار الاقتصادي والإنساني رغم العقوبات، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم 2.5 مليار يورو، وبريطانيا 160 مليون جنيه إسترليني، وألمانيا 300 مليون يورو، لكن إجمالي المساعدات تراجع إلى 5.8 مليارات يورو.

- تميز المؤتمر بمشاركة الحكومة السورية لأول مرة، مما يعكس انفتاحًا سياسيًا دوليًا، لكن غياب المساعدات الأميركية خلق فجوة تمويلية أثرت على المناطق المتضررة.

- أكد الباحثون على ضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان وصول المساعدات لمستحقيها، مشيرين إلى تحديات الإدارة السورية الجديدة في كسب ثقة المجتمع الدولي.

شهد مؤتمر بروكسل للمانحين هذا العام تحولات بارزة في الموقف الدولي تجاه سورية مع تركيز على دعم الاستقرار الاقتصادي والإنساني، رغم استمرار العقوبات والمخاوف المرتبطة بتصاعد العنف. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم 2.5 مليار يورو لدعم السوريين داخل البلاد وفي دول الجوار، في حين خصصت بريطانيا مبلغ 160 مليون جنيه إسترليني، وتعهدت ألمانيا بمساعدات إضافية قيمتها 300 مليون يورو، سيتم توجيه غالبيتها عبر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، لكن إجمالي المساعدات المعلنة تراجع إلى 5.8 مليارات يورو، مقارنة بـ7.5 مليارات في العام الفائت، ما يعكس تراجع قدرة الدول المانحة على تقديم الدعم.

لقد تميز مؤتمر هذا العام بمشاركة الحكومة السورية لأول مرة، وهو ما اعتبره الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل تحولًا إيجابيًا يعكس انفتاحًا سياسيًا دوليًا تجاه دمشق. ورأى في حديثه إلى "العربي الجديد" أن هذه المشاركة قد تساهم في تمهيد الطريق لتخفيف العقوبات الاقتصادية وتعزيز الاستثمار والتنمية. وأوضح أن المساعدات الأميركية كانت محورية لسنوات طويلة، وأن غيابها يضع عبئًا إضافيًا على الجهات الدولية والمحلية لتعويض النقص، إذ شهد المؤتمر تراجعًا في الدور الأميركي، ما أسفر عن فجوة تمويلية ملحوظة أثرت على المناطق الأكثر تضررًا، لا سيما المخيمات شمال سورية.

وأشار المغربل إلى أن الإدارة الجديدة في سورية تواجه اختبارًا حقيقيًا لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، من خلال ضمان توجيه المساعدات بشكل يراعي الشفافية والكفاءة، وأكد أن سوء الإدارة والفساد في الماضي كانا من أبرز التحديات التي واجهتها المساعدات الدولية في مناطق النظام السابق، مما أثر سلبًا على فعالية الدعم.

وأكد المختص بالشأن الاقتصادي أن سورية التي خرجت من حرب طاحنة دمرت اقتصادها وبنيتها التحتية، لا تزال بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي، إذ يعيش أغلب السكان تحت خط الفقر. ومع ذلك، أوضح أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، بعيدًا عن الفساد والمحسوبيات التي أثرت على فعاليتها في السنوات الماضية.

وأشار إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لتحقيق الاستفادة القصوى من المساعدات الواردة، مع تعزيز الشفافية والمساءلة بصفتهما جزءًا أساسي من هذه الجهود. وأكد أن الحكومة قد بدأت بالفعل اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه من خلال الإعلان عن الإطار التنظيمي للعمل الإنساني في سورية، بالتزامن مع مؤتمر بروكسل للمانحين، في محاولة لبناء الثقة وضمان استخدام المساعدات بكفاءة لدعم الشعب السوري وتعزيز التعافي الاقتصادي.

قلق دولي ومواقف مترددة حيال سورية

مؤتمر بروكسل للمانحين جاء ليؤكد وجود توجهات أوروبية وإقليمية ودولية تهدف إلى مساعدة السوريين في تجاوز أزمات مرحلة النظام السابق وبناء مستقبل أكثر استقرارًا في سياق عالمي يشهد تحولات ملحوظة في سياسات المساعدات الدولية، إذ قامت الولايات المتحدة بتقليص أو تعليق مساهماتها الإنسانية على المستوى الدولي، مما يزيد من التحديات التي تواجه الجهود الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة الشعب السوري، ومع ذلك، شدد الباحث السياسي أمجد إسماعيل الآغا في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن هناك تحديات كبيرة تواجه الإدارة السورية الجديدة، خاصة في ما يتعلق بآليات العمل والسياسات المعتمدة حاليًا.

وأشار الآغا إلى أن الحفاوة التي لقيها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، خلال المؤتمر، لا تخفي القلق الأوروبي والإقليمي تجاه المرحلة الانتقالية، وأضاف أن الأحداث الأمنية الأخيرة في سورية أثارت الشكوك حيال نوايا الإدارة الجديدة، خصوصًا في تعاملها مع الأقليات، مما قد يؤثر على مستوى الدعم الدولي لسورية في هذه المرحلة. ورغم التعهدات المالية التي بلغت 6.2 مليارات يورو، منها 4.6 مليارات بصفة منح، فإن المؤشرات تدل على تقييد الالتزامات الأوروبية نتيجة للتطورات الأمنية والاقتصادية الأخيرة في سورية.

وأكد الآغا أن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، تحدثت عن ضرورة وضع الإدارة الجديدة تحت المجهر ومراقبة سياساتها قبل اتخاذ أي خطوات إضافية تتعلق بتقديم مساعدات أو تخفيف العقوبات.

مطالبات غربية وضغوط دولية

وبيّن الباحث السياسي أن الولايات المتحدة أظهرت انحسارًا واضحًا في دورها المعتاد أحد أبرز المانحين، إذ اقتصرت المشاركة الأميركية في المؤتمر على مسؤولين من المستوى الرابع، ورغم تأكيد استمرار تقديم الدعم المحدود بما يتماشى مع القوانين والسياسات الأميركية، فإن واشنطن لم تعلن عن أي مساهمات جديدة، مشيرة إلى ضرورة تحمل الدول الأخرى المسؤولية المالية.

وحذر الآغا من أن انعدام الثقة بالإدارة الجديدة قد يدفع بالدعم الدولي لأن يقتصر على مساعدات عينية تُديرها وكالات ومنظمات دولية، ما يعكس مخاوف من تكرار عمليات الفساد والسرقات التي أثرت سلبًا على فعالية المساعدات في الماضي. ودعا إلى تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. كما أشار إلى المطالبات الغربية بالكشف عن المسؤولين عن المجازر التي وقعت في الساحل السوري ومحاسبتهم أمام القضاء، معتبرًا أن الاستجابة لهذه المطالب ما تزال دون المستوى المطلوب. وأضاف أن هذا الملف يشكل جزءًا من اختبار ثقة المجتمع الدولي بالإدارة السورية الجديدة.

كما أكد أن تعقيد المشهد السوري يتطلب تنسيقًا دوليًا أوسع لضمان استجابة فعالة للتحديات السياسية والاقتصادية. وشدد على أن الإدارة السورية الجديدة أمام اختبار حقيقي لكسب ثقة المجتمع الدولي من خلال سياسات واضحة وشفافة تضمن الاستفادة القصوى من الدعم الدولي وتحقيق استقرار طويل الأمد.

المساهمون