مليار يورو فاتورة الإضراب في إيطاليا احتجاجاً على قرصنة أسطول الصمود

12 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 21:35 (توقيت القدس)
متظاهرون أمام محطة القطارات في ميلانو، 22 سبتمبر 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت إيطاليا إضرابًا واسع النطاق في 3 أكتوبر، دعت إليه اتحادات العمل احتجاجًا على القرصنة الإسرائيلية واعتقال النشطاء الإيطاليين، مما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة تقدر بنحو مليار يورو.
- شمل الإضراب قطاعات حيوية مثل النقل والخدمات العامة والصحة، مما تسبب في تعطيل كبير وإلغاء أكثر من 1.2 مليون خدمة طبية، مع خسائر تقدر بنحو 970 مليون يورو، ما يعادل 8% من الناتج اليومي لإيطاليا.
- أثار الإضراب جدلاً سياسيًا، حيث وصفه وزير النقل بأنه "غير مشروع"، بينما دافعت النقابات عن حقها في الإضراب، مؤكدة على أهمية الضغط الاقتصادي لتغيير السياسات.

كبّد الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد الإيطالي العام للعمل "Cgil" والاتحاد النقابي الأساسي "Usb" تحت شعار "لنوقف كل شيء"، يوم الجمعة 3 أكتوبر/تشرين الأول تنديداً بالقرصنة الإسرائيلية لأسطول الصمود العالمي واعتقال النشطاء الإيطاليين المشاركين فيه والتعبير عن التضامن مع غزة، اقتصاد إيطاليا خسائر جمّة قاربت المليار يورو. وشمل الإضراب قطاعات النقل والخدمات العامة والخاصة، وتسبب في إلغاء العديد من رحلات القطارات والحافلات وتأخيرها، مع ضمان الحد الأدنى من الخدمات.

وذكرت صحيفة "إل جورنالى" الإيطالية في تقرير نشرته  السبت 4 أكتوبر، أن الحراك كلّف المنظومة الاقتصادية في إيطاليا ما يصل إلى مليار يورو، وفق تقديرات أولية، متسبباً في شلل قطاعات حيوية وتوقف خدمات أساسية.

اقتصاد إيطاليا يتعطل

وأوضحت الصحيفة أن الأرقام تتحدث بوضوح، ففي قطاع النقل، أدت الإضرابات إلى تعطّل حركة القطارات والشاحنات، ما كبّد البلاد خسائر مباشرة تقارب 260 مليون يورو. ومع توقف قطارات البضائع والركاب، اضطرت الشركات إلى تعويض التذاكر أو خسارة الزبائن لصالح وسائل نقل بديلة، بينما تعطلت سلاسل التوريد الدقيقة التي تعتمد على نظام الإنتاج في الوقت المحدد "just in time"، حيث يكفي تأخير بضع ساعات لتجميد خطوط الإنتاج وتكبيد الشركات غرامات وتعطيل الصادرات. وأضافت أن النتيجة كانت موانئ مشلولة وحاويات متوقفة واقتصاداً متعثراً. كذلك تضرر المواطنون مباشرة من الاختناق المروري وضياع ساعات العمل وتراجع الإنتاجية، ما انعكس سلباً على صورة إيطاليا دولةً صناعيةً مندمجةً في سلاسل الإنتاج العالمية.

وتابعت الصحيفة أن آلاف المدارس أغلقت أبوابها، ما أجبر ملايين الآباء على البقاء في المنازل، فيما تسبب توقف الإدارات العامة والمكاتب الحكومية في تجميد المعاملات والرخص والمشاريع. وقدرت خسائر هذا القطاع بنحو 130 مليون يورو، فضلاً عن التكاليف الأمنية الناجمة عن مراقبة التظاهرات وتخصيص مئات رجال الشرطة لحماية الشوارع والساحات.

قطاع الصحة

وأدى الإضراب في يوم واحد، بحسب تقديرات صحيفة "كووتيديانو سانيتا" الإيطالية، إلى إلغاء أكثر من 1.2 مليون خدمة طبية، من بينها نحو 15 ألف عملية جراحية و100 ألف فحص متخصص، وهو ما يعادل خسائر تقدّر بنحو 579 مليون يورو. إلا أن الأثر لا يُقاس بالأرقام فقط، إذ إن إرجاء العمليات أو توقف علاج أصحاب الأمراض المزمنة يؤدي إلى تدهور حالات المرضى وإطالة فترات التعافي وزيادة التكاليف المستقبلية على المنظومة الصحية.

وختمت "إل جورنالى" بقولها: "تُظهر البيانات أن مجموع الخسائر في قطاعات الصحة والنقل والتعليم والإدارة العامة يبلغ نحو 970 مليون يورو، أي ما يعادل 8% من الناتج اليومي للبلاد. لكن الخبراء يؤكدون أن التكلفة الحقيقية أكبر من ذلك، إذ تمتد آثار الإضراب إلى المستقبل عبر خسارة الثقة وتعطل الاستثمارات وتراجع القدرة التنافسية".

وقالت المتحدثة باسم حركة خمس نجوم في مجلس النواب الإيطالي، النائبة ستيفانيا أسكاري: "لقد شاركت أنا أيضاً في هذه الاحتجاجات، في اليوم الذي توقّفت فيه إيطاليا لنقول كفى للإبادة الجماعية في غزة، كفى للاحتلال غير الشرعي للضفة الغربية، وكفى لتواطؤ حكومتنا مع الدولة الإرهابية إسرائيل".
وأكدت النائبة الإيطالية لـ"العربي الجديد" أن "العقوبات والمقاطعات والإضرابات التي تصيب الاقتصاد هي أقوى أشكال الضغط، لأنها تمسّ المصالح الاقتصادية التي يقوم عليها النفوذ السياسي. وعندما يصبح الضرر الاقتصادي واضحًا، تُجبر الحكومة على تعديل مواقفها".

وأضافت أسكاري: "لقد كان مشهدًا مؤثّرًا أن ترى هذا العدد الهائل من الأشخاص الذين يرفضون إسكاتهم، والذين يختارون ألّا يديروا ظهورهم لما يحدث. لقد أثبتنا أنّه عندما يتقاعس من هم في السلطة عن أداء واجبهم، ينهض الشعب ويجعل صوته مسموعًا". ولفتت إلى أننا "نشهد الأمر عينه مع ناشطي أسطول الصمود العالمي وناشطاته، فضغط الرأي العام يُجبر الحكومة على التحرك. حتى الأفعال اليومية مثل مقاطعة الشركات المتعاونة مع إسرائيل، وسحب الاستثمارات من البنوك التي تموّل الإبادة، ونشر المعلومات المضادة، جميعها تترك أثرًا حقيقيًا على الحكومات والسياسات والاقتصاد"، معربة عن اعتقادها أن "التأثير الاقتصادي هو العامل الرئيسي الذي يدفع الحكومات إلى التحرك. فالحرب، في نهاية المطاف هي أيضًا تجارة، كما قال جوليان أسانغ، والصناعات الحربية تجني أرباحًا طائلة وتطمح إلى حرب لا تنتهي".

الحكومة تنتقد

من جهته، وصف وزير النقل وزعيم رابطة الشمال اليمينية المتطرفة، ماتيو سالفيني، الإضراب بأنه "غير مشروع"، مستنداً إلى تصريحات رئيسة اللجنة المستقلة لضمان الإضراب بشأن عدم مشروعية هذا الإضراب بسبب غياب الإشعار المسبق، وأعلن عزمه فرض عقوبات أشد تتمثل باللجوء إلى إجراء التشغيل الإجباري الذي يحول الإضراب إلى مجرد تعطيل محدود (من خلال تخفيض عدد ساعاته أو إرجائه أو تجميع عدد من الإضرابات لتنفذ في تاريخ واحد). وردّ الأمين العام للاتحاد الإيطالي العام للعمل، ماوريتسيو لانديني، بأن تصريحات الوزير "غير مقبولة"، مؤكداً أن من يُضرب يتخلى عن أجرة يوم عمل واحد، مستنداً إلى القانون الإيطالي، الذي يجيز إعلان إضراب عام من دون مهلة عشرة أيام في حال وقوع أحداث جسيمة وغير متوقَّعة تمسّ النظام الدستوري أو سلامة العمال (في هذه الحالة هم أولئك المشاركون في أسطول الصمود). ومن جانب المعارضة، دافعت زعيمة الحزب الديمقراطي، النائبة إيلي شلاين، عن الحق الدستوري في الإضراب، متهمة الحكومة بمحاولة تقويضه.

المساهمون