مضاربات الأوكسجين: حياة الجزائريين تحت رحمة تجار الموت

مضاربات الأوكسجين: حياة الجزائريين تحت رحمة تجار الموت

08 اغسطس 2021
المستشفيات تعاني من نقص في الأوكسيجين (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -

تشهد الجزائر ارتفاعاً جنونياً في أسعار المنتجات الطبية وشبه الطبية والأدوية، المرتبطة أساساً بجائحة كورونا. فقد تضاعفت الأسعار عشرات المرات، وسط تزايد الطلب، فيما تعجز الحكومة عن كبح أطماع "تجار الأزمات" الذين انتقلوا من استغلال الحاجة إلى المواد الغذائية خلال الإقفالات، وصولاً إلى المواد الصيدلانية والطبية، معرضين حياة الجزائريين للخطر.

ولا يكاد يخلو مستشفى في الجزائر من ظاهرة "قارورات الأوكسجين" التي يحملها المواطن، سواء في الشارع لتعبئتها أو داخل المستشفيات لإنقاذ قريبٍ، وذلك بعدما عجزت المؤسسات الصحية عن توفير الكميات اللازمة من الأوكسجين. إلا أن المشكل لا يكمن في نفاد هذه المادة من الشركات المنتجة، بل في دخول "تجار الموت" على خط الأزمة، عبر شراء كميات كبيرة، والمضاربة بأسعارها، في مشهدٍ يرى الكثير من الجزائريين أنه شوّه وكسر كل مظاهر الإنسانية والرحمة في البلاد.

يروي الشاب محمد عوس لـ "العربي الجديد" عن رحلته للظفر بقارورة أوكسجين، ويقول إنه اضطر إلى شرائها بحوالى 200 ألف دينار (1515 دولاراً) سعة 10 لترات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت لم يكن يتعدى سعرها قبل الجائحة 40 ألف دينار (303 دولارات) في أقصى تقدير. ويضيف أنه توجه الى أحد مصانع إنتاج الأوكسجين الطبي في ضواحي العاصمة، إلا أنه فوجئ بتوقف المصنع عن بيع الأوكسجين للمواطنين مباشرة، وذلك بعدما استولى المضاربون على الكميات الكبيرة من القوارير.

مأساة محمد عوس يعيشها مئات الآلاف من الجزائريين الذين يكابدون من أجل الظفر بقارورة أوكسجين تنقذ أحد أقاربهم المصابين بالفيروس التاجي، فيما تعيش البلاد موجة ثالثة من الجائحة. في المقابل، تسعى الحكومة لتوفير مكثفات الأوكسجين الكبرى والصغرى، عبر استيرادها من الصين بصفة استثنائية بالموازاة مع استيراد سفينة محملة بالأوكسجين من دول جنوب أوروبا بصفة عاجلة.

توجهت "العربي الجديد" إلى مصنع لإنتاج الأوكسجين الطبي في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر، وهو يموّن مستشفيات العاصمة وخارجها بهذه المادة الحيوية. ويقول سبتي ضيف، مدير مصنع "أوراس غاز" إنه "في البداية كان المصنع يبيع الأوكسجين للمواطنين مباشرة بمتوسط سعر لا يتعدى 40 إلى 60 ألف دينار للقارورة ذات سعة 10 لترات، يشمل سعر القارورة المقدر بـ 20 ألف دينار التي يسترجع المواطن سعرها فور إعادتها فارغة إلى المصنع.

ويضيف: "لاحظنا ارتفاع الطلب كثيراً بموازاة تزايد أسعار قوارير الأوكسجين في السوق السوداء، حتى بلغت 200 ألف دينار، لذا قررنا بيعها للمواطن مباشرة، شرط جلب شهادة طبية تؤكد وجود صلة بين المريض بالكوفيد والزبون. وللأسف، فاجأنا وجود شهادات مرضية مزورة، لا ندري ما إذا كانت مقابل مبلغ مالي أو لا، لكن هناك أقلية أفسدت كل شيء".

ويتابع: "المصنع اضطر إلى وقف بيع الأوكسجين للمواطنين مباشرة لتفادي المضاربة، ونركز إنتاجنا للمستشفيات". وانتقل جشع "تجار الأزمات" من الأوكسجين إلى الأدوية والمكملات الغذائية، خاصة المستخدمة لمعالجة مرضى كوفيد 19، خاصة الفيتامينات والأدوية المضادة لتخثر الدم، التي تعاني رفوف الصيدليات ندرة فيها.

ويقول مسعود بلعمبري، رئيس نقابة الصيادلة (قطاع خاص) إن "الأسعار في الصيدليات لم ترتفع لأنها تخضع للرقابة، لكن الإشكال يكمن في الوسطاء الذي يبيعون كميات من الأدوية للمضاربين، ما رفع الأسعار، كما هو الحال مع الدواء المضاد لتخثر الدم، الذي يباع خارج الصيدليات بضعف سعره للأسف، وحتى "فيتامين سي" ارتفع سعره 25 في المائة".

ويضيف بلعمبري في حديث لـ "العربي الجديد" أن "نقابة الصيادلة اتصلت بمنتجي الأدوية المستخدمة في معالجة كوفيد19، من أجل وضع آلية توزيع تكبح المضاربين وتخرجهم من السوق، فمن غير المعقول أن نبقى نتفرج على أمور مماثلة". وبدأت ظاهرة "تجار الأزمات" تتزايد مع كل مشكلة صحية أو طبيعية وحتى في المناسبات الدينية والأعياد.

وفي السياق، يقول رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، إن "الأمر لا يتعلق بالروادع الدينية ولا الإنسانية، إذ يجب مقاربة الملف عبر تفعيل القانون، لأننا الآن أمام تجار أزمات متجردين من أي قيم أخلاقية، من يتاجر بالأوكسجين ويقبل أن يموت شخص آخر لأنه لا يمتلك 10 آلاف دينار لشراء قارورة الأوكسجين، فهذا يحتاج للسجن أقله". ويضيف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد": "عند كل أزمة يظهر المضاربون. عند ظهور الجائحة شهدت الجزائر مضاربة في الكمامات والسلع الواقية، ثم مضاربة في الطحين والزيت وكل المواد الغذائية، والآن انزلق الأمر إلى مادة حيوية، هي الأوكسجين".

ويتابع بأنّ "على الدولة أن تضرب بيد من حديد، لا يعقل أن تترك الجزائريين ضحية الذئاب البشرية، تواصلنا مع الوزارات المعنية من أجل التبليغ عن ممارسات كهذه، يجب كبح المضاربين ولو بلغ الأمر تسخير قوات الأمن لمتابعة هذا الملف".

المساهمون