مقالة الحسن بن طلال عن السلام

مقالة الحسن بن طلال عن السلام

04 مارس 2021
احتجاجات فلسطينية في غزة ضد الجوع والفقر والاحتلال
+ الخط -

نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالاً الأسبوع الماضي، بقلم الأمير الحسن بن طلال، يحضّ فيه الإسرائيليين على الدخول بجدّية في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وتحدث فيه عن الفوائد والمكتسبات التي ستتحقق من هذا الأمر.

وقد أثار المقال ردود فعل كثيرة معظمها مؤيد، والقليل منها رافض أو ناقد. وسوف أستعرض فيما يلي مسيرة الأمير، خصوصاً ما يتعلق منها بإسهاماته في حل القضية الفلسطينية أو لفت الأنظار إليها، ودوافعه لكتابة المقال.

رافق الأمير الحسن بن طلال مسيرة الأردن وأحداثه، منذ اختاره الراحل الملك الحسين بن طلال ولياً للعهد في فترة عصيبة جداً على الأردن، فقد كانت الفترة انتقالاً مِن بقايا تبعية الأردن للكومونولث البريطاني إلى القوة الدولية الجديدة، وهي الولايات المتحدة. وفي عام 1956، شهد الأردن تعريباً للجيش العربي الأردني، حيث قام الملك الحسين بتنحية البريطاني المخضرم، جون باغوت غلوب، عن قيادة الجيش الأردني.

وشهدت تلك الفترة أيضاً الانتقال من منطقة الجنيه الإسترليني إلى نظام الدولار. ولذلك ألغي مجلس النقد الأردني ودائرة العملة، وأُنشئ بدلاً منهما البنك المركزي الأردني الذي صدر قانونه في نهاية عام 1962، وأُعْلِنَ بَدْءُ البنك المركزي أعماله رسمياً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1964.

وفي ذلك العام، عدّل الدستور الأردني ليُحدد أن ولي العهد يكون الابن الأكبر للملك أو أحد إخوته، ما سمح بتنصيب الأمير الحسن ولياً للعهد، لأن الابن الأكبر للملك الحسين كان الأمير عبد الله بن الحسين أكبر أبناء الملك سناً، والذي لم يتجاوز عمره حينها سن الثالثة وبضعة أشهر. واستمر الأمير الحسن ولياً للعهد 34 عاماً انتهت باختيار الأمير الشاب عبد الله بن الحسين ثانيةً ليكون ولي عهد الراحل الملك الحسين عام 1999، أو بمدة أقل من شهر من وفاة الحسين يوم السابع من فبراير/ شباط من ذلك العام.
وقد عمل الأمير الحسن بدأب ونشاط منقطع النظير في خدمة الأردن والعرش الهاشمي، وأنشأ خلالها مؤسسات عديدة، مثل الجمعية العلمية الملكية، والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة الأميرة سمية، ومنتدى الفكر العربي عام 1980.

وكان له حضور دولي وإقليمي كبير، ومثّلَ الملك الحسين في مؤتمرات ومنتديات دولية كثيرة، وساهم بقوة في عدد كبير من اللجان الدولية أو بترؤسها. وكانت له مساهمات أخرى، أهمها ملازمته عملية التخطيط الاقتصادي في الأردن، فكان المشرف على الخطة الثلاثية الأولى 1973-1975، وساهم بعنفوان مع الحكومة في الخطة الخمسية الأولى 1976-1980، والخطة الخمسية الثانية 1986-1990.
ولما بدأت عملية مدريد للسلام عام 1991 كان يحضر مع الوفد الأردني، موجّهاً لكل المواقف التفاوضية من مختلف القضايا. وظل متابعاً للموضوع حتى توقيع المعاهدة عام 1994، واستمرّ في المتابعة بعد ذلك.

وظل مكتبه متابعاً منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 كل القضايا، خصوصاً اللاجئين والنازحين، والحقوق التراكمية للشعب الفلسطيني، والمستوطنات ووضع خرائطها، والتي اعتمدت عليها منظمة التحرير في متابعة هذا الملف. وهو الذي تابع موضوع القدس وأوضاعها، والإجراءات التهويدية فيها، أو الاستملاك، وفي تطبيق بنود الوصاية الهاشمية عليها.
وبسبب ثقافته الرفيعة، فهو خريج جامعة أكسفورد، وأحد "علماء رود" (Rhode Scholar)، وإتقانه اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والتركية، فقد فتحت له أبواب التواصل مع آلاف الذوات والشخصيات الفاعلة عبر بلدان العالم المختلفة. وهو مدمن عملٍ دائم، ويتمتع بذاكرة جامعة قوية.

وقد ألّف عدداً من الكتب عن القضية الفلسطينية وعن القدس، وعن حق تقرير المصير للفلسطينيين، وألقى عشرات الخطابات العلمية تناول فيها موضوع المستعمرات الإسرائيلية واللاجئين، والأمن الإقليمي. وهو صاحب نظرة مستقبلية ونظرة واقعية. ويَحْكُم فكرَهُ أمران: الإطار العلمي الرصين القائم على الدراسات ومناقشتها عند تحديده أي مقاربة لموضوع مهم واستراتيجي. وتحكمه، من ناحية أخرى، واقعية سياسية ترفض إنكار الحقائق على الأرض.

ومن اطلاعه على التاريخ فإنه يستهدي بالحكمة الشهيرة "من لا يعرف التاريخ يُحْكم عليه بتكراره"، ولذلك فنظرته إلى التاريخ ليست نظرة حالمة، بل واقعية لا تجعله أسيراً للتاريخ، بل مُسخراً لدروسه من أجل المستقبل.
ومنذ توقيع معاهدة السلام، بدأ ينظر إلى المنطقة المكونة من مثلث القدس/ تل أبيب/ عَمّان على أنها منطقة جغرافية واحدة متداخلة مترابطة عبر التاريخ، بغضّ النظر عمّن يسكنها. وقد تنبأ عام 1992 بأن عدد السكان في الأردن وفلسطين التاريخية سوف يبلغ حوالي 25 مليون نسمة عام 2030، ولكن ما حصل أن عدد سكان المنطقة بلغ هذا الرقم عام 2020، وأن جميع القاطنين فيها سيحتاجون مزيداً من الطاقة، والمياه، وغيرهما.

ويبدو أن الجهة الوحيدة التي نجحت منذ عام 1994 في تأمين مواردها المائية من الطاقة والتكنولوجيا المتطورة هي إسرائيل، والتي وصلت إلى مرحلةٍ تعتمد فيها، إلى حدٍّ كبير، على نفسها بحكم الاحتلال، وعلى ما تغتصبه من مياه الأهل في الضفة الغربية، وما تَبْتَزُه من مصادر الغاز في البحر المتوسط، ليس من الفلسطينيين وحدهم، ولكن من كل الدول العربية المطلة على ذلك البحر.

ودعوة الأمير الإسرائيليين إلى إدراك أن النمط الذي يسيرون عليه في حرمان أهل فلسطين من المياه والطاقة، وارتفاع ضغط الزيادة السكانية الكبيرة في الأردن على موارده المحدودة من المياه والطاقة، وما يرافق ذلك من تدهور البيئة، لا يمكن أن يمنح إسرائيل أمنها الذي تسعى إليه.

إن أمن إسرائيل يتحدّد، بالدرجة الأولى، من علاقاتها مع دول الطوق أولاً وقبل كل شيء. وإذا لم يتحقق الأمن الغذائي والمائي في هذه الدول، لن يكون ذلك في صالح إسرائيل وأمنها.
هذا خطاب قوي وعاقل لإسرائيل المقبلة على الانتخابات في نهاية هذا الشهر، وللمرة الرابعة في آخر سنتين. ومقال الأمير الحسن يريد أن يذكّر الإسرائيليين بأن العرب يريدون السلام حسب المبادرة العربية، والتي إن تحققت، ستفتح الباب على التعاون لصالح الجميع.

المساهمون