استمع إلى الملخص
- تونس وتحديات الهيدروجين الأخضر: تواجه تونس انتقادات بشأن استغلال الموارد المحلية لصالح الشركات الأجنبية في مشروع الهيدروجين الأخضر، مما يثير مخاوف من "استعمار متجدد" ويدعو لفتح نقاش حول البدائل.
- مزايا المشروع لأوروبا: يوفر المشروع لأوروبا فوائد اقتصادية وبيئية، مثل تقليل تكاليف إزالة الكربون، مستفيدة من البنية التحتية الجزائرية لنقل الغاز، مما يعزز فعالية المشروع الاقتصادية.
تسعى الجزائر لأن تصبح "مركزاً إقليمياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر" وتصديره إلى أوروبا. وحسب مراقبين، ستكون الجزائر متفردة في هذا المجال مقارنة بسعي أكثر من طرف في الشرق الأوسط إلى أن تصبح بلاده "مركزاً إقليمياً للغاز" لأوروبا، خاصة مصر وإسرائيل وتركيا.
وقد أكد وزير الطاقة والتعدين الجزائري محمد عرقاب للإذاعة الجزائرية، يوم 21 يناير/ كانون الثاني 2025، أن "الجزائر تسعى لتكون مركزاً إقليمياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، بما يسهم في تنويع إمدادات الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية".
وقال رئيس تجمع الطاقات الخضراء الجزائري بوخالفة يايسي، لموقع الشروق الجزائري، في 20 يناير 2025، إن مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي بين الجزائر والدول الأوروبية من شأنه أن يُعزّز أكثر "محور الجزائر – روما" الطاقوي.
من المستفيد؟
منذ توقيع وزراء الطاقة في خمس دول (
وتونس وإيطاليا والنمسا وألمانيا)، يوم 21 يناير 2015، "الإعلان المشترك للنيات السياسية"، الخاص بمشروع "ممر الهيدروجين الجنوبي" (SoutH2 Corridor) الاستراتيجي، والحديث يدور بين خبراء الطاقة حول تقييم عوائده ومخاطره، ومن المستفيد أكثر منه؟ الدولتان العربيتان، أم الدول الأوروبية الثلاث؟
ويمتد هذا المشروع على مسافة 3300 كلم، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 500 و900 كلم في أراضي الجزائر وتونس، ويربط بين خمس دول هي الجزائر وتونس وإيطاليا والنمسا وألمانيا، بقدرات نقل تُقدر بأربعة ملايين طن سنوياً.
ويؤكد خبراء طاقة مغاربة أن المشروع سيفيد الجزائر وتونس في جذب الاستثمارات الأجنبية ويدعم السوق المحلية ويخلق فرص عمل جديدة ويعزز الابتكار، إلا أن مراقبين حذروا من سلبيات للمشروع على تونس. وشدد الاتفاق على أهمية ممر الهيدروجين الجنوبي في تعزيز القدرات وتطوير المهارات اللازمة، وتحديد احتياجات التمويل وآليات تقليل المخاطر، حسب بيان النيات المشترك.
تونس... "استعمار متجدد"
تسعي تونس لإنتاج ما يفوق ثمانية ملايين طن من الهيدروجين الأخضر في غضون سنة 2050، حيث سيُصدّر الجزء الأكبر منها نحو أوروبا، حسب ما قال عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة بتونس إلياس بن عمار لصحف تونسية.
وأشار إلى سعي بلاده للاستفادة من محاولة الاتحاد الأوروبي الاستثمار بقوة في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر للتخلص من تبعيتها للغاز الروسي، حيث يرى الاتحاد الأوروبي أن أفريقيا، القريبة جغرافياً، تحتوي على مخزون كبير من الطاقات المتجددة التي يمكن استغلالها لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
لكن بن عمار قال إن ''الهيدروجين الأخضر استغلال مفرط للأراضي والمياه في تونس، كما يفيد أوروبا أكثر"، مؤكداً أن "الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ليست في صالح الدولة والمواطن لأسباب متعددة".
وأوضح بن عمار أنه ستُستغَل 500 ألف هكتار من الأراضي في الجنوب التونسي لتركيز تجهيزات ومعدات الطاقات المتجددة من قبل الشركات الأجنبية، بالإضافة إلى استغلال الثروة المائية، وخاصة مياه البحر، بعد إجراء عملية التحلية، بمعدل يصل إلى 260 مليون متر مكعب حتى سنة 2050، أي ما يعادل ربع احتياجات البلاد من مياه الشرب.
كما أشار إلى أنه ستُركّز قنوات لنقل مياه البحر بعد تحليتها إلى مراكز الطاقة المتجددة في الجنوب لإنتاج الهيدروجين، على أن يُصدّر 80% من الإنتاج إلى ألمانيا تحت إشراف الشركات الأجنبية، وطالب الدولة التونسية بفتح نقاش جدي نظراً إلى وجود بدائل أكثر نجاعة، من دون الحاجة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، حسب ما نقل عنه موقع موزاييك في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
وامتلأت صحف تونسية بتعليقات تصف المشروع بأنه "استعمار متجدد"، حيث وصفت صحيفة انحياز مشروع الهيدروجين الأخضر في تونس بأنه "خضوع قديم لاستعمار متجدد، وآلية جديدة للنهب والاستغلال".
وتساءلت إذاعة SON FM: هل الهيدروجين الأخضر إذعان لحاجيات أوروبا أم خلق للثروة؟"، ووصفته صحيفة صوت الشعب بأنه "استنزاف الموارد لصالح الاستعمار الجديد".
مزايا عدة لأوروبا من الهيدروجين الأخضر
فيما يشير خبراء الطاقة الأوروبيون إلى أن المشروع سيفيد أوروبا بشكل أكبر من زاويتين: الأولى توفير الرسوم الجديدة على نزع الكربون، التي كانت ستتكفلها أوروبا مع دخول هذه الرسوم الخاصة بنزع الكربون حيز التطبيق بداية من أول يناير 2026، وذلك مقارنة بالهيدروجين الأخضر الرخيص والمناسب للمناخ.
وقد أشار إلى هذا وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني بتأكيده لموقع أفينير الإيطالي، في 21 يناير 2025، أن المشروع سيفيد روما في تحقيق أهداف "إزالة الكربون واستقلال الطاقة بطريقة ملموسة وعملية"، ويخفض الأسعار ويسمح بتطوير المصادر المتجددة والهيدروجين.
أضاف: "نحن نقوم بذلك من خلال التركيز على الهيدروجين المتجدد ومنخفض الكربون، الذي تعده إيطاليا أساسياً لأهداف إزالة الكربون بما يتماشى مع الالتزامات التي جرى التعهد بها في الخطة الوطنية المتكاملة للطاقة والمناخ لعام 2030".
أما الميزة الثانية لأوروبا، فهي الاستفادة من البنية التحتية الجزائرية لنقل الغاز في اتجاه أوروبا، والتي ستؤدي لتقليص تكاليف إنجاز المشروع، بالمقارنة مع مشروعات مماثلة، حيث تقدر تكلفة المشروع حسب المعلومات المتداولة بما بين 5.2 مليارات و5.9 مليارات يورو، فيما كانت التقديرات ستتضاعف عدة مرات لو لم يكن سيُستفاد من خط الأنابيب الجزائري (ترانسميد).
ويعتبر خط أنابيب "ترانسميد" الجزائري، عبر البحر الأبيض المتوسط، أكبر أنابيب النفط والغاز في أفريقيا، حيث يصل طوله إلى 2475 كيلومتراً، وينقل الغاز من الجزائر إلى إيطاليا، عبر تونس وصقلية، وتبلغ سعته 110 ملايين متر مكعب يومياً، ما سيفيد في تخفيض تكاليف مشروع نقل الهيدروجين الجزائري نحو أوروبا مروراً بتونس، باستعمال البنية التحتية من أنابيب هذا الخط "ترانسميد".