استمع إلى الملخص
- تتضمن قائمة المرشحين لحاكمية البنك المركزي أسماء بارزة مثل كميل أبو سليمان وسمير عساف، ويتطلب التعيين مرسومًا من مجلس الوزراء، مع استمرار مبدأ المحاصصة في التعيينات.
- تؤكد المحامية دينا أبو زور على أهمية اختيار حاكم جديد بعيدًا عن المحاصصة، مع التركيز على الكفاءات لمعالجة الأزمة المالية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ضمن خطة تعاف شاملة.
تنتظر العهد الجديد في لبنان استحقاقات عدة وتحديات كبرى مع انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسًا للبلاد وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة، ومن أبرز هذه التحديات تعيين حاكم أصيل للبنك المركزي بعد أن حال الشغور الرئاسي الذي استمر منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022 حتى 9 يناير/كانون الثاني الجاري دون إتمامه.
ومع انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو/تموز 2023، التي تُعدّ الأطول في تاريخ حاكمية مصرف لبنان تولى نائبه الأول، وسيم منصوري، مهام الحاكم بالإنابة، إلى حين تعيين حاكم أصيل، وذلك في ظلّ الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات.
اليوم، يعود ملف تعيين حاكم مصرف لبنان إلى الواجهة مع دخول لبنان فصلًا جديدًا في الحياة السياسية، إذ يتوقع كثر أن يشهد البلد نهجًا مختلفًا يعتمد على الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقضائية.
تغيير من شأنه أن ينعكس على تعيين حاكم جديد للبنك المركزي صاحب الدور المحوري في الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية، وسط احتجاز أموال المودعين في المصارف منذ عام 2019. إذ لطالما كان ملف تعيين حاكم مصرف لبنان، مرتبطًا بالمحاصصة السياسية وأدخل في سوق التسويات.
ومن الأسماء التي تطرح في هذا السياق على طاولة المرشحين لحاكمية البنك المركزي، وزير العمل الأسبق والخبير المالي كميل أبو سليمان (المحسوب على القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع)، والمصرفي سمير عساف الذي كان من الأسماء المطروحة أيضًا لرئاسة الجمهورية ويتمتع بعلاقات دولية أبرزها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
كذلك، تم طرح اسم وزير المال الأسبق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، الذي كان مرشح قوى معارضة لحزب الله لرئاسة الجمهورية في الفترة الماضية، بالإضافة إلى وزير الاقتصاد الأسبق منصور بطيش (المحسوب على التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل)، والمدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني. ويُتوقع أن تستمر فترة طرح الأسماء في الأشهر المقبلة.
وتعاقب على منصب حاكم مصرف لبنان منذ استحداثه عام 1963، أربعة أشخاص هم فيليب تقلا، إلياس سركيس، ميشال خوري، وإدمون نعيم، قبل أن يتولى رياض سلامة هذا المنصب منذ عام 1993 حتى 2023، حيث جُدد له أربع مرات لتصبح ولايته الأطول لمصرف مركزي في العالم.
آلية تعيين حاكم مصرف لبنان
توضح المحامية ورئيسة منظمة "ريفرم" دينا أبو زور لـ"العربي الجديد"، أن المادة 18 من قانون النقد والتسليف تنصّ على أن الحاكم يُعيّن لست سنوات بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية. أما نواب الحاكم الخمسة، فيتم تعيينهم بمرسوم في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم.
ويجب أن يتوفر لدى الحاكم ونوابه الشهادات الجامعية والخبرة اللازمة والصفات المعنوية التي تتطلبها وظائفهم، ويمكن تجديد ولاية الحاكم ونوابه مرات عدة. وتضيف أبو زور أن مبدأ المحاصصة لا يزال موجودًا في التعيينات لهذه المناصب، حيث يجب أن يكون الحاكم من الطائفة المارونية، وهو ما تم تكريسه منذ إقرار قانون النقد والتسليف عام 1963.
وتعتبر أبو زور أن اختيار حاكم جديد لمصرف لبنان في الوضع الحالي أمر بالغ الأهمية، ويجب أن يكون بعيدًا عن منطق المحاصصة السياسية، وأن تتمتع الشخصية المنتخبة بكفاءات علمية وتجربة عملية وإرادة سياسية قوية للعمل من أجل معالجة الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. تعدد أبو زور الخطوات التي يجب أن يتخذها الحاكم الجديد، أبرزها إعادة النظر في الهندسات المالية التي جرت في عهد رياض سلامة، ومتابعة ملفات الفساد وملاحقة المتورطين قانونًا، وإجراء مراجعة لقانون النقد والتسليف وتعديله لتفعيل الرقابة والمحاسبة.
كما يُتوقع من الحاكم الجديد متابعة ملف تسديد ديون الدولة (يوروبوندز) وكيفية التعامل مع الدائنين، جنبًا إلى جنب مع إنجاز التدقيق الجنائي الذي طال انتظاره. وترى أبو زور أن الحاكم الجديد سيتعين عليه التنسيق مع الحكومة والنهوض بالقطاع المصرفي، بما في ذلك إعادة أموال المودعين ضمن خطة تعاف شاملة، بالتوازي مع التشريعات الإصلاحية وإعادة هيكلة المصارف.
من جانبها، ترى الباحثة في القانون الدولي محاسن مرسل، أن هناك تحديات كبيرة أمام الحاكم الجديد، وأبرزها قضية أموال المودعين، واستمرار سياسة التشدد النقدي التي اتبعها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري. كذا، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وكيفية إدارة الدين العام وعلاقاته مع الدائنين. أيضًا، سيكون هناك ترقب لكيفية التنسيق بين السياسة النقدية والمالية. كما أن ملف ميزانية مصرف لبنان وحجم الفجوة المالية الناتجة من السياسات السابقة ستكون من الملفات الأكثر تعقيدًا التي سيواجهها الحاكم الجديد.