استمع إلى الملخص
- انتشار بسطات السلع في الشوارع أدى إلى ارتياح شعبي بسبب الأسعار المعقولة، لكن تعاني من قلة الجودة والتلاعب بالأسعار، مما يتطلب رقابة وتنظيم.
- يواجه السوريون تحديات اقتصادية كبيرة، ويؤكد الاقتصاديون على ضرورة تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات، وربط زيادة الرواتب بمتغيرات الأسعار لضمان تأثير إيجابي.
مر على تشكيل الحكومة الانتقالية في سورية أكثر من ثلاثة أشهر، بعد سقوط النظام وهروب بشار الأسد، إذ تسلمت الحكومة رسمياً مقاليد السلطة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وفي 29 يناير/ كانون الثاني، تولى أحمد الشرع رئاسة سورية في المرحلة الانتقالية. ومنذ ذلك الحين، تلقى السوريون الكثير من الوعود بتحسين ظروفهم المعيشية وزيادة رواتبهم بنسبة تصل إلى 400%، إلا أن القليل قد تغيّر، ومعاناة السوريين لا تزال مستمرة.
ووفق من استطلع "العربي الجديد" آراءهم، ثمة وفرة بالسلع والمنتجات في الأسواق، بعد الانفتاح على دول الجوار وعودة، بعض المنشآت، إلى الإنتاج ورفد الأسواق بالمنتجات البومية. فبسطات بيع المنتجات تحتل الشوارع والأرصفة، ولا رقيب أو آلية ضبط، سوى المنافسة بين الباعة.
كما يشير هؤلاء إلى شهية الصرافة، بعد انتهاء عصر تجريم حيازة العملات الأجنبية فالصرافون في كل شارع، وانتهاء زمن ندرة المحروقات، بعد وفرتها وبيعها على الأرصفة في جميع شوارع سورية.. ولكن، يستدرك سوريون وفق مثلهم المتداول "الجمل بليرة وما في ليرة" بمعنى يوجد سلع ومنتجات وبعضها بأسعار أقل، ولكن لا توجد سيولة لشراء تلك السلع.
تحسن نسبي في معيشة السوريين
يقول علي شباط من حي دمر بدمشق، إن الأسعار عموماً تراجعت عن السابق، لكنها ما زالت مرتفعة بالقياس إلى الدخل المحدود، ويشير شباط العامل في قطاع تجارة التجزئة لـ"العربي الجديد" إلى أن الأسعار ومنذ عشرة أيام، بالتزامن مع شهر رمضان، عادت إلى الارتفاع.
ويضيف أن الغلاء لا يزال مسيطراً، من البنزين إلى أسطوانة الغاز المنزلي وصولاً إلى ربطة الخبز، كما أن الرواتب تتأخر وسقف السحب اليومي من المصارف 200 ألف ليرة، بما لا يتعدى ثمن وجبة غذاء (السعر الرسمي لليرة هو 13 ألفاً مقابل الدولار الأميركي).
ويلفت شباط إلى أن الأسعار تتبدل يومياً وهي لا تخضع لقانون، بل تتأثر بالتسعير اليومي بين الباعة، بناء على سعر صرف الدولار ومدى التنافس ووفرة السلع.
ومن جنوبي سورية إلى شمالها، لم تختلف الشكاوى كثيراً، إذ يؤكد العامل في الشأن الإغاثي، محمود عبد الرحمن من إدلب، وفرة السلع إلى ما فوق الطلب والحاجة، لكن هذه الوفرة لا تنعكس على كسر الأسعار، وكأن التجار والباعة على ثقة بعدم تحسّن الوضع الاقتصادي العام، لفترة سنة على الأقل، لذا يسود التسعير الكيفي وفق التوافق فيما بينهم، مبيناً أن الأسعار في إدلب، ارتفعت أكثر من 50% بعد وصول الحكومة الجديدة.
ويلفت عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إلى أن الذي تغيّر "سلباً" هو زوال سلال المساعدات التي كانت تصل إلى سكان الشمال، فالمساعدات في شهر رمضان وموائد الرحمن، تسدّ قليلاً من الفجوة بين الدخل والإنفاق لدى السوريين ، مشيراً إلى أن محافظة إدلب "أحسن حالاً" من بقية المحافظات، سواء لتوافر الكهرباء والخدمات وحتى للعمالة التي تتقاضى أجرها بالدولار من المنظمات الدولية.
ويشرح الإغاثي السوري أن الحل في تأمين فرص عمل للعاطلين وتحسين أجور الموظفين، لأنه لولا المساعدات الخارجية من ذوي السوريين المهاجرين لتكشّف حال الناس، بحسب رأيه، كما أن ترميم المساكن المهدمة وتأمين مستلزمات المنازل المسروقة، يتطلب وفرة من الدخل الذي لا يكاد يكفي للمعيشة.
اقتصاد البسطات
تتوزع بسطات السلع والمنتجات الغذائية والمحروقات على الطرقات، التي أرخت ارتياحاً شعبياً، جراء الوفرة والسعر المعقول الذي يقل بين 20% و40% عن أسعار المحال، وفق رقيّة ماليل من حي الزاهرة في دمشق، التي تلفت لـ"العربي الجديد" إلى أن الجودة منخفضة ويوجد تلاعب بالنوع واختلاف في الأسعار، حتى ضمن الشارع نفسه، داعية إلى الرقابة والتنظيم.
ويرى الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم أن البسطات هي نتاج حاجة ومرحلة، وستزول بالتتالي، فمن الطبيعي في رأيه، بعد تجريم حيازة العملة الأجنبية أن نرى هذا الكم الكبير من الصرافة في الشوارع، كما أن تداول أكثر من عملة في سورية تفرض ربما وجود صرافة.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن فتح التجارة وزيادة التبادل، مع تركيا والأردن، نتج عنه وفرة وتنوع بالمنتجات، والبسطات بعض طرائق التصريف، غير متنكر إلى أنها غير صحيحة على المدى الطويل، وتحتاج إلى رقابة، على السعر والصلاحية والجودة، كما تحتاج مستقبلاً، إلى تخصيصها بأسواق محددة. ولا يرى الجاسم أن هوية الاقتصاد السوري يمكن أن تحدد من الفوضى الحالية أو انتشار البيع والتصريف على الطرقات، فهي حالة مؤقتة والأسواق تصحح نفسها والمنافسة ستطرد الضعيف وغير القادر على الصمود.
الدخل والإنفاق
ويرى الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن فتح التجارة وزيادة التبادل، مع تركيا والأردن، نتج عنه وفرة وتنوع في المنتجات، ويقدر نفقات الأسرة السورية، بعد التحرير وهروب الأسد وتراجع الأسعار، بأنها لا تقل عن سبعة ملايين ليرة شهرياً في حين كانت بين 9 و11 مليوناً نهاية العام الماضي، فالنفقات اليومية الآن، على الطعام والشراب لا تقل عن مئة ألف ليرة، وهي تقريباً أكثر من 30% من متوسط الدخل، ما يعني أن الحاجة ملحة إلى زيادة الأجور "والتبرير بعدم توافر السيولة أو سرقة نظام الأسد البلد، لا تعني المستهلك".
ويلفت الجاسم إلى أن النمط الاستهلاكي عند السوريين يخفف من الإنفاق، فثمة إدارة وطقوس سورية مثل الطبخ لأيام أو تدوير بعض الأطعمة فضلاً عن التكافل الاجتماعي ومساعدات أهل الخير في شهر رمضان. ولكن، يلفت الاقتصادي السوري إلى تنامي الأمل لدى السوريين ، خاصة إن عادت الكفاءات والرساميل المهاجرة وبدأت الاستثمارات تأتي، لأن سورية بلد مهدم وفيه فرص استثمارية مغرية، وقتذاك، قد تتبدل الأمور بواقع ضخ الأموال وتوفر فرص العمل وعودة الإنتاج.
من جهته، يتساءل أيمن عباس وهو عامل في مؤسسة حكومية بدمشق عن عدم تنفيذ حكومة تصريف الأعمال وعدها بزيادة الأجور، إذ ومن أوائل التصريحات، كان زيادة الرواتب وبنسبة 400% وهو ما لم يتم حتى الآن أو يتم تبرير عدم تنفيذ الوعد. ويلفت عباس لـ"العربي الجديد" أن بعض عمالة القطاع العام تم تسريحها والبعض الآخر تم إلزامها بإجازة بأجر لثلاثة أشهر، الأمر الذي فاقم الوضع المعيشي، بدل أن يحسنه.
واعتبر أن "مصداقية الحكومة على المحك لجهة معيشة السوريين وأن مشكلة تمويل الأجور وتحسين الدخول مشكلة الحكومة وليس الشعب"، مضيفاً أن "عدم وصول مساعدات خارجية أو تتأخر موارد الخزينة، فهذا لا يعني استمرار الفقر الذي تبلغ نسبته نحو 90% كما كان في السابق أو أقل قليلاً". وحول كيف يتعايش السوريون مع الدخل المنخفض، رأي عباس أن "التحويلات الخارجية لم تزل الطريقة الأولى والأهم لسد الفجوة، رغم أن تذبذب سعر الصرف أكل من قيمة التحويلات التي تأتي للأسر السورية من أبنائهم المهاجرين".
وللإنصاف كما قال الموظف الحكومي السوري عباس، "فقد تراجعت الإتاوات التي كانت فرضاً وتراجع التهريب وزالت المخاوف لولا أحداث الساحل أخيراً كما تحسّن النقل وتراجع الاختناقات وتحسنت نسبياً الكهرباء، والأمل كبير بعد ما قيل عن وصول غاز قطري وإمكانية عودة ثروات مناطق قسد "غاز ونفط" للدولة".
ما الحل؟
يجمع سوريون أن وعود حكومة تسيير الأعمال أكثر من أفعالها على الأرض، لجهة معيشة السوريين، فمنذ منتصف كانون الأول وعد وزير الاقتصاد، باسل عبد الحنان بأن 120 دولاراً هو الحد الأدنى الذي يمكن أن يوفر حياة كريمة، لكن ذلك التصريح لم ينعكس، رغم الوعود والترقب والحاجة.
ويشير سوريون إلى تراجع الدعم الذي كانت الأسر تتلقاه وإن كان محدوداً سواء على الخبز أو المحروقات، مبدين خشيتهم من رفع كامل الدعم الذي لم يزل على الغاز المنزلي وتحرير الأسعار، من دون أن تتحسن الدخول وتتوفر فرص عمل بديلة لمن يخرجون عن القطاع الحكومي، تسريحاً أو إجازات قسرية، فالبطالة المقنعة التي كان يعتمدها نظام الأسد المخلوع رُشًى لمناصريه، من المفترض أن لا يتحمل وزرها السوريون.
ويعتبر الاقتصادي، أسامة قاضي أن تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، هي أبسط حقوق السوريين، لكن لا بدّ من النظر إلى الأمر بشيء من المنطق الاقتصادي وحتى السياسي، في ظلّ واقع خراب كامل لسورية وتبديد كامل للموارد والاحتياطيات، متوقعاً أن يتبدل الوضع تباعاً بعد عودة النفط، وهو أهم موارد الخزينة العامة، بعد الاتفاق مع قسد، والضرائب بواقع القانون الجديد.
ويضيف قاضي لـ"العربي الجديد" أن زيادة الأجور إن لم تترافق مع زيادة الإنتاج، فسيكون أثرها سلبياً وتضخمياً، والحل في البدء بمعالجة الخلل البنيوي والإنتاجي للاقتصاد السوري، وحتى تكون زيادة الرواتب والأجور مجدية، للمستهلك والاقتصاد، لا بدَّ من ربطها بمتغيرات الأسعار وعدم تثبيتها كما كان يحدث خلال العهد البائد، كما لا بدّ في رأيه، من إعادة تفعيل طرائق الدعم، وهذا لا يتنافى حتى مع نمط الاقتصاد الحر الذي تخطط سورية لتطبيقه، ويشدد على ضرورة "جذب الاستثمارات وتحسين الاقتصاد من مصادر غير مستدامة".