مناطق النفط بؤر للصراع اليمني... شبوة مجرد بداية

مناطق النفط بؤر للصراع اليمني... شبوة مجرد بداية

14 اغسطس 2022
مصفاة نفط في عدن (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

تحولت مناطق اليمن الشرقية إلى بؤر صراعات ساخنة ومواجهات عسكرية، تدور رحاها من وقت إلى آخر في المثلث الجغرافي النفطي الذي يشمل محافظات شبوة ومأرب وحضرموت، في مغزى واضح يدل على طابع هذا الصراع الذي يتركز في الهيمنة على حقول النفط والغاز، وما تمثله هذه المناطق من مواقع استراتيجية يستند إليها الاقتصاد اليمني.

وتتصاعد التحركات المكثفة منذ مطلع العام الحالي 2022، باتجاه قطاع النفط والغاز في محاولة لفرض واقع جديد على المناطق الغنية بالثروات الباطنية، فضلاً عن إعادة النظر في عقود الشركات والاستثمارات النفطية والغازية، والتخطيط لإعادة تشغيل حقول ورفع مستوى الإنتاج في أخرى سبق أن أُعيد تشغيلها بصورة جزئية.

احتقانات مرشحة للتصاعد

وأكد مصدر مسؤول في قطاع النفط، فضل عدم الكشف عن هويته في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يواجه أزمة نقدية حادة وعجزاً حكومياً عن التعامل مع الالتزامات الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي يرتبط حلها أو التعامل معها بالدعم الدولي والمنحة المالية السعودية الإماراتية المقدرة بنحو 3 مليارات دولار المعلنة في إبريل/ نيسان الماضي عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح وفق هذه المصدر يواجه ضغوطاً واشتراطات واسعة للحصول على هذه المنحة، كفرض مكونات سياسية وعسكرية محددة موالية للتحالف في بعض المحافظات، وخصوصاً النفطية، مثل شبوة التي تشهد توترات متصاعدة واشتباكات عسكرية واحتقانات مرشحة للتصاعد باتجاه محافظات ومناطق أخرى مجاورة شرقي اليمن.

وخسر اليمن، وفق تقارير اقتصادية، نحو 6 مليارات دولار من عائدات النفط والغاز منذ اشتعال الحرب في البلاد مطلع عام 2015، التي أدت إلى مغادرة عشر شركات عالمية مستثمرة في القطاع، وعشرات الشركات المحلية في النشاط ومجالات اقتصادية أخرى، إضافة إلى توقف تصدير المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه الموازنة العامة في اليمن المتمثل بالنفط والغاز، ونفاد الاحتياطي من الدولار ودخول البلاد في أتون أزمات اقتصادية وإنسانية وغذائية تصنفها الأمم المتحدة بالأكبر على مستوى العالم.

وبينما حدّت الهدنة الأممية من المواجهات العسكرية المسلحة التي كانت تدور رحاها على تخوم محافظة مأرب النفطية شمال شرق العاصمة صنعاء منذ مطلع عام 2021، بين القوات الحكومية والحوثيين الذين شنوا هجوماً مكلفاً للسيطرة عليها، يلاحظ اشتعال الصراع بين مكونات الحكومة المعترف بها دولياً في شبوة (وسط جنوب البلاد) وبشكل نسبي في حضرموت (شرق)، وهو مرشح أن يمتد خلال الفترة القادمة وفق خبراء اقتصاد ومرافق إلى مأرب خلال الفترة القادمة.

يقول الباحث الاقتصادي اليمني عصام مقبل، لـ"العربي الجديد"، إن الأحداث الجارية على الأرض "عبارة عن فرض واقع جديد مخطط له منذ عام 2015، الذي وصل الآن إلى ذروته بعد الإعلان عن المجلس الرئاسي للإشراف على تنفيذ هذا المخطط وفق أهداف وأجندة قد لا يعلمها بطريقة مباشرة أو خارج إرادته، لكنها أصبحت واضحة وجلية في المساعي الرامية إلى تمكين طرف محدد، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، من زمام الأمور في الحكومة والمحافظات الجنوبية والمواقع الاقتصادية والحقول النفطية، وخصوصاً في شبوة وحضرموت وموانئها ومنافذها البحرية".

وتشكل شبوة تحديداً وحضرموت أهمية كبيرة في الخريطة النفطية لليمن، باحتوائها على ما يزيد على 17 حقلاً نفطياً، منها حقول منتجة وأخرى قطاعات واعدة ومفتوحة للاستكشاف.

ويرى الباحث في مركز الدراسات والأبحاث النفطية اليمنية، أمين العلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهدف القادم من السيطرة على الأرض يتمثل بميناء بلحاف في شبوة، وكذلك إعادة تشغيل مشروع الغاز المسال وخطوط الإمداد والتصدير بين مأرب وشبوة بضغط من التحالف العربي.

السيطرة على ميناء بلحاف

وطالبت مكونات سياسية ومحلية في محافظة شبوة خلال الفترة الماضية بإخلاء ميناء بلحاف الاستراتيجي من القوات العسكرية المتمركزة فيه والمحسوبة على دولة الإمارات، لكن مطالباتها هذه انتهت بإطاحة المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، وفرض قوات وتشكيلات عسكرية محسوبة على أحد الأطراف الموالية للإمارات انتشرت في محافظة شبوة نهاية العام الماضي، بحجة إخراج الحوثيين من ثلاث مديريات سيطروا عليها في وقت سابق من 2021، وهي مناطق استراتيجية تحتوي على العدد الأكبر من الحقول النفطية في المحافظة.

ويتوقع المحلل الاقتصادي شعيب سالم، أن يكون هناك قرار اتُّخِذ كما يبدو لإزاحة بعض المكونات الحزبية والسياسية والحزبية من المحافظات النفطية لليمن في المناطق الشرقية وتمكين طرف محدد للإشراف عليها في إطار التوجه الجاري لإعادة التصدير الكامل للنفط والغاز المسال كشرط للحصول على وديعة مالية دولارية من التحالف الذي تقوده السعودية. ويرى سالم أن ما يجري فرض أجندة سياسية واقتصادية جديدة لتنفيذها خلال الفترة القادمة، بينما يشهد اليمن أزمات اقتصادية ومعيشية حادة تغذيها الصراعات المشتعلة، حيث تتمدد رقعة الفقر والجوع في مختلف مناطق البلاد في الشمال والجنوب وسط انخفاض ملحوظ للمساعدات الإغاثية الأممية التي تعتمد عليها نسبة كبيرة من السكان في اليمن.

ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز في اليمن إلى 105 حقول يتركز معظمها في محافظات مأرب وحضرموت وشبوة وجزء من محافظة الجوف (شمال شرق صنعاء)، منها 13 حقلاً تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلاً منتجاً وحوالى 81 حقل قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب أغلبها في المياه اليمنية.

ويصل عدد الشركات العاملة في مجال الاستكشاف في اليمن حوالى تسع شركات، وهناك تسع شركات إنتاجية. فيما تقدر بيانات رسمية المخزون النفطي في البلد بنحو 11.95 مليار برميل، منها 4.78 مليارات برميل نفط قابل للاستخراج بالطرق الأولية والحالية، ووصل إجمالي النفط المنتج حتى ديسمبر/كانون الأول 2018، وهو إنتاج تراكمي لجميع القطاعات منذ 2015 إلى حوالى 2.9 مليار برميل، بينما وصل إجمالي المخزون الغازي إلى نحو 18.28 تريليون قدم مكعب.

ويغطي حقل صافر للنفط والغاز في مأرب احتياجات اليمن من غاز الطهو المنزلي بنسبة تقدر بحوالى 75%، فيما تحمل مئات الشاحنات حوالى 350 ألف قنينة من الغاز تصل يومياً إلى معظم المحافظات اليمنية، سواء الواقعة في النطاق الجغرافي للحكومة المعترف بها دولياً، أو التي يسيطر عليها الحوثيون، مع ارتفاع حجم الاستهلاك المحلي في اليمن إلى نحو 600 ألف قنينة في اليوم، وهو رقم كبير يؤدي عند نشوب أي مشكلة إلى زيادة الطلب، ومن ثم يشكل ضغطاً كبيراً على الجهات المعنية بالتسويق والتوزيع.

تصدير كميات محدودة من النفط الخام

ومنذ بداية إبريل/نيسان 2015، توقف تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، باستثناء تصدير كميات محدودة من النفط الخام، ما ساهم بقوة في تقليص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد وتدهور العملة الوطنية.

ووصلت نسبة الفقر وفق تقديرات رسمية إلى نحو 80% من السكان، مقارنة بنحو 49% في آخر عام قبل اندلاع الحرب، فيما يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 17 مليوناً إلى مساعدات لتلبية احتياجاتهم اليومية، وفق الأمم المتحدة.

وباتت كلفة الأغذية الأساسية أعلى من أي وقت مضى في اليمن، مع تدهور الاقتصاد وفقدان العملة نسبة كبيرة من قيمتها، في ظل بروز تحديات عديدة فرضت المزيد من التعقيدات على استيراد الغذاء، وهو ما يهدد بوقوع ملايين الأشخاص في البلاد التي تعاني من فقر مدقع، في براثن الجوع الشديد.

وتشير المعلومات المتاحة للبنك الدولي إلى أن الاقتصاد اليمني استمر في الانكماش في عام 2021، متأثراً بعدم استقرار الاقتصاد الكلي، وتصاعد الأعمال العدائية، والأمطار الغزيرة والفيضانات، التي ألحقت أضراراً بأماكن الإيواء والبنية التحتية.

ويؤكد البنك الدولي في أحدث تقاريره عن اليمن أنه بسبب ذلك، دُمرت سبل كسب العيش، فيما ظل حجم إنتاج النفط أقل كثيراً من مستويات ما قبل الصراع، على الرغم من التحسينات الطفيفة التي شهدتها السنوات الأخيرة.

المساهمون