مصر وصندوق النقد... 8 سنوات من الحصاد المر

11 اغسطس 2024
قروض صندوق النقد افقرت المصريين وعمقت كساد الأسواق - ملابس مصر-07-12-الأناضول
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مفاوضات القرض مع صندوق النقد الدولي وتأثيرها الأولي**: بدأت مصر مفاوضات للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتمت الموافقة عليه في أغسطس 2016 مقابل تطبيق برنامج تقشفي صارم.

- **تداعيات القرض على الاقتصاد والمواطنين**: شهدت مصر تعويمًا للعملة المحلية، مما أدى إلى زيادات كبيرة في الأسعار، ارتفاع التضخم، وخفض الدعم الحكومي، مما زاد من أعداد الفقراء وأثر سلبًا على الطبقة الوسطى.

- **استمرار الاقتراض وتفاقم الدين الخارجي**: رغم سداد مصر لأكثر من 100 مليار دولار من الديون، بلغ الدين الخارجي 153.86 مليار دولار في مايو الماضي، مما زاد من الأعباء المالية وطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على وقف الاقتراض الخارجي.

قبل ثماني سنوات انخرطت حكومة مصر في مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي استهدفت الحصول على قرض دولاري ضخم تستخدم حصيلته في دعم ما يسمى ببرنامج الاصلاح الاقتصادي، وتهدئة سوق الصرف الأجنبي الهائج، وتغطية العجز الضخم في الموارد الدولارية والذي تعمق بشدة بسبب تكلفة تفريعة قناة السويس والبالغة ثمانية مليارات دولار وتداعيات حادث سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2015 وعلى متنها 224 راكباً، وتبعات الاضطرابات الأمنية التي شهدتها البلاد في الفترة من 2012-2015.

وتوجت المفاوضات بإعلان صندوق النقد يوم 11 أغسطس/ آب 2016 موافقته على منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات بواقع أربعة مليارات دولار سنوياً، مقابل تطبيق برنامج تقشفي حاد لم يسبق للدولة المصرية أن مرت به حتى في فترات الحروب والقلاقل السياسية، بل كان واحداً من البرامج الأشد قسوة عالمياً.

ساعتها، روجت الحكومة للاتفاق مع الصندوق على أنه لصالح الاقتصاد المصري ودعم برنامج الإصلاح الهيكلي، حيث يعد شهادة على قوة الاقتصاد ومتانة مركز مصر المالي، وأنه سيساعد في إحداث طفرة في أنشطة الصادرات والسياحة وتحويلات المغتربين، وجذب مزيد من الاستثمارات المباشرة، وعلاج عجز الموازن ة العامة للدولة، والقضاء على السوق السوداء للعملة.

مصر باتت ثاني أكبر مدين لصندوق النقد بعد الأرجنتين، وأنها سددت ما يزيد عن المائة مليار دولار ديوناً في عشر سنوات

بل بالغت الحكومة حينئذ حينما خرج علينا كبار المسؤولين بالتأكيد أن القرض لصالح المواطن الفقير والشباب العاطل عن العمل، حيث يرفع من مستوى المعيشة، ويقلل من تكلفة الحياة، ويخفض الأسعار عبر خفض معدل التضخم، ويوفر مزيداً من فرص العمل والسكن المناسب لملايين الشباب.

لكن ما حدث بعد ذلك هو العكس تماماً، فما إن حل الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 حتى فُتحت طاقة جهنم على المواطن والاقتصاد والموازنة العامة، تعويم حاد للعملة المحلية تم على إثره خفض قيمة الجنيه من مستويات 8.88 جنيهات للدولار إلى 15.77 جنيهاً للدولار بتراجع 78% مرة واحدة، ثم إلى ما يقرب من 20 جنيهاً في فترة لاحقة.

زيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات الأساسية من بنزين وسولار وغاز منزلي ومشتقات وقود وكهرباء ومياه، زيادات غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية مع خفض الدعم، قفزات في الضرائب والرسوم الحكومية، موجات تضخمية غير مسبوقة خاصة عقب تطبيق ضريبة القيمة المضافة لأول مرة، خفض وزن رغيف الخبز وحذف الملايين من بطاقة التموين.

والنتيجة زيادات غير مسبوقة في أعداد الفقراء والمهمشين، وتعاظم حالات إفلاس الشركات، وضعف القطاع الخاص المولد الرئيسي لفرص العمل، وتهاوٍ في مستويات المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وضغوط شديدة على القطاع الصناعي والإنتاجي بسبب زيادة كلفة الإنتاج، وكساد في الأسواق.

ومرت سنوات الاتفاق مع الصندوق صعبة على المصريين، لكنهم صبروا، إمّا خوفاً من القبضة الأمنية، وإمّا على أمل تحقق وعود الحكومة خاصة المتعلقة بتحسن مستوى المعيشة وعدم الدخول في اتفاقات جديدة مع المؤسسة المالية بعد عام 2019، وأن تنتهي السنوات الثلاث العجاف التي هي فترة القرض بحلوها ومرها.

رغم كل ما تم اغترافه من أموال المصريين لسداد أعباء الديون وأقساطها، لا يزال الدين الخارجي هو الأعلى في تاريخ الدولة المصرية

لكن ما حدث بعد ذلك هو أن اللهب حرق كل المصريين، فقيرهم وغنيهم، أصحاب المدخرات المحدودة ورجال الأعمال، فقد تم الدخول في اتفاقات قروض جديدة، تبعها إجراء أربعة تعويمات للجنيه المصري في غضون ثلاث سنوات.

وحصلت الحكومة على شرائح قروض ضخمة من الصندوق فرفعت المبلغ إلى أكثر من 20 مليار دولار، ورافقها برامج تقشفية اتسعت دائرة التزاماتها ولم تعد قاصرة على إرهاق المصريين بزيادات الأسعار والضرائب، بل امتدت إلى بيع أصول الدولة والتفريط في مقدراتها، وتخصيص الجزء الأكبر من أموال دافعي الضرائب لسداد أعباء الديون.

مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد

والنتيجة النهائية أن مصر باتت ثاني أكبر مدين لصندوق النقد بعد الأرجنتين، وأنها سددت ما يزيد عن المائة مليار دولار ديوناً في عشر سنوات منها 28 ملياراً فوائد و74 ملياراً أقساطَ دين، وأن هذا المبلغ كان كافياً لإقامة عشرات المدن الصناعية الكبرى وتشييد مدن عمرانية وبناء ملايين الوحدات السكنية وآلاف المدارس والمستشفيات.

موقف
التحديثات الحية

 

وأنه رغم كل ما تم اغترافه من أموال المصريين لسداد أعباء الديون وأقساطها، لا يزال الدين الخارجي هو الأعلى في تاريخ الدولة المصرية، حيث بلغ 153.86 مليار دولار في نهاية شهر مايو الماضي مقابل 43 مليار دولار قبل نحو عشر سنوات.

فهل تقف الحكومة المصرية وقفة لوضع حد لمسلسل السفه في الاقتراض الخارجي، ووقف استنزاف الدائنين الدوليين لثروات المصريين وأموالهم، وتهديد الأمن الاقتصادي للدولة عبر الرضوخ لشروط تعجيزية تهدد النسيج الاجتماعي، أم فات الميعاد، لنجد أنفسنا في اتفاقات قروض جديدة تستولي على ما تبقى لدى الدولة المصرية؟ وهنا يكون المصريون مجرد أجراء عند صندوق النقد وغيره من الدائنين، وتوجه ضرائبهم لسداد بند واحد هو أعباء الديون.