معركة بين الكونغرس الأميركي ووزارة "الحرب" الجديدة حول موازنة التريليون دولار

06 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 19:48 (توقيت القدس)
ترامب وقّع أمراً تنفيذياً بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى "الحرب"، 5 سبتمبر 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يطالب الجمهوريون في مجلس الشيوخ بزيادة 22 مليار دولار على ميزانية البنتاغون المقترحة للسنة المالية 2026، مما يثير تساؤلات حول أهداف الميزانية وما إذا كانت تهدف إلى "السلام" أم "الحرب".
- هناك تنازع بين مجلسي النواب والشيوخ حول حجم الميزانية، حيث يركز الجمهوريون والديمقراطيون على المواجهة مع ترامب، وتنتقد مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" تبرير الزيادة بأنها لتحقيق السلام من خلال القوة.
- يثير الجدل حول الميزانية تأثير اللوبيات الدفاعية وتضاربها مع الأولويات الاستراتيجية الجديدة، مما يهدد الاستقرار المالي بسبب العجز الناتج عن الإنفاق العسكري.

مع عودة الكونغرس الأميركي من عطلته الصيفية، بدأت معركة بينه وبين وزارة "الحرب" الجديدة، بعدما غيّر الرئيس دونالد ترامب

 اسمها، وذلك حول موازنة البنتاغون للسنة المالية 2026 التي تقدر بتريليون دولار ويريد نواب الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ زيادتها 22 ملياراً إضافية، وسط تساؤلات: هل هي موازنة "سلام" حقاً كما تقول الإدارة أم موازنة "حرب"؟ ولماذا يرتفع الإنفاق العسكري إلى عنان السماء من دون حرب؟ في ظل مخاوف من أن يتجه الصراع في واشنطن نحو إغلاق محتمل لحكومة حال تعطل تمرير الميزانية.

وتكشف مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" (responsible statecraft)، في سبتمبر/ أيلول الجاري، أنّ مجلسي النواب والشيوخ، بقيادة الجمهوريين وبدعم من عدد كبير من الديمقراطيين، يتنازعون على حجم ميزانية البنتاغون، وأن التركيز ينصب بشكل كبير على المواجهة بين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وترامب، بعدما صوّت مجلس النواب على منح ترامب ميزانيته التي طلبها والبالغة تريليون دولار، بينما يطالب مجلس الشيوخ بـ22 مليار دولار إضافية.

وتسخر المجلة من تبرير ترامب وأنصاره هذه الزيادة والسخاء في موازنة الكونغرس بأنّ "السلام يكون من خلال القوة"، وتساءلت: "مبنى الكابيتول الأميركي: لماذا يكلف السلام تريليون دولار؟" محذرة من العودة إلى جنون الرئيس السابق رونالد ريغان في الإنفاق العسكري خلال الحرب الباردة، رغم أن ما أنفقه ريغان ومنحه للبنتاغون في عصره كان أقل بكثير مما يطالب به ترامب ونواب الكونغرس الموالون له.

وكانت موازنة البنتاغون المقترحة لعام 2020، خلال إدارة ترامب الأولى عام 2019، قد بلغت نحو 750 مليار دولار، بينما متوسط ميزانية الحرب الباردة نحو 575 مليار دولار، وميزانية الرئيس باراك أوباما 600 مليار دولار، وفق موقع "بروكينغز" الاقتصادي. وكانت ميزانية وزارة الدفاع في عهد الرئيس السابق جو بايدن للسنة المالية 2022 تعادل 715 مليار دولار لموازنة وزارة الدفاع، في النهاية، اعتمد الكونغرس 740 ملياراً حداً أقصى بعد إضافات أخرى.

وتقول مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" إنه رغم الانخفاض الكبير في الإنفاق عقب نهاية الحرب الباردة، يمر البنتاغون الآن بما يقارب عقدين ونصف عقد من عصر غير مسبوق من الميزانيات الضخمة، ولم يحل المزيد من الأموال هذه المشكلة، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن المزيد منها سيزيد الطين بلة، مشيرة إلى اثنين من أكثر المبررات شيوعاً لارتفاع التكاليف بشكل كبير؛ التكنولوجيا والموظفين. فقبل أربعة عقود، كانت تكلفة أحدث حاملة طائرات في الأسطول "يو إس إس ثيودور روزفلت" 80 مليون دولار، أما اليوم، فإن أحدث حاملة طائرات "يو إس إس جيرالد فورد" تجاوزت الميزانية بمليارات الدولارات، وتأخرت سنوات عن موعدها، وقد تستمر التكاليف في الارتفاع.

لكن المشكلة، وفق المجلة الأميركية، هي أنّ كل برنامج لشراء أسلحة حديثة، أو بنائها، يعاني في البنتاغون من فوضى عارمة، إذ يأتي متأخراً، ويتجاوز الميزانية المخصصة له، وتزيد تكلفته بشكل ملحوظ عن تكلفة الأسلحة والمنصات التي يجرى استبدالها، ولا يمكن إرجاع هذا الانهيار في نظام المشتريات في البنتاغون إلى نقص التمويل.

وتضيف أنه في عام 1985، كان جهاز"CRAY-2" أقوى حاسوب خارق في العالم، تتراوح تكلفته بين 35 مليون دولار و50 مليوناً، وكان وزنه حوالي ثلاثة أطنان، والآن جهاز آيفون الذي يزن بضع أونصات، يكلف حوالي 1000 دولار فقط، وهو أقوى بآلاف المرات من حيث القوة الحاسوبية التي تفوق بكثير ما كان لدى الجيش الأميركي بأكمله قبل أربعة عقود، ولم نكن بحاجة حتى إلى إنفاق مليارات الدولارات للحصول عليها. وينتقد تقرير المجلة الأميركية تبرير البنتاغون حاجته إلى تريليون دولار اليوم للموازنة بـ"دور التكنولوجيا المتقدمة في الجيش"، تتساءل: "لماذا هذه النفقات الباهظة بينما التكنولوجيا اليوم أقوى وأرخص بكثير مما كانت عليه قبل 40 عاماً؟!".

وينتقد التقرير كذلك سعي ترامب وإدارته لموازنة حرب كبيرة بحجة دفع رواتب الموظفين والجنود، مشيراً إلى أن حجم القوات المسلحة في عهد ترامب أصغر بكثير من حجمها في عهد ريغان، ففي عام 1985، كان هناك 2.15 مليون فرد في الخدمة الفعلية مع 1.1 مليون مدني آخرين يدعمونهم، واليوم، أصبحت هذه الأرقام أقل بأكثر من الثلث، "فلماذا ندفع ببساطة المزيد مقابل قوة عاملة عسكرية ومدنية أصغر بكثير مما كانت عليه قبل 40 عاماً؟!".

وتشير المجلة إلى أن جوهر الدعوات اليوم لزيادة الميزانية هو ما يُسمى "عودة تنافس القوى العظمى"، وفي جوهره التنافس بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا، وأن تكلفة الجيش في زمن الحرب أعلى من تكلفة جيش في زمن السلم. وتضيف أن ميزانية ترامب البالغة تريليون دولار أكبر بكثير من ميزانية الماضي القريب، عندما كانت الولايات المتحدة تخوض حربين نشطتين في العراق وأفغانستان، حيث وصل عدد العسكريين النظاميين المنتشرين في مسرح العمليات إلى 200 ألف جندي في آن، "فكيف يطالب ترامب والكونغرس بإضافة 22 مليار دولار لموازنة البنتاغون؟".

وتقول مجلة "ذا هيل" إنّ جميع مكونات الجيش الأميركي أصغر بكثير مما كانت عليه قبل 50 عاماً، إذ يبلغ حجم الجيش حوالي 40% مما كان عليه عام 1975، وانخفض عدد السفن البحرية من 559 إلى 293 سفينة اليوم، وكان لدى القوات الجوية أكثر من 10,000 طائرة آنذاك، وأكثر بقليل من 5,000 طائرة اليوم. وتضيف أن ما يتسلمه الجيش يُسلّم متأخراً بسنوات، وعادةً ما يكون سعره ضعف السعر المُعلن، كما أن العديد من أنظمة الأسلحة لا تعمل بكفاءة عالية، فطائرة "F-35" تعمل في أقل من ثلث الوقت، وتُخرج البحرية سفن القتال الساحلية من الخدمة قبل عقود من الموعد المحدد لعدم قدرتها على أداء المهام التي تحتاجها البحرية، وقد ألغى قادة الجيش برنامج نظام القتال المستقبلي من دون إنتاج أي مركبة تشغيلية.

ما أسباب الجدل في الكونغرس حول ميزانية الجيش؟

ومن أبرز الأسباب التي أثارت الجدل داخل الكونغرس الأميركي بشأن ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون)، وذلك وفقاً لمصادر مطلعة لموقع "لجنة خدمة أصدقاء أميركا"، American Friends Service Committee، ستة أسباب هي:

  • 1- أن معظم الأموال المخصصة الضخمة للدفاع تأتي على حساب الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان، ولها الأولوية مقابل احتياجات المجتمع الأميركي. ففي 2023، استحوذت الإخفاقات العسكرية على حوالي 62% من ميزانية النفقات التقديرية، بينما لم تتلقَ القطاعات الاجتماعية سوى قرابة 38% فقط.
  • 2- ممارسة اللوبيات الضخمة التي تمثل مقاولات الدفاع تأثيراً كبيراً على الكونغرس، وهو تأثير مفرط للصناعات العسكرية (المجمع العسكري-الصناعي) الذي زادت تبرعاته خلال ثلاثة عقود من السيطرة البرلمانية على قرارات التمويل العسكري، وقد كشف السيناتور بيرني ساندرز، عبر موقعه الرسمي، أن الميزانية تُوظّف لدعم الشركات وليس لتحقيق أمن حقيقي، ما يؤدي إلى تعقيد النفقات وزيادة الهدر.
  • 3- من أسباب الجدل في الكونغرس حول ميزانية الجيش الأميركي أيضاً الأزمات المالية وتراكم الديون، حيث توضع ميزانية عسكرية ضخمة من دون مصادر تمويل كافية، ما يؤدي إلى تدهور أوضاع العجز والدين الحكومي. وقد طُرحت بعض المقترحات لتخصيص 5–7% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، ما يهدد الاستقرار المالي طويل الأجل، إذ إن العجز الناتج عن الإنفاق العسكري يشكّل عاملاً رئيسياً في تضخم قروض البلاد والديون المترتبة عليها بحسب "معهد كوينسي".
  • 4- يرى نواب الكونغرس المعارضون هذه الموازنة العسكرية أيضاً أنها تتضارب مع الأولويات الاستراتيجية الجديدة، فالميزانية الأميركية تركز على مواجهة تحديات جديدة مثل المنافسة الاستراتيجية مع الصين عبر مبادرات مثل مبادرة الردع في المحيط الهادئ، وتعزيز القدرات السيبرانية عبر عمليات "Hunt Forward" لتعقب التهديدات الإلكترونية.
  • 5- يشكو نواب أيضاً من سياسات الإنفاق غير الشفافة، ويثيرون القلق من الميزانيات "السرية" (black budgets) التي تُصرف من دون رقابة برلمانية واضحة، ويُقدَّر حجم هذه الميزانيات بحوالي 50 مليار دولار سنوياً للبحوث والتكنولوجيات العسكرية الحساسة.
  • 6- قضايا المحاسبة والرقابة المالية، فوزارة الدفاع لم تتجاوز عمليات التدقيق المالي منذ أعوام، ولا تقدم سجلات مالية شفافة، وهناك تقارير كشفت عن ضعف في محاسبة الأصول ومبلغ ضخم من التعديلات الحسابية غير المدعومة بالأدلة. وقدّر أحد هذه التقارير أن هنالك 125 مليار دولار نفقات هدر ممكن توفيرها من دون تقليص القوات.

المساهمون