معركة على الفكة في أسواق غزة تواجه البائع والمشتري

18 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 01:18 (توقيت القدس)
يشكّل الحصول على نقود تحدياً لسكان غزة، 6 فبراير 2024 (عابد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نقص الفكة وتأثيره الاقتصادي: تعاني غزة من نقص حاد في الفئات النقدية الصغيرة، مما يؤثر على حركة البيع والشراء. توقف إدخال العملات وتدهور جودتها زاد من التحديات اليومية للبائعين والمشترين، مع عزوف عن الفئات الأكبر بسبب الشائعات حول صلاحيتها.

- التحديات اليومية: المواطنون والتجار يواجهون صعوبات في إتمام المعاملات بسبب نقص الفكة. الحلول الجزئية مثل مبادلة الفكة مقابل عمولة تزيد من تعقيد الأزمة وتثقل كاهل المستهلك.

- الأبعاد السياسية والاقتصادية: الأزمة تعكس سياسات الاحتلال الإسرائيلي للتحكم في سوق النقد، مما يحد من قدرة المؤسسات المحلية على إدارة السيولة ويدفع نحو اختناق اقتصادي.

تعصف بأسواق قطاع غزة أزمة حادة في توفير الفئات النقدية الصغيرة، أو ما يعرف محلياً بـ"الفكة"، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على حركة البيع والشراء اليومية.

ومع توقف إدخال العملات منذ قرابة العامين، وتدهور جودة المتداول منها وفقدان الثقة في أخرى، أصبح التعامل النقدي تحدياً يومياً يواجه البائع والمشتري على حد سواء.

وتفاقمت الأزمة مع عزوف كثير من التجار والمستهلكين عن التعامل بالفئات النقدية الأكبر مثل الـ10 شواكل المعدنية ومن فئة 20 شيكلاً الورقية، إما بسبب الشائعات التي طالت صلاحيتها وإما نتيجة اهتراء الأوراق النقدية، مما ضاعف الضغط على العملات المعدنية والفئات الصغيرة. هذا النقص لم يقتصر أثره على قطاعات محددة، بل مسّ كل مفاصل الحياة الاقتصادية في غزة.
ويرى خبراء اقتصاد أن الأزمة تعكس أبعاداً سياسية واقتصادية متشابكة، إذ ترتبط بسياسات الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى التحكم في سوق النقد وتقليص حجم الكاش المتداول، ما يحد من قدرة المؤسسات المحلية في غزة على إدارة السيولة أو دفع الرواتب، ويجعل من "الفكة" عملة نادرة ومحل تنافس يومي.

معاناة يومية

تجول الفلسطينية آلاء عبد النبي، من سكان حي الدرج بمدينة غزة، في سوق الصحابة القريب من مكان سكنها، بورقة نقدية من فئة 20 شيكلاً، لكنها تواجه رفضاً متكرراً من البائعين بحجة عدم توفر الفكة.

وقالت آلاء في حديث لـ"العربي الجديد": "أصبح الحصول على الفكة معاناة يومية، حتى شراء الخبز أو شحن الهاتف أو حاجيات أطفالي يحتاج إلى فكة، وإلا فيرفض البائع البيع".

وأوضحت أن المشكلة لا تقتصر على المخابز أو البقالات، بل تمتد إلى كل تفاصيل الحياة اليومية: "عندما أذهب لشراء الخضار أو دفع أجرة المواصلات، أسمع نفس الجملة، ما في فكة، وهذا يجبرني أحياناً على شراء سلع إضافية لا أحتاج إليها بسبب عدم وجود فكة".

وتعبّر عبد النبي عن استيائها من رفض التعامل بالفئات النقدية الأعلى مثل 10 والورقية من فئة 20 شيكلاً، معتبرةً أن الأمر "غير منطقي" ويزيد من أعباء الناس، خاصة مع الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار.

في المقابل، يواجه بائع البهارات في سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، خالد النباهين، تحديات يومية لإتمام عمليات البيع بسبب أزمة الفكة، قائلاً: "كثير من الزبائن يأتون بورقة 50 أو 20 شيكلاً، للشراء بخمسة شواكل وربما أقل، ولا أجد الفكة اللازمة فأضطر أحياناً إلى رفض البيع وهذا يضر بتجارتي".

وأضاف النباهين في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة تتضاعف مع تلف جزء كبير من العملات الورقية المتداولة، مما يجعل بعض الزبائن يرفضون تسلّمها، حتى لو كانت صالحة قانونياً، أحياناً أقبل ورقة قديمة لأني مضطر، لكنني أجد صعوبة في صرفها مع الموردين أو التجار".

وأشار إلى أن أزمة الفكة ليست مجرد نقص في العملة الصغيرة، بل هي أزمة سيولة متكاملة، لافتاً إلى أن الحلول الجزئية التي يحاول البعض ابتكارها، مثل مبادلة الفكة مقابل عمولة أو زيادة في السعر تزيد من تعقيد الأزمة وتثقل كاهل المستهلك".
وتعود جذور أزمة السيولة النقدية الراهنة في قطاع غزة إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2023، إذ بدأت ملامحها الأولى بالظهور عقب الانكماش التدريجي في عمل القطاع المصرفي، بدءاً من شمال القطاع، ثم سرعان ما امتدت التداعيات إلى مناطق الجنوب. وازداد الوضع سوءاً مع تعرض عدد من البنوك للاستهداف المباشر والتدمير، ما أدى إلى توقفها الكامل عن العمل.
ومع توالي الشهور وتواصل تعطل الخدمات المصرفية، تفاقمت الأزمة المالية على نحو متصاعد، وبرزت ظاهرة "التكييش" بوصفها خياراً شبه وحيد للمواطنين والتجار. وشهدت نسبة العمولة في التكييش في أسواق غزة قفزات متلاحقة، لتصل في بداية شهر أغسطس/ آب الجاري إلى 52%، وهو ما جعل الحصول على السيولة يكلف أضعاف قيمتها، ما فاقم من معاناة الغزيين، قبل أن تنخفض إلى 36% مع عودة الشاحنات التجارية إلى الدخول وعودة الأسواق إلى العمل بالدفع الإلكتروني.

تحييد الكاش

بدوره، أكد الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، محمود صبرة، أن سلطات الاحتلال منحت القدرة لعدد محدود من التجار للتحكم بسوق الصرف، بينما جرى تحييد سلطة النقد والبنوك عن القيام بواجباتها التنظيمية، ما أفرز سوقاً سوداء وأزمات كبيرة في القطاع المصرفي.

وقال صبرة في حديث لـ"العربي الجديد" إن الحلول النظرية موجودة، مثل إلزام التجار الذين يتعاملون بالسيولة بإيداعها في البنوك، ووضع قائمة سوداء للمخالفين، ثم إعادة ضخ السيولة في النظام المصرفي، لكن المشكلة تكمن في غياب سلطة رسمية قادرة على تنفيذ هذا الإلزام. وأوضح أن أزمة الفكة تفاقمت بفعل فقدان الثقة ببعض العملات الورقية والشائعات التي استهدفت فئة الـ10 شواكل، ما أدى إلى عزوف الناس عن تداولها وانتقال الأزمة إلى العملات ذات الطبعات القديمة والمهترئة.

وحذّر صبرة من أن إسرائيل تسعى لتحييد سوق الكاش بالكامل، الأمر الذي خلق حالة اختناق اقتصادي وأضعف النشاط التجاري القائم على السيولة، مشيراً إلى أن ندرة الفكة دفعت المواطنين والتجار إلى التمسك بما لديهم منها، مما عمّق ارتباك حركة السوق.

من جانبه، يرى الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، سمير أبو مدللة، أن الأزمة الحالية مرتبطة بشكل مباشر بالحرب الدائرة على غزة، حيث شنت إسرائيل حرباً شاملة على كل القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك القطاع المصرفي.

وقال أبو مدللة في حديث لـ"العربي الجديد" إن إسرائيل منعت إدخال العملات إلى الأسواق منذ قرابة عامين، في انتهاك واضح لاتفاق باريس الاقتصادي، كما أغلقت البنوك لفترات طويلة بفعل الأوضاع الأمنية، مما أجبر السوق على تداول الأوراق النقدية نفسها حتى اهترائها.

وأوضح أن تحييد فئة الـ10 شواكل المعدنية ورفض فئة الـ20 شيكلاً الورقية بسبب اهترائها، زاد الضغط على الفكة باعتبارها الوسيلة الأساسية لإتمام المعاملات التجارية اليومية، مؤكداً أن الحلول العملية تتمثل في إدخال الأموال عبر سلطة النقد الفلسطينية، والضغط على إسرائيل للالتزام باتفاق باريس، إضافة إلى تشجيع الدفع الإلكتروني بشرط أن يكون بسعر البيع النقدي نفسه، وليس أعلى كما يحدث حالياً.

المساهمون